السلطة الجزائرية تطهّر أذرعها السياسية من القيادات المشكوك في ولائها
تستعد الذراعان السياسيتان للسلطة في الجزائر، لمراجعة تركيبة الهرم القيادي داخلهما، عبر لقاءين استثنائيين تقررا إجراؤهما نهاية الشهر الجاري، وسط لغط كبير حول خلفيات القرار الذي خالف النص المانع لأي نشاط سياسي أو ثقافي أو أي تظاهرة اجتماعية، بسبب تفشي وباء كورونا.
ويعقد حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، نهاية شهر ماي الجاري، دورة استثنائية لمؤسستيهما القياديتين (اللجنة المركزية والمجلس الوطني)، من أجل مناقشة أوضاع الحزبين، وعلى رأسها انتخاب أمينين عامين لهما، وهي الخطوة المفاجئة التي لم يستبعد فيها فعل الإيعاز الفوقي، تحسبا لاستحقاقات سياسية قادمة.
ووسط التركيز الكلي على جائحة كورونا، يجري التكتم على المساعي الدائرة داخل الحزبين اللذين يستعدان للعودة إلى المشهد السياسي، بعد الهزات التي تعرضا إليها خلال الأشهر الأخيرة، غداة تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، واللذين يمثلان جزءا من تركته السياسية.
ويعتبر حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، إلى جانب شريكيهما في ما كان يعرف بـ”التحالف السياسي المؤيد لبوتفليقة”، أكبر ضحايا الإفرازات التي طرحها الحراك الشعبي منذ فبراير العام 2019، حيث أحيلت قياداته الأربعة إلى السجن بتهم الضلوع في قضايا فساد مالي وسياسي.
انتخاب قيادات جديدة على رأس الأحزاب الكبرى الداعمة للسلطة عملية مخطط لها بإحكام
وفيما كان الحزبان وتركيبتهما البشرية يقعان في صلب غضب الاحتجاجات السياسية الشعبية في البلاد، وبات مصيرهما يمثل واحدا من الحلول المقترحة لاستعادة الاستقرار إلى الشارع الجزائري في إطار ما عرف بـ”العزل السياسي”، فإن إعادة السلطة لنفسها عبر مختلف المناورات يكون قد وصل إلى مرحلة إعادة تأهيل أكبر حزبين سياسيين في البلاد، تحسبا للمرحلة القادمة.
واستغرب متابعون للشأن السياسي في البلاد، خلفيات ترخيص وزارة الداخلية والجماعات المحلية، للحزبين بتنظيم لقاءين سياسيين نهاية الشهر الجاري، رغم النص التشريعي، الذي يحظر كل الأنشطة السياسية والثقافية والاجتماعية، وكل أشكال التجمع، ولم يستبعد هؤلاء أن يكون الإيعاز الفوقي قد وصل إلى الإدارة وإلى الحزبين من أجل التحرك في هذا الاتجاه، رغم الأوضاع الاستثنائية للبلاد ورغم الطابع المفاجئ لقرار عقد اللقاءين الذي فاجأ حتى منتسبي الحزب أنفسهم.
ويبدو أن السلطة الجديدة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، منذ انتخابات الرئاسة التي جرت في الثاني عشر من ديسمبر الماضي، بصدد تطهير محيطها وهيئاتها وأذرعها، بما في ذلك الأحزاب السياسية الكبرى، التي يجري تنقيتها من القيادات المشكوك في عدم ولائها للرئيس.
ويمثل انتخاب أمين عام جديد، أبرز بند ورد في جدول أعمال الدورتين الاستثنائيتين للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، والمجلس الوطني للتجمع الوطني الديمقراطي، مما يوحي إلى أن أيام كل من علي صديقي وعزالدين ميهوبي، قد انتهت على رأس الحزبين.
ويمثل رحيل الأمين العام بالنيابة الحالي لجبهة التحرير الوطني قرارا خفيفا، بما ينتظر ميهوبي، بعد تنحيته من قيادة التجمع الوطني الديمقراطي، قياسا بالإشارات التي تحوم حول الرجل عن ضلوعه في قضايا فساد، لاسيما بعد تجريده من جواز سفره الشخصي بقرار من السلطات القضائية.
ورغم أن الرجلين كانا سباقين للترحيب بالمقترحات الدستورية التي طرحها تبون، للإثراء والمناقشة وعبرا عن دعمهما لها، وألمحا إلى تعبئة حزبيهما لتمريرها في الاستفتاء الشعبي المنتظر، إلا أن ذلك لم يشفع لهما من دفع ثمن تغريدهما خارج سرب الجناح المتنفذ داخل السلطة.
وفي تصريح لرفع اللبس الذي أثار قرار تنظيم دورة اللجنة المركزية في الظرف الحالي، أكد الأمين العام بالنيابة لجبهة التحرير الوطني علي صديق على أن “الدعوة لعقد اجتماع للجنة المركزية للحزب يومي 28 و29 ماي الجاري من أجل انتخاب قيادة جديدة قرار شرعي وقانوني، لإعادة ترتيب بيت الحزب والتحضير للاستحقاقات المقبلة”.
ولفت إلى أن “قيادة الحزب كانت تسعى لعقد اجتماع للجنة المركزية في شهر أبريل الماضي، غير أن الأزمة الوبائية أجلت انعقادها، واليوم بات من الضروري انعقاد اللجنة من أجل انتخاب قيادة جديدة للحزب وتمديد الدورة إلى 6 أشهر أخرى إلى غاية انعقاد المؤتمر الحادي عشر للحزب، خاصة وأن القانون ولوائح حزب جبهة التحرير تنص على ضرورة انتخاب قيادة جديدة تشرف على تحضير المؤتمر”.
ونفى المتحدث أن تكون للأمر علاقة بالدستور الجديد واستحقاق الاستفتاء الشعبي المنتظر، وبرر ذلك بكون جبهة التحرير الوطني كلفت لجنة من المختصين بالاشتغال على مسألة التعديلات والمقترحات وأفكار الحزب.
ويسود تكتم كبير داخل صفوف الحزبين حول الشخصيتين اللتين ستوكل لهما إدارة شؤون جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي في المرحلة القادمة، مما لا يستبعد حتى أن يكون الإذعان الفوقي، قد لوح إلى هوية الأمينين العامين للحزبين، على اعتبار أن العملية برمتها مخطط لها.