المغرب: ورطة قانون الشبكات الاجتماعية؟

في الأيام القليلة الماضية حدث تطور مهم في المغرب. حول قانون شبكات التواصل الاجتماعي، بما تضمنه من مواد تمس بالحريات وتسيء لصورة المغرب الحقوقية، وتجعله شبيها بدول مثل كوريا الشمالية، ولا نضعه في مشرحة التحليل السياسي.
لنبدأ أولا بالشكليات، نسجل بهذا الشأن ثلاث ملاحظات:
الأول: أن قانون شبكات التواصل الاجتماعي تم الدفع به من غير موجب للاستعجال لحظة الحجر الصحي وفي ظل قانون الطوارئ الصحي.
الثاني: أن مشروع القانون لم يكن مبرمجا في أجندة المجلس الحكومي، وتم إدخاله إلى برنامج المجلس الحكومي على عجل قبل يوم واحد من انعقاد المجلس الحكومي يوم 19 أبريل 2020. الثالث: أن هذا القانون لم يتم التوافق عليه بين مكونات الأغلبية، وتم تأجيل النظر فيه، إلى المجلس الحكومي الذي يليه، ولم يتوصل السادة النواب بأي نسخة منه، ولم تنشر الأمانة العامة للحكومة نسخته على صحفتها الإلكترونية كما هي القواعد القانونية المعمول بها، ولم يتوصل به السادة النواب، ولولا تسريب بعض مواده لما عرف الرأي العام ما دار حوله بين مكونات الحكومة، إذ أظهر التسريب أن هناك خلافات حكومية حول القانون، وأنه تم المصادقة عليه في الإجمال بشرط مراجعة بعض مواده الخلافية، وأن مذكرة كتبها وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقة مع البرلمان في الموضوع، وأن لجنة تقنية ثم وزارية أنيط بها الحسم في المواد الخلافية قبل إحالته على البرلمان.
تبدو هذه الشكليات مهمة من زاويتين: الأولى، أن ثمة جهة ما دفعت بهذا المشروع في جنح الظلام ليتم أخذ الحكومة على غرة، واستثمار الإجماع الذي وفرته ظروف مواجهة كورونا لتمرير القانون المشؤوم، والثانية، أنه على الرغم من رفض حزب العدالة والتنمية لهذا المشروع، وترافعه القوي ضده داخل مجلس الحكومة، فإنه حاول ضبط النفس، وضبط الخلاف وعدم تسريبه، بل ساير لحظة الإجماع، وأمضى ما يسمى بالمصادقة المبدئية المشروطة بتعديل المواد الخلافية.
من الصعب جدا تحديد الجهة التي دفعت لتمرير لهذا المشروع بهذه السرعة وبالضبط في لحظة الطوارئ الصحية، لكن بعض المواد الخلافية، تشير إلى أن هاجس المقاطعة الاقتصادية كان حاضرا بقوة ضمن حيثيات إعداد القانون، وأنه لذلك، أمضى مشروع قانون تجريم المقاطعة الاقتصادية للمنتوجات المغربية وأي محاولة للتشهير بأي منتوج اقتصادي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الورطة الحكومية، والديناميات الحزبية التي أعقبت محاكمة المسؤول عن محاولة تمرير هذه المواد الخطيرة الماسة بالحريات، زادت في تغميض الحقيقة، فوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، وجدها فرصة سانحة للتعبير عن صوابية موقفه والإعلان عن مضمون مذكرته بهذا الخصوص، بل وجد السانحة لضم هذا إلى ذاك، والتحذير من مخاطر وقوف بعض اللوبيات في وجه تمرير قانون تجريم الإثراء غير المشروع. حزب التجمع الوطني للأحرار، وضع العربة في مقدمة القطار، وأظهر نفسه من خلال بيان نشره في الموضوع، أنه معني بالديمقراطية والحريات، وأنه لا يمكنه أن يكون ضدهما، فيما بقي حزب الاتحاد الاشتراكي وحيدا، يبحث كاتبه الأول عن مخرج دون أن يمس وزيره في العدل، قبل أن يفاجئ الرأي العام مؤخرا، بلغة مزودجة، فيها النفي والإثبات، ونسبة مشروع القانون لوزير العدل.

قانون الشبكات الاجتماعية يمس الحرية، وليس هناك موقف داعم لها سوى موقف كبار التجار الذين يخافون على منتوجهم من السلاح السياسي الذي تملكه الجماهير

لغة مضطربة تفسرها الديناميات السريعة التي حدثت داخل الاتحاد الاشتراكي على خلفية تورطه في لعب دور الواجهة لتمرير قانون يمس العقيدة السياسية للاتحاد الاشتراكي ويضرب الهوية السياسية لقوى اليسار، فتصريحات حسناء أبو زيد المسؤولة السابقة للفريق النيابي للحزب (أقالها لشكر بعد توليه للكتابة الأولى للحزب)، والبلاغ الناري الذي كتبه عضو المكتب السياسي حسن نجمي، وأكثر من عشرة من أعضاء المكتب السياسي، فضلا عن انتفاضة كتابات جهوية من موقف الكاتب الأول للاتحاد، أعطى صورة واضحة عن البعد الوظيفي في التحالف القائم بين لشكر (الاتحاد الاشتراكي) وأخنوش (التجمع الوطني للأحرار)، فالدفاع المستميت الذي دافع به أخنوش على إدريس لشكر وتشكيلهما كتلة ممانعة للتحالف الذي أراد بنكيران بناءه لتشكيل حكومته الثانية، يكشف أن الاتحاد الاشتراكي في عهد إدريس لشكر قد قبل بثمن لعب دور الواجهة لمصالح التجار، وخدمة مواقعهم، بحكم أنه يملك الآليات القانونية والتكتيكات السياسية التي لا يمتلكها حزب أخنوش لمواجهة القوى الإصلاحية. حتى المخرج الذي تم اللجوء إليه حكوميا، يثير علامات استفهام كثيرة، فقد ألقي بالكرة في ملعب وزير العدل لوحده، وهو الذي طبق بالحرف المثل المغربي السائر، «فكها بسنه يا من شبكها بيده»، فأعلن السيد بن عبد القادر بطريقة تضرب عمق الدستور تأجيل طرح القانون، كما ولو كان هو رئيس الحكومة. لكن تأجيل القانون، لم يحل المشكلة، بل زادها تعقيدا، إذ بقدر ما خرج حزب العدالة والتنمية بأقل الخسائر، وربما ببعض المكسب السياسي، لم يخرج حزب الأحرار، بمغرم كثير، بل الضربة تحملها لوحده حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي مس بسلوكه هذا صورته كحزب سياسي، تنطلق هويته السياسية من الدفاع عن قضايا الحرية والديمقراطية والانحياز للقوى الشعبية. يمكن أن نلاحظ ملاحظتين اثنتين: الأولى ثمة سوء تقدير لردود فعل المجتمع من أي قانون يمس بالحريات لاسيما حرية النشر الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيما عدا ما يجرمه قانون النشر، أما الثانية، وهي، أن حزب إدريس لشكر، الذي استعير منذ انتخابات السابع من أكتوبر لأداء وظيفة الواجهة للقوى الثالثة (اصطلاح الكاتب الأول عبد الرحمان اليوسفي والجابري للتعبير عن لوبيات مقاومة الإصلاح)، ضد القوى الإصلاحية، وفي الوقت ذاته، التغطية عن مصالحهم وتحمل مسؤولية الدفاع القانوني والسياسي عنها، خرج هو الخاسر الأكبر، بل إن الديناميات التي تجري اليوم داخل بنياته التنظيمية، تؤشر أن الثمن لن يكون أقل من رأس الكاتب الأول، وإن كان البعض يحاول أن يخرج هذه النهاية بصيغة لطيفة اقترح فيها على إدريس لشكر أن يخرج من الباب الواسع ربما بالإعلان عن نيته عدم الترشح مرة أخرى للكتابة الأولى داخل الحزب، أو الإعلان عن إقالة وزير العدل من الحزب، أو تقديم لشكر للاستقالة من الكتابة الأولى للحزب.
مؤكد أن الديناميات الأخرى لم تنته، فمشروع القانون لم يتم سحبه، وإنما تم تأجله، والسوابق التي مرت مع قانون القانون الإطار الذي رسم فرنسة التعليم، استعمل فيه نفس التكتيك، أي التأجيل، ريثما تنضج شروط تمريره. لكن مع ذلك، ثمة فوارق كبيرة بين القانونين، لأن الأول يمس قضية الهوية، والقوى السياسية بإزائها مختلفون، لكن قانون الشبكات الاجتماعية يمس الحرية، وليس هناك موقف داعم لها سوى موقف كبار التجار الذين يخافون على منتوجهم من السلاح السياسي الذي تملكه الجماهير حتى دون انتماء سياسي (المقطعة الاقتصادية) ومع ذلك لا يجرؤون عن تسمية مصالحهم والتعبير عنها، فيلجأون إلى حزب انحدر من القوى الشعبية، ليلطخوا سمعته، ويحملوه الوزر، ويتم لعنه بعد ذلك.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: