التأقلم مع تقلبات كورونا يفرض ترشيق الميزانية المغربية

فرضت التأثيرات العميقة لأزمة وباء كورونا على الحكومة المغربية الدخول في معركة ترشيق الميزانية الحالية للتحكم أكثر في النفقات وتغير خارطة المصاريف بفعل ارتفاع تمويل القطاع الصحي، في وقت تشهد فيه معظم القطاعات الإنتاجية ركودا اضطراريا أثر على الاقتصاد المحلي.

تستعد الحكومة المغربية لإعادة النظر في ميزانية هذا العام بعد أن استنزفت صدمة جائحة فايروس كورونا الموارد المالية للدولة ما جعلها تتجاوز حدود الفرضيات الاقتصادية المحتملة.

وشدد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة محمد بنشعبون في تصريحات صحافية هذا الأسبوع على ضرورة تحيين كافة الفرضيات والمؤشرات الاقتصادية الرئيسية.

وقال إنه “يجب وضع توقعات جديدة تأخذ بعين الاعتبار تأثير أزمة الوباء على عجز الميزانية والضرائب والدين، إلى جانب اعتماد خطة طارئة لإنعاش النشاط الاقتصادي”.

وأوضح أن الوزارة بصدد دراسة مجموعة من السيناريوهات “لنكون مستعدين لجميع الاحتمالات”، إذ أن كل سيناريو ستكون له آثار مختلفة على مؤشرات النشاط الاقتصادية، مما يتطلب مجموعة من التدابير المناسبة والمستدامة.

وتواجه حكومة سعدالدين العثماني ضغوطا متزايدة من الكتل النيابية في البرلمان من أجل الإسراع في إعداد مشروع قانون مالية تعديلي ضمن إستراتيجية موسعة لتحفيز الاقتصاد، بهدف مواجهة تداعيات كورونا.

وأكد عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، عمر بلافريج، أن الحكومة ملزمة بتقديم المشروع للبرلمان من أجل ملاءمة الميزانية مع الظروف الاستثنائية التي يمر بها المغرب بسبب الوباء ولإعادة النظر في الاعتمادات المخصصة لقطاعي التعليم والصحة بشكل خاص.

وتنص المادة الرابعة من القانون التنظيمي للمالية، على أنه لا يمكن أن تغير أي بنود في الميزانية إلا بقوانين المالية المعدلة.

محمد بنشعبون: ندرس عدة خطط حتى نكون مستعدين لكافة الاحتمالات

ويؤكد الخبير الاقتصادي هشام عطوش أنّ خيار تعديل الميزانية بات ضروريا بغض النظر عن الفرضيات، حيث يمكن التقليل أو الاستغناء عن مجموعة من الاعتمادات وإعادة توجيهها وترشيدها، بما يضمن الابتعاد ما أمكن عن الاستدانة المفرطة من الخارج.

وصادقت الحكومة في أبريل الماضي على مرسوم قانون يسمح لها بالاستدانة من الخارج فوق السقف المحدد في الميزانية، أي نحو 31 مليار درهم (3.1 مليار دولار).

وأثناء عرض مرسوم القانون المذكور أمام أعضاء لجنة المالية بمجلس النواب، صرح بنشعبون بأن سيادة المغرب مهددة في حال عدم الاستدانة من الخارج.

ويرى الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي إدريس الفينة أن إطلاق صندوق خاص لمواجهة الوباء، والذي ناهز حجم تمويلاته 3.5 مليار دولار، خفف العبء عن الميزانية العامة، وهو ما يسمح بالتصرف فيها في ظروف عادية إذا ما استمرت المداخيل الضريبية المتوقعة في تطورها الحالي.

ويقول عطوش إن عجز ميزان الضرائب الذي كان بنهاية العام الماضي في حدود ثلاثة مليارات دولار سيتعمق أكثر، كما أن خدمة الدين الخارجي ومستحقات أرباح الشركات الأجنبية بالمغرب تشكل مصدر نزيف إضافي من العملة الصعبة.

لكن آخر الإحصائيات تظهر أن الحسابات الجارية للحكومة لم تتأثر سلبا بالأزمة، بل سجلت نتائج إيجابية، فالمداخيل تحسنت بنحو 8.1 في المئة، والاستثمارات بنحو 5.7 في المئة، والخزينة العامة سجلت فائضا يقدر بحوالي 613 مليون دولار.

ورغم الأزمة ارتفعت احتياطات النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي في نهاية الشهر الماضي بنحو 2.2 في المئة على أساس سنوي، لتصل إلى قرابة 28.54 مليار دولار.

وأما على مستوى التبادل التجاري فعرفت الصادرات منذ بداية العام الجاري تراجعا بنحو 10.6 في المئة، وعرفت الواردات تراجعا بنحو 5.1 في المئة وهو ما ساهم في تدهور الميزان التجاري بنحو 3.8 في المئة.

وفي ضوء هذه المعطيات، تعتقد الأوساط الاقتصادية أنه في حال استمرت تأثيرات الوباء لفترة أطول، فقد تضطر الحكومة إلى التراجع عن العديد من الإجراءات والالتزامات في الميزانية الحالية، مع إضافة بنود جديدة تهدف إلى دعم استعجالي للشركات والفاعلين المتضررين من انتشار الفايروس.

وكانت لجنة اليقظة الاقتصادية، التي شكلتها الحكومة، قد قررت إدراج كافة القضايا المثارة في إطار مشروع قانون المالية المعدل، والذي يرتبط إعداده بتوقعات النمو الاقتصادي.

واعتبرت اللجنة أن الخيار النهائي مرتبط بتحسن الظروف العالمية على المستويين الاقتصادي والصحي من جهة، وبخطط التخفيف التدريجي للحجر الصحي، التي سيتم تطبيقها على المستوى المحلي من جهة أخرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: