صناع المحتوى يغطون فجوة الابتكار في الصحافة المغربية

ناقدون: صناع المحتوى مطالبون بالتدريب في المجال الإعلامي، من أجل ممارسة العمل الإعلامي بقواعده، وإلا يجب أن يقتصر حضورهم على المستوى التواصلي فقط

برز العديد من صناع المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي في المغرب، واستطاعوا تحقيق شعبية كبيرة بقدرتهم على الوصول إلى مسؤولين بالحكومة وإجراء حوارات في قضايا تهم الشارع المغربي، ما أثار جدلا واسعا بين من انتقدوا التوجه الجديد لصناع المحتوى الذين أخذوا دور الإعلاميين، وفريق آخر يرى أن هؤلاء يحملون مشعل الحرية.

تصدر عدد من صناع المحتوى بمنصات التواصل الاجتماعي في المغرب المشهد الإعلامي، بعدما نجح بعضهم ممن يطلق عليهم أيضا “مؤثرو الويب “، في تحقيق قفزات لم يصل إليها نظراؤهم من الصحافيين.

وبات صناع المحتوى على مواقع التواصل على أعتاب الدخول في منافسة مع الصحافيين والإعلاميين، حيث أصبحت تلك المنصات بالفعل أحد المهددات الجديدة لمهنة الصحافة، وفقا للمتابعين.

صحيح أن المنافسة لم تبدأ بعد بين الطرفين، غير أنه من المتوقع رؤية هذه المنافسة في وقت غير بعيد، إذ أن أمام صناع المحتوى بتلك المنصات تحدي التدريب وفهم الرؤية السياسية وتعلم أخلاقيات مهنة الصحافة.

وبالفعل اندلع جدل في الساحة الإعلامية بمنابرها المختلفة، بعدما نجح صانع المحتوى بمنصات التواصل مصطفى الفكاك المعروف بـ”سوينغا”، في إجراء حوار مع مسؤول كبير بوزارة الخارجية المغربية.

وتطرق الحوار إلى أوضاع “المغاربة العالقين خارج المغرب في زمن كورونا (نحو 28 ألف مغربي)”، وهي قضية تهم كافة المغاربة، وقام الفكاك بنشر الحوار على حسابه في إنستغرام.

كما تمكن الفكاك في خطوة أخرى من كشف تفاصيل “مشروع قانون شبكات التواصل الاجتماعي”، الذي خلف نقاشا كبيرا، ما جعل الحكومة تؤجله.

ودار جدل بين إعلاميين انتقدوا التوجه الجديد لصناع المحتوى عبر أداء مهام في اختصاص الإعلاميين، فيما دافع فريق آخر عن هذه الفئة، معتبرا أنها تحمل مشعل الحرية الذي “بات يخفت” في المشهد الإعلامي المغربي.

وبين هذا وذاك، أصبح لصناع المحتوى حضور قوي بمنصات التواصل الاجتماعي لا ينكره أحد، سواء في إيصال المعلومات أو تبسيطها، وهو ما يمكن أن يسحب البساط من تحت أقدام الصحافيين، إذا لم يطوروا وسائل عملهم، وإذا تسلح صناع المحتوى بالتدريب ومبادئ أخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام.

ويرى الإعلامي المغربي إسماعيل عزام، وهو أيضا صانع محتوى في نفس الوقت، أن “الصحافة تعاني عموما في العالم من تراجع الإقبال عليها، بما فيها الصحافة الرقمية، بسبب انتشار الشبكات الاجتماعية لدرجة أن محتوى الكثير من الصحف صار يُستهلك على هذه الشبكات وليس في مواقع المؤسسات الصحافية”.

ولفت إلى أن “الحل لن يكون سوى بالابتكار وبتعزيز ثقة القارئ في الصحافة عبر الاشتغال بعمق وباحترام لأخلاقيات المهنة، فما نلحظه من انتهاكات لأخلاقيات الصحافة وقواعدها، يساهم في إبعاد القارئ عن الصحافة ويقربه أكثر من صناع محتوى محترفين”.

واعتبر عزام أن “الانتقاد الذي طال صناع المحتوى من قبل بعض الصحافيين لم يكن في محله، لأن مهام الصحافة التقليدية لم تعد حكرا على الصحافيين، فوسائل التواصل الاجتماعي تتيح لأي كان استضافة من يشاء ونشر ما يريد ولا يحتاج في هذا إلى وسيلة إعلامية محترفة”.

وأكمل “أعتقد أن السبب في ذلك هو ضعف الابتكار في الصحافة المغربية الذي جعلها تقليدية كثيرا في تعاملها مع الفضاء الرقمي، ما مكن صناع محتوى كثر من ملء هذه الفجوة”.

بدوره، قال محمد العوني رئيس “منظمة حريات الإعلام والتعبير” (غير حكومية)، إن العمل الإعلامي منظم في إطار مؤسساتي وقانوني ومهني.وأوضح أن هناك خلطا بين العمل الإعلامي الذي يقوم به الإعلاميون، والعمل التواصلي الذي يقوم به صناع المحتوى.

وأضاف، “من حق أي مواطن أن يقوم في إطار التواصل الرقمي بالتواصل وأن يهتم بقضايا معينة، ولكن من غير المقبول أن يقوم بالعمل الإعلامي كما تفرضه قواعد المهنة”.

والصحافة كغيرها من المهن الأخرى منظمة قانونا، بحسب العوني، ولا يمكن مثلا لأحد أن ينتحل عمل المحاماة أو القضاء، وإلا سيتم اتهامه بانتحال صفة .

وأكد أن الذي يريد القيام بالعمل الإعلامي يجب أن يمر عبر مسار تدريبي ومهني للقيام بهذه المهمة.

توجه الجديد لصناعة المحتوى في المغرب
توجه الجديد لصناعة المحتوى في المغرب

وبالتالي فإن صناع المحتوى مطالبون بالتدريب في المجال الإعلامي، من أجل ممارسة العمل الإعلامي بقواعده، وإلا يجب أن يقتصر حضورهم على المستوى التواصلي فقط، بحسب العوني.

بدوره، انتقد الإعلامي مصطفى بنرادي، في تدوينة على صفحته بفيسبوك، تصرف وزارة الخارجية في ما يتعلق باختيارها “سوينغا” لنشر معلومات تهم فئة كبيرة من المجتمع، وقال إنه كان يجب عليها “اختيار بيئة مهنية تسهم في تبليغ الرسالة” بشكل أفضل.

إلا أن بنرادي ذهب في الوقت ذاته إلى أن “الإعلام الجديد تجاوز الأطر الكلاسيكية، من جرائد ومواقع إلكترونية وقنوات تلفزيونية..، إلى فاعلين جدد في العملية التواصلية”.

ويفرض ذلك على الصحافي المهني “تعزيز حضوره وتقويته فيما قد يشترك فيه مع المساهمين الجدد، وأيضا إيجاد مساحات جديدة للاشتغال لا يمكن للفاعلين الجدد شغلها بالقطع، ولا يقوم بها إلا الصحافي بكل العدّة المهنية التي حصّلها من خلال التدريب أو الممارسة”، وفق بنرادي.

وعلى الضفة المقابلة، يرى الناشط كريم خانخام، أن هجوم بعض المنابر الصحافية على مصطفى سوينغا “غير مبرر”.

وقال في تدوينة على صفحته بفيسبوك، إن “حصول سوينغا على تصريح من مسؤول رسمي بوزارة الخارجية هو اعتراف ضمني بتأثير المحتوى الذي يقدمه على رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعكس بعض المنابر المعتمدة للأسف والتي اختارت الرصيف، فلا تلوم بذلك إلا نفسها اليوم”.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: