المركز الوطني لحقوق الإنسان يصدر بيان مجلسه الوطني في ظل الردة الحقوقية.

عقد المركز الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب يومه الأحد 3 ماي 2020، اجتماع مجلسه الوطني في دورته الرابعة تحت شعار ” جميعا من اجل الدفاع عن الحقوق والحريات ” عبر تقنية التواصل عن بعد، وذلك انسجاما مع قانونه الأساسي ونظامه الداخلي.

وقد تفاعل أغلب عضوات وأعضاء المجلس الوطني في هذا الاجتماع الذي ترأسه رئيس المركز السيد محمد المديمي، حيث تدارسوا الوضع التنظيمي ومناقشة واقع التراجع الخطير والردة الحقوقية التي تعرفها بلادنا، في ظل الانتشار السريع لوباء كورونا المستجد ( كوفيد 19) والذي فرض اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الاحترازية، والتي بينت بالملموس الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها الدولة من خلال تخليها عن دورها الأساسي عبر الحكومات المتعاقبة، في الخدمات الأساسية الاجتماعية على رأسها التعليم والصحة وعدم الاهتمام بالبحث العلمي وغياب بنيات أساسية واجتماعية ، جعلت الوضع صعبا رغم الإجراءات الاحترازية والاستثنائية التي اتخذتها الدولة، ورغم تخصيص صندوق لمكافحة هاته الجائحة.

وتخليدا لذكرى فاتح ماي 2020 في ظروف استثنائية تجعلنا غير قادرين عن تنظيم أشكال الاحتجاج المعتادة بسبب جائحة كورونا التي فرضت على ملايير البشر المكوث بمنازلهم، جرى تسريح او توقيف الآلاف من عملهم بالقطاع المهيكل وغير المهيكل، مما زاد من ارتفاع معدل البطالة والفقر، وجعل النساء تدفع ثمن الجائحة، ليصبحن مهددات بسبب تفشي الوباء في صفوفهن، أما الإجراءات المعقدة التي اتخذتها الدولة للتعويض من الضمان الاجتماعي فتشترط لجنة اليقظة الاقتصادية التصريح ب780 يوما خلال السنوات الثلاثة الأخيرة قبل فقدان الشغل مما حرم عدد كبير من المتضررات/ين من التعويض على علته. وبالرجوع إلى الإحصائيات الرسمية بتخصيص الحكومة ملياري درهم للأسر الهشة بالمغرب والتي يبلغ عددها 4.300.000 أسرة، منها 2.300.000 أسرة تتوفر على بطاقة المساعدة “راميد” والباقي لا يتوفر عليها، حيث تراوح الدعم بين 800درهم 1000 درهم شهريا لكل أسرة هشة، ( أي ما يمثل الثلث من ما أنفق من الصندوق إلى غية يومنا هذا) .
وإذا افترضنا أن معدل أفراد الأسرة الواحدة هو خمسة أفراد تقريبا، فمعنى ذلك أن 21 مليون نسمة تقتات من الاقتصاد الهش وغير المهيكل، أي أن 65 في المائة من مجموع المغاربة ينتمون للفئة الهشة جدا، ميامون يضمنون قوتهم يوما بيوم، بدون أجر دائم أو ثابت، وبدون تغطية صحية أو تأمين أو تقاعد.
فحسب نفس الإحصائيات أن هناك 800 ألف أجير مسجل لدى الضمان الاجتماعي توقفت مقاولاتهم عن العمل(132 ألف مقاولة من أصل 216 ألف)، أي ما يعادل 61 في المائة من الأجراء أقعدتهم جائحة كورونا عن العمل وصرف لهم صندوق الضمان الاجتماعي تعويضا شهريا قدره 2000 درهم لكل أجير، ما يقارب عن (800.000 أسرة)، وبالتالي إذا جمعنا الفئة الهشة جدا التي تناهز نحو (4.300.000 أسرة) مع الفئة الاجتماعية الضعيفة (800.000 أسرة) نصبح أمام 5.100.000 أسرة بالمغرب “مهزوزة اقتصاديا واجتماعيا”، بمعنى أن 77 في المائة من المغاربة هم في عتبة الفقر أو تحت عتبته.

وبلغة الأرقام سنجد أن ما تبقى( 23 في المائة من الأسر) لا يملك أربابها الجرأة على القول: “أنهم قطعوا الواد ونشفوا رجليهم”، بحكم أن 15 في المائة منهم تنتمي للطبقة الوسطى القريبة من التفقير، لأنه في أول منعرج اقتصادي قد تنزلق هذه الطبقة بدورها لخانة الفئة الهشة، لغياب نسيج اقتصادي قوي وغياب شبكات اجتماعية متينة تحمي رب الأسرة من السقوط في براثين البؤس والفاقة.

وإذا استرسلنا ولا غرابة في هذه الأرقام الصادمة مادام “النموذج التنموي” الذي تبناه المغرب عبر الحكومات المتعاقبة ارتكز على الريع وعلى تسمين كمشة من الأفراد اغتني فيها الفاسدون وناهبي المال العام وغيب الإنسان ودمر اللحمة الاجتماعية وشفط خزائن المغرب والمغاربة، ولم يكن نموذجا مبنيا على إنتاج الثروة وتوزيعها بشكل منصف على الفئات الاجتماعية وعلى المجالات الترابية.

وتخليدا لليوم العالمي لحرية الصحافة الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1983، يحيي المركز الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب هذا اليوم في سياق يتميز باستمرار التضييق والمتابعات القضائية خصوصا المدافعات/ين عن حقوق الإنسان مما جعل المغرب يصنف من قبل منظمة مراسلون بلا حدود في سنة 2020 ضمن البلدان التي تعاني وضعية صعبة احتل على إثرها مرتبة 133 ضمن 180 بلدا في مؤشر حرية الصحافة في العالم.

وفي سياق النقاش الدائر حول مشروع القانون رقم 20.22، المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، قامت الحكومة في غفلة من الشعب المغربي بطرح قانون تكبل من خلاله حرية الرأي والتعبير للمواطنات/نين بدل تفعيل قوانين لمحاربة الفساد والمفسدين والحد من ظاهرة نهب المال العام والاغتناء غير المشروع والتهرب الضريبي وتبييض الأموال والبحث عن إجابات لفشل المشاريع التنموية للحكومات المتتالية خصوصا أن العديد من مواد القانون الجنائي ومدونة الصحافة ونصوص أخرى وكذا مرسوم قانون الطوارئ لهم ما يكفي من القواعد لردع أي تجاوزات قانونية.

  • ولكل ما سبق يعلن المركز الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب لرأي العام الوطني والدولي ما يلي:
    • إن المؤتمر الرابع للمركز الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب إذ يحيي عاليا مناضليه ومناضلاته بربوع المملكة ويدعوهم إلى مواصلة نضالاتهم لفضح الفساد والمفسدين وفضح الاستبداد والانتهاكات والتراجعات الخطيرة التي تعود بنا إلى سنوات المنع والتضييق والمحاكمات الصورية للنشطاء والحقوقيين والصحفيين، التي استعملت فيها الدولة القوة العمومية بشكل مفرط ومتابعات قضائية تروم تقييد حرية التعبير والصحافة تمت على إثرها محاكمة العديد من الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فضلا عن مصادرة الحق في التنظيم والتجمع واستعمال العنف في الاحتجاج السلمي ،مما أوصل المغرب مرتبة متدنية وهنا يعبر المركز الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب عن انشغاله الشديد بالاعتقالات السياسية، بلبوس مغلف بقضايا الحق العام، على سبيل المثال لا الحصر، بلغ عدد المعتقلين منذ دخول مرسوم رقم 2.20.292المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها تابعت النيابة العامة بمحاكم المغرب17 ابريل ما مجموعه 25857 شخصا قاموا بخرق حالة الطوارئ الصحية في وضعيات مختلفة تمت متابعة ما يناهز 1566 شخصا في حالة اعتقال مما يشكل خطرا على سلامتهم ناهيك عن وضعية المحاكم المعلقة وهو ما يؤكد المبالغة العشوائية في الاعتقالات دون استحضار الارتباك الكبير الذي عرفته عملية تسليم الرخص الاستثنائية للمواطنين من طرف السلطات التي تضمن تنقلهم لقضاء حاجاتهم.

• يسجل انه في خضم تمديد حالة الطوارئ الصحية وقف المركز الوطني على قرار وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وإدارة السجون المتعلق بالمحاكمة عن بعد، حيث ان هدا القرار ليس له أي مسوغ قانوني يستند على هذا النوع من المحاكمة عبر تقنية كونفرانس، والأحكام الصادرة على ضوئها ستكون لا شك محل سجال قانوني قد يترتب عنها البطلان، ولأنه لا وجود للإطار القانوني للمحاكمة عن بعد فقد تم الاستناد على مرسوم حالة الطوارئ الصحية، الصادر عن الحكومة فترة الفراغ التشريعي في حين لم يصادق عليه البرلمان ،مع العلم أن قانون المسطرة الجنائية لا ينص عن المحاكمة عن بعد، وان قواعد المسطرة الجنائية هي قواعد آمرة، والمشرع اوجب إحضار المتهمين من السجون حتى تكون المناقشة تواجهية طبقا لما تنص عليه المادة 312من ق.م.ج. في إطار المحاكمة العادلة.

• يطالب الحكومة سحب القانون المهزلة رقم 22.20 كما يحملها المسؤولية إزاء النكسة الواضحة في ضعف الأداء السياسي مما يعد انقلابا مفضوحا عن المسار الديمقراطي ، في ظل تمرير مشاريع قوانين غير ديمقراطية طغت عليها نظرة أحادية، تخدم الطبقة الرأسمالية المتوحشة على حساب الشعب المغربي مما يعد خيانة لتطلعات المواطنات/ين الذين وضعوا ثقتهم في أحزاب سياسية موسمية تظهر حصرا في الانتخابات لاقتناص أصوات الناخبين.

• يطالب جميع الهيئات الحقوقية والمجتمع المدني والإعلام الجاد ، الفضح والتصدي لأباطرة قطاع العقار، وفضح ناهبي المال العام واللوبيات الرأسمالية الإقطاعية المتوحشة وتجار الأزمات، باعتبارهم المصدر الأساسي لرعاية وتغذية الفساد والاستبداد ببلادنا، والسبب المباشر والرئيسي في فشل كل البرامج التنموية ببلادنا.

• يدعو إلى ملاءمة القوانين المعمول بها ذات الصلة بالحق في الشغل وحقوق العمال مع المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والعمل على حماية الحق في الشغل و حقوق العمال والعاملات من الانتهاكات والقضاء على ظاهرة إفلات منتهكي حقوق الإنسان وناهبي المال العام من العقاب، مع عقد مصالحة حقيقية بالإفراج عن الصحفيين والمعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي العام، مع إيجاد حل سريع للمغاربة العالقين بمختلف دول العالم جراء إغلاق المجال الجوي لضمان عودتهم لأرض الوطن.

• يعتبر أن هذه الممارسات المسلطة على الهيئات النقابية والحقوقية ونشطائها والصحفيين، هي امتداد لمسلسل التعسف والتضييق والاعتداء على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان وكافة مكونات الحركة الديمقراطية بالمغرب، في خرق خطير لسيادة القانون وانتهاك لحرمته؛ مما يشكل تهديدا فعليا للحقوق والحريات والمكتسبات الجزئية، التي حققها الشعب المغربي بعد تضحيات جسام وهنا يؤكد استمرار الدولة المغربية في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على مستوى الحقوق المدنية و السياسية أو الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، مطالبا المجتمع الدولي و الأمم المتحدة و الدولة المغربية نفسها بتوصيات، يبقى على رأسها احترام المواثيق الدولية والبروتوكولات الاختيارية الملحقة بها التي تعنى بهذا المجال.

• إن اجتماع مجلسه الوطني الرابع الذي اختتمت أشغاله ولو في هذه الظرفية، ليحيي كل الإطارات النقابية والحقوقية وحركات النضال الشعبي التي تصدت للوبيات الرأسمالية التي وظفت بعض الأحزاب بالحكومة لخدمة أجنداتها لتكميم أفواه المغاربة في ظل هذه الأزمة الصحية، كما يجدد العهد على مواصلة طريق النضال من أجل مغرب آخر ممكن و ضروري للعيش بكرامة.

وعاش المركز الوطني لحقوق الإنسان صامدا شامخا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: