الخوض في مكوّن الهوية يثير المخاوف في الجزائر
دعا التنظيم النقابي المستقل “نادي القضاة”، جميع القوى الحية في البلاد إلى الانخراط في مناقشة مسودة الدستور الجديد، وهو موقف يسير عكس بعض القوى التشريعية والحقوقية المعارضة للسلطة في الجزائر، وحتى عكس الخطاب الذي تبناه النادي بشأن دعمه العلني للحراك الشعبي منذ بدايته.
وذهبت قراءة دستورية لرئيس نقابة نادي القضاة سعدالدين مرزوق إلى أن الموافقة على مشروع مسودة الدستور الجديد، لن يكون معها إلا دستور تنظيمي للحياة السياسية يتم خلاله احتواء مفرزات قوى الحراك الشعبي المعتدلة في مدى منظور، يتبعه بعد ذلك إما فتح ورشات حقيقية لإعداد دستور الجمهورية الجديدة، التي يطمح ويتطلع إليها الجميع، أو الحفاظ على استمرارية المنظومة الحاكمة مع نهاية إرهاصات الحراك.
وذكرت القراءة التي تحصلت “أخبارنا الجالية ” على نسخة منها،” كنا ننتظر كما باقي قوى الحراك الشعبي الفاعل، أن يكون مشروع الدستور عاكسا لفعل سياسي ونتاجا لهبة شعبية سلمية امتدت ولازالت في أثرها لأكثر من عام، و كنا نود أن يتوج في اطار جمعية تأسيسية جامعة لكفاءات قوى المجتمع المدني المختلفة المنتخبة من الشعب، والتي هدفها تجسيد دولة ديمقراطية حقيقية بقوى سياسية واجتماعية جديدة، تحفظ التوازن مع القوى القديمة التقليدية وتفرض ارادتها على الحاكم “، لتكون بهذا الموقف أول جهة محسوبة على الحراك الشعبي تعلن عن انخراطها في المسار الدستوري، عكس قوى أعلنت عن مقاطعتها للوثيقة المعروضة.
وهو ما يقود إلى اعتبار النسخة المعروضة للإثراء والنقاش، دستورا مؤقتا لسنوات محدودة، سيفضي بحسب قراءة منتسبي النقابة القضائية، إلى دستور نهائي لما وصفته بـ”الجمهورية الجديدة”، أو الإبقاء على الوضع الحالي في نفس المربع الذي تعيشه البلاد، مما يوحي بدعم مبطن من طرف القضاة للوثيقة المذكورة.
وترى النقابة التي جاهرت بدعمها للحراك الشعبي منذ الأسابيع الأولى لانطلاقته، في بيان لها أن “براثن الاستقطاب الهوياتي اللغوي، تحمل معها غرائز القنص والافتراس وغرس الأظافر في لحم الحقيقة”، في إشارة إلى المخاطر التي أثارها البند المتعلق بالهوية الوطنية، حيث أحدث لغطا كبيرا في الشارع وحتى لدى نخب سياسية واجتماعية وأكاديمية.
ويبدو أن النقابة التي حذرت من الخوض في جدل الهوية الذي أثارته المسودة، تغافلت عنه تماما، وهي رسالة واضحة لعدم تعاطيها مع القضية، رغم أنها ستحسم بأي طريقة في النسخة الجديدة للدستور، والراجح هو تعزيز مكانة ونفوذ المكون الأمازيغي، رغم امتعاض ورفض العديد من الجهات ذات الصبغة الهوياتية والحضارية والمرجعية.
وجاء هذا الموقف الداعم للدستور في سياق جدل محتدم في البلاد حول جدوى طرح المسودة الدستورية في هذا الظرف الحساس الذي تمر به البلاد نتيجة تفشي وباء كورونا والحجر الصحي الذي يعيشه الجزائريون منذ عدة أسابيع، فضلا عن تفاقم المخاوف السياسية غداة اشتداد حملة الاعتقالات والتوقيفات في حق الناشطين والمعارضين، إلى جانب التضييق على الحريات الإعلامية.