الحجر الصحي يعزل الصائمين عن أجواء رمضان
غياب الزيارات وحفلات الإفطار الجماعي في البيوت والأزقة والأجواء الروحانية الخاصة بشهر الصيام، لكن زمن كورونا قدم للمغاربة الوجه الناعم لوزارة الداخلية
“لا شيء يوحي بكوننا نعيش اليوم شهر رمضان، لا داخل البيوت ولا خارجها، فالأجواء في الشوارع شبيهة بصباحات يوم الإجازة الأسبوعية التي تقل فيها الحركة. افتقدنا أجواء رمضان الروحية و دفء الالتفاف حول مائدة الإفطار مع العائلة والأقارب، والصلاة بالمساجد. على المستوى الشخصي، كنت أختم قراءة القرآن سبع مرات في رمضان وهو أمر بات صعبا حاليا”، هكذا وصف عبدالله السعداوي الثلث الأول من شهر رمضان في المغرب، في ظل جائحة كورونا.
وعبدالله واحد من ملايين المغاربة الذين يعيشون لحظات استثنائية في حياتهم فرضها عليهم تفشي فايروس كورونا الذي أجبرهم على التزام بيوتهم خلال شهر له مكانة خاصة في قلوب المسلمين في شتى بقاع العالم.
وقد دفع الوضع الجديد الناس إلى التخلي مؤقتا عن الكثير من عاداتهم خلال الشهر الكريم بسبب القيود على حركة المواطنين، كما يقول حسن قرنفل، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبدلله، في فاس، بسبب غياب بدائل في الوقت الحالي، “فالانتظار أصبح الحل الوحيد لتجاوز الأزمة”.
ويضيف قرنفل، “ليس من السهل أن يجد المرء نفسه في حالة عطالة وعجز، فمن الطبيعي أن يؤثر الحجر الصحي على نفسيته ورؤيته للعالم. فقد اعتاد المسلمون على استقبال رمضان بطريقة خاصة تكثر فيها الزيارات وحفلات الإفطار الجماعي في البيوت والأزقة، ولكن طعمه هذه المرة مختلف، فالأزواج الذين كانوا في خلافات مستمرة وجدوا أنفسهم كذلك مضطرين للتعايش معا، وهذا ليس بالأمر الهين”.
وقد اختلف الأمر بالنسبة لموظف في سجن “ورزازات”، طلب عدم ذكر اسمه، حيث لم يقتصر الأمر فحسب على الحرمان من أجواء رمضان، بل في مواجهة الفايروس نفسه الذي منعه من أداء فريضة الصوم، وعزله في غرفة بأحد مستشفيات المدينة، بعيدا عن أسرته الصغيرة.
يقول الرجل “اشتقت إلى رمضان وروحانياته، كما اشتقت لأجواء العائلة. انتظر بشغف كبير اللحظة الأخيرة لأخرج من المستشفى بعد شفائي من هذا الوباء اللعين”. وهذا الرجل واحد من بين 304 تأكدت إصابتهم بالفايروس قبل نحو أسبوعين.
وتحوّل الحديث عن صلاة التراويح المصاحبة لأثير الإذاعة أو أمام شاشات التلفزيون، بعد منع إقامة الصلوات الجماعية في المساجد، إلى جدل علمي وفقهي في ظل هذه المتغيرات الطارئة.
وقد فرض الوضع في زمن كورونا على محمد السعيد السفياني، إمام مسجد الفتح بمدينة سلا، أداء الفرائض والتراويح في رمضان بعيدا عن المسجد لأول مرة منذ 1993، الذي يقول بأن الأجر ثابت مادام أنه يؤم أهله في البيت، “فالأهم في الوقت الراهن هو الحفاظ على النفس”.
وأضاف السفياني أنه افتقد نفحات رمضان الذي تعود خلاله إمامة أعداد كبيرة من الناس سواء في المغرب أو في فرنسا أو إيطاليا، حيث أمَّ المصلين من المهاجرين المسلمين لست سنوات ضمن البعثات التي توفدها وزارة الأوقاف كل عام إلى بعض دول أوروبا.
وكانت وزارة الداخلية استبقت عادة الناس في الخروج في ليالي رمضان بفرض حظر تجول ليلي طيلة الشهر، بداية من السابعة مساء وحتى الخامسة صباحا، باستثناء الموظفين في قطاعات حيوية كالصحة والداخلية والدفاع المدني والسجون والجمارك.
وقدم زمن كورونا للمغاربة الوجه الناعم لوزارة الداخلية، حيث ظهرت العديد من الموظفات بالوزارة في مختلف المدن والمحافظات في مقاطع فيديو انتشرت بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، توثق لإشرافهن على تطبيق الحجر الصحي في بعض الأحياء الشعبية.
ويرى قرنفل أن مشاهد موظفات وزارة الداخلية تعكس وجها آخر للسلطة، حيث قال، “هذه الفيديوهات أظهرتهن بمظهر الأمهات الحريصات على سلامة أبنائهن معتمدات خطابا إنسانيا مقبولا في مشهد طبعته بعض الفكاهة والطرافة، بعيدا عن خطاب التسلط المعتاد من رجال الداخلية”.