الجزائر تقدم تنازلات سيادية أملا في دعم سياسي
قررت الجزائر إلغاء اثنين من أكبر المبادئ السيادية المثيرة للجدل، واللذين كلفاها فاتورة ضخمة على الصعيد الاقتصادي، ويتعلق الأمر بكل من حق الشفعة وإلغاء قاعدة 49/51، ورغم أن المسألة تتعلق بالشق الاقتصادي إلا أنها غالبا ما اتصلت بتجاذبات سياسية توظف فيها شعارات السيادة الوطنية على الثروات المحلية، بينما يستفيد عادة الأجانب من امتيازات ضخمة مقابل تقديم دعم للسلطة.
ولم يستبعد مراقبون أن تكون التنازلات المقررة في مجلس الوزراء الأخير، من قبيل تقديم السلطة الجديدة لفروض الطاعة إلى عواصم إقليمية مؤثرة في القرار الداخلي، مقابل مزيد دعمها في ظل الشرعية المهتزة التي تلاحقها من طرف المعارضة الراديكالية والحراك الشعبي.
وقرر مجلس الوزراء المنعقد برئاسة الرئيس عبدالمجيد تبون، إلغاء حق الشفعة الذي كان يضمن للدولة، حق التدخل إذا ما قرر أي شريك أو مستثمر أجنبي بيع ممتلكاته في الجزائر، فضلا عن تقليص مفعول القاعدة 51/ 49 المطبقة على الاستثمارات الأجنبية، بدعوى ضمان السيادة للرأسمال الوطني.
وكان الخياران قد أثارا موجة من اللغط في السنوات الأخيرة، قياسا بما ألحقاه من أضرار بالمنظومة والاستثمارات الأجنبية في البلاد، حيث لم تعد السوق الجزائرية مصدر جذب أجنبي.
وإذا كان الأمر خلال عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة ينحصر على الخدمات المقدمة للفرنسيين، مقابل الحصول على دعم الإليزي في مختلف الاستحقاقات والتجاذبات الداخلية، حيث كانت باريس شاهدا العام 2014 على صفقة بين أركان النظام من أجل التجديد لبوتفليقة للمرة الرابعة برعاية فرنسية.
وظلت فرنسا تمثل طرفا فاعلا في تحديد طبيعة السياسات الداخلية والخارجية للجزائر حتى في ذروة الأزمة التي أحدثها الحراك الشعبي ودفع ببوتفليقة الى التنحي عن السلطة في أفريل 2019 قبل أن تميل الكفة منذ بروز السلطة الجديدة الى الطرف الصيني، كشريك اقتصادي و داعم أساسي لنظام الرئيس عبدالمجيد تبون، حيث باتت علاقات البلدين محل تباه لدى المناهضين للمصالح الفرنسية في السلطة الجزائرية.
واقتبس مسؤول صيني في السفارة الصينية في الجزائر، واحدا من أهم شعارات الحراك الشعبي، لما كتب في تدوينة له على حسابه الشخصي، على هامش الصفقة المبرمة بين البلدين لتزويد بكين الجزائر بمعدات ووسائل لمحاربة جائحة كورونا، “الجزائر، الصين خاوة خاوة (إخوة)”، في رسالة تلمح الى أن الصين باتت تحتفي بالتقارب الشامل لها مع الجزائر في الآونة الأخيرة.
وذكر بيان مجلس الوزراء بأنه تقرر “إعادة النظر في قاعدة 49/51 باستثناء القطاعات الاستراتيجية وأنشطة شراء وبيع المنتجات، ورفع معدل الاقتطاع من المصدر للشركات الأجنبية العاملة بعقود تأدية خدمات في الجزائر من 24 في المئة إلى 30 في المئة بهدف تشجيعها على فتح مكاتب بالجزائر”.
وأضاف البيان “تقرر أيضا إلغاء حق الشفعة واستبداله بالترخيص المسبق للاستثمارات الأجنبية، وإلغاء إلزامية تمويلها باللجوء إلى التمويلات المحلية”.
وعقب تبون بالقول “يجب إخضاع قاعدة 49/51 لنصوص تنظيمية شفافة تجنبا لأي تأويل أو التباس في الحفاظ على الثروة الوطنية”، وأعطى تعليمات باتخاذ إجراء مماثل بخصوص استعمال حق الشفعة على أن يكون من اختصاص الوزير الأول بعد دراسة عميقة من طرف الخبراء، وكذلك الشأن بالنسبة لأي تنازل عن الأسهم بين الشركات الأجنبية الناشطة بالجزائر”.
ويوحي القرار بأن السلطة الجزائرية بصدد رفع كل العوائق التي كانت تصنف ضمن أدبيات السيادة الوطنية، من أجل إغراء شركاء أجانب يكونون عونا عليها في تزكيتها على رأس النظام، خاصة وأنها تعاني من أزمة شرعية سياسية، نتيجة انبثاقها عن انتخابات عرفت عزوفا شعبيا فاق الـ60 في المائة بحسب إحصائيات رسمية.