نقاش حقوقي وشرعي في المغرب حول مفهوم “زعزعة عقيدة مسلم”

عاد الحديث عما يطلق عليه في المغرب بـ”زعزعة عقيدة مسلم”، هذا المفهوم القانوني والشرعي الذي تمت مناقشته والجدال بخصوصه بين تياري الحداثة والمحافظة. الأول يدعو إلى عدم التنصيص عليه في القانون الجنائي، فيما يؤكد الطرف الثاني أن أي فعل مباشر أو غير مباشر ينحو إلى التأثير في عقيدة المسلم المغربي لا بد من تجريمه.

عبّر المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن عدم اتفاقه مع مقتضيات القانون الجنائي المتعلق بحرية ممارسة الشعائر الدينية، خاصة ما ورد في الفصل 220 منه بشأن عقوبات اعتبرها لا تنسجم مع مقتضيات الدستور، ولا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ويبدو أن التقرير الحقوقي يحيلنا إلى ما جاء في المادة 18 من الميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية، التي أقرت في فقرتها الأولى حق كل فرد في حرية الفكر والضمير والديانة، لكن هناك من يدفع بأنه لا يجب التوقف عند حدود ما جاء فيها، بل لا بد من التعمق في الفقرة الثالثة، التي أكدت أن حرية الفرد في التعبير عن ديانته أو معتقداته تخضع للقيود المنصوص عليها في القانون، والتي تستوجبها السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.

وذهب المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى المطالبة، في التقرير السنوي الذي أصدره حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2019، بحذف الفقرة الثانية من الفصل 220 من القانون الجنائي، التي تتضمن العقوبة المتعلقة بـ”زعزعة عقيدة مسلم”.

عبداللطيف الشنتوف: الدستور يتضمن ديانة الدولة والمجتمع وإمارة المؤمنين ويحرص على احترام الحريات

وبالنسبة لموقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، فيقول عبداللطيف الشنتوف، رئيس نادي القضاة، إنه يدخل في إطار اختصاصاته المحددة دستوريا وقانونيا، حيث إنه يقدم رأيه إما بناء على طلب من البرلمان في النصوص المعروضة عليه، وإما بشكل مباشر في القضايا التي تدخل في اختصاصاته المحددة في القانون المنشئ له، فضلا عن أنه يضم في تركيبة عضويته مشارب فكرية متعددة، وبالتالي فآراؤه من المفروض أن تعكس هذا التعدد.

وتنص الفقرة الثانية من الفصل 220 من القانون الجنائي، على أنه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مئة إلى خمسمئة درهم من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم.

ويعطي المشرع المغربي السلطة التقديرية للقاضي من أجل الحكم بواحدة من العقوبتين السجنية أو المالية، وقد تقلّصت مدة السجن القصوى التي توّقفت عند سنتين، في حين رفعت من الغرامة المادية القصوى إلى 20 ألف درهم.

ومن وجهة نظر مونية الطراز، الباحثة في الدراسات القرآنية وقضايا المرأة، فإن الموضوع من الناحية القانونية يتعلق في ظاهرِه بمسألة الردة، ولكنه لا يؤاخذ المرتد وإنما يؤاخذ من سعى إلى تبديل عقيدة المسلم ودفعه إلى الارتداد، وتشير إلى أن العبارات في هذا الفصل لا تدل على ممارسة الإقناع العقلي والحجاجي فهذا لا يناقش، وهو يعني أنه متى توفرت في الأطراف الداعية والمدعوة معطيات النضج والاستقلالية والندية لا يُجرّمُ الفعل.

وتبعا لذلك فإن الدلالة الضمنية لهذا النص القانوني تشير إلى تأكيد حرية المعتقد وهذا لا بد أن نقره، حسب مونية الطراز، مستدركة أن المسألة التي يؤاخذ عليها القانون إنما تتعلق بحماية الفئات الضعيفة التي يمكن استغلال ضعفها لتغيير الدين، مع العلم أن الفقر أو الحاجة قد يدفعان بأصناف من الناس إلى الاستهانة بالأعراض والاعتقاد، ليس حبا في الأديان الأخرى ولكن لضمان أسباب الحياة، وهذا قد يتطور إلى توسيع مساحة موهومة لأقليات غير موجودة فعلا.

وإن كنا اليوم لا نتحدث عن هذه المستويات من الحاجة تكون سببا في تغيير العقيدة، إلا أن الباحثة المغربية الطراز، لا ترى في الموضوع ما يمنع من حماية الضعفاء وذوي الحاجات من كل إغراء، ليس فقط لضمان الأمن الروحي بل حتى لضمان سلامة الأعراض وغير ذلك مما يصح أن يوضع على كفة الحماية من الاستغلال وليس في كفة التصدي للحريات الدينية.

وتبعا لهذا النقاش فقد حسم مصطفى الرميد وزير العدل والحريات السابق، بشكل لا لبس فيه أن الوزارة لن تعمل على حذف ما من شأنه “أن يمسّ النظام العام المؤسس على الأخلاق العامة، أو ما يضرب إسلامية الدولة التي يرأسها أمير المؤمنين”.

وحسب عبداللطيف الشنتوف، فالنقاش الذي انطلق عام 2015 بخصوص عدد من القضايا المرتبطة بالقانون الجنائي ومنها حرية المعتقد، أدى إلى تأجيل المصادقة على القانون المذكور بسبب الانقسام المجتمعي حوله، بين من يريد أن يكون لبعض الاعتبارات الدينية والأعراف المجتمعية حضور، وبين من يريد أن يكون القانون متجردا من كل ذلك.

وفي الجانب الآخر يقول الناشط الحقوقي أحمد عصيد، إن “الذين يحاكمون الناس بأنهم لا يصومون في رمضان أو أنهم مثليون، تحت عنوان ‘زعزعة عقيدة مسلم’ يريدون احتكار الفضاء العمومي لأنفسهم والدفع بالآخرين إلى الفضاءات الخاصة”. مؤكدا على ضرورة حذف المفهوم من القانون الجنائي، بسبب ما اسماها “المظالم التي تُرتكب باسمه”.

وترى مونية الطراز، أن للدولة المغربية تقدير المصلحة ليس من زاوية التضييق على التبشير فإن كان للأديان الأخرى قوة حجاجية فلن تمنعها أي قوة قانونية مهما كانت صرامتها، فالعالم اليوم مفتوح ولا سبيل إلى حجب التواصل بين الناس فيه، مشيرة إلى أنه لو كان التبشير قادرا على استمالة العقول فإن الإسلام أقدر على ذلك وأثره أعظم بأوروبا وأميركا والمسلمون يتمتعون بفرصة الدعوة إلى الإسلام بحرية قد لا تتوفر في أوطانهم الأصلية أحيانا.

الذين يحاكمون الناس بأنهم لا يصومون في رمضان تحت عنوان “زعزعة عقيدة مسلم” يريدون احتكار الفضاء العمومي

ولهذا إذا كان البعض يحاجج بأن القانون الجنائي يقرر العقوبة على جريمة أو جنحة تتمحور حول علاقات بين الناس والدولة، ولا تنظم علاقة معتقد ديني بين العبد والله سبحانه وتعالى، فالقاضي الشنتوف، يرد بأن التشريع يجب أن يعكس رغبة المجتمع ويترجم مدى استعداده لقبول أو رفض مقتضيات قانونية بدرجة معينة.

ويورد رئيس نادي القضاة بالمغرب، أنه يمكننا أن نغير بواسطة القوانين، لكن ذلك يجب أن يكون في مثل هذه المواضيع بطريقة علمية مدروسة وتدريجية، وهذا ينطبق على المواضيع التي أعطى فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان موقفه منها، أي “الإفطار العلني في رمضان” و”زعزعة عقيدة مسلم”.

وأوضح الشنتوف، أن هاتين الجريمتين في القانون الجنائي المغربي الحالي لهما ظروف وسياقات تنص عليهما كما تذكر ذلك كتب التاريخ القانوني، وبالتالي لا علاقة للدين بالأمر، بل وحتى بعض علماء الشريعة في المغرب كان لهم موقف مؤيد لرفع التجريم عن الإفطار العلني في رمضان.

وبالتالي فالأمر كما يراه الشنتوف، مرتبط بموروث فكري لدى فئة عريضة من المجتمع وليس بالضرورة مرتبط بالمبدأ الديني وهذا ما يجب مراعاته في عملية التشريع.

وعندما استفسرت “أخبارنا الجالية ” بخصوص معارضة القانون الجنائي الحالي أو بعض مقتضياته للدستور، فقد قال الشنتوف، إن الدستور جاء بمبادئ عامة وخطوط عريضة، وأيضا متضمن لديانة الدولة والمجتمع وإمارة المؤمنين، كما نجد فيه حرصه على احترام الحريات، لكون الدستور جاء عاما وشاملا، ولكن قواعد القانون العادي والتنظيمي هي المؤطرة والمفصلة.

ويعتمد المدافعون عن إبقاء العنصر الزجري في القانون الجنائي، عما قد يزعزع عقيدة مسلم، على ما يحدث في دول أخرى حيث الصراعات الطائفية، بالتالي فإن العقوبة ستساهم في الحفاظ على الأمن الروحي للمغاربة وعلى هويتهم الدينية والثقافية والابتعاد عما من شأنه إذكاء النعرات الطائفية والصراع الديني.

ويعتقد باحثون في الفكر الإسلامي، أن التبشير الذي تقوم به بعض الجماعات بشكل مباشر أو غير مباشر ليس بدوافع دينية محضة، وإنما من منطلقات سياسية تهدف إلى خلق بؤر من الأقليات الدينية تستطيع من خلالها تشتيت الوحدة الوطنية وتفتيت اللحمة التي تجمع مكونات المجتمع مع العلم أن المغرب حافظ على تنوعه الديني منذ أمد بعيد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: