مسجد الحكمة ببروكسيل …. تراويح من الحجر الصحي و صلوات من وراء التلفاز

اثارت فتوى للعلامة الحسين ايت سعيد استاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش و عضو المجلس العلمي الاعلى، بجواز اداء صلاة التراويح وراء امام  يظهر في الشاشة جدلا واسعا في الاوساط الدينية بالمغرب و بالخارج  وتساؤلا بشان راي وزارة الاوقاف و المجلس العلمي الاعلى بشأن الفتوى.

وجاء افتاء الشيخ بجواز اداء صلاة التروايح بهذه الطريقة ردا على سؤال حول مدى جوازها و نحن في هذه الظروف الوبائية التي تمنع اقامة صلاة الجماعة، ما يحول دون اداء صلاة التراويح في المساجد، وهو ما اعتبر فيه الشيخ امكانية ادائها بتلك الطريقة واردا استنادالفتاوي شيوخ تطرقوا لتفاصيل كثيرة تخص النوافل، والتساهل في اداءها جماعة وفرادى، مشيرا ان الاتصال في الصفوف والوقوف وراءالامام شرط كمال في الصلاة وفق المذهب المالكي، مشيرا ان من صلى في دور امام القبلة بصلاة الامام، وهم يسمعون تكبير الامام فيصلون بصلاته، ويركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، فصلاتهم تامة وفق الامام انس بن مالك، مستحضرا عمل جيران لعمر بن الخطاب كانوا يصلون على صوته من بعيد بهذه الطريقة.

الشيء الذي تابعه و عمل به مسجد الحكمة ببلدية فوري ببروكسيل ، حيث تقام صلاة التراويح و الجمعة رغم الحجر الصحي مستندين بفتوى الشيخ الحسين أيت سعيد ، مخالفين جميع الشيوخ و العلماء الساهرين على الشأن الديني ببلجيكا.

فالإمام الخطيب بمسجد الحكمة خالد حرار تجاهل الجميع بعدم إعترافه كجزائري بالمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة مما جعله يتماسك برأيه و يخاطر بالمصلين و بالأمور الشرعية .

و قد إتصلت أخبارنا الجالية بالإمام محمد المسيح الامام بمسجد الحكمة الذي صرح لأخبارنا الجالية أن المسجد يفتح للصلاة فقط لعشرة أشخاص بعد التوافق بين عمدة البلدية و ادارة المسجد ، و لكنه يخلي مسؤوليته من مشكل إقامة الصلاة عبر وسائل  التواصل الإجتماعي حيث يبدي إختلافه الشخصي في هذه المسألة مع  صناع القرار بمسجد الحكمة .

فالقرار الذي وافق عليه عمدة بلدية فوري ببروكسيل يعتبر خرقا للقانون و خصوصا لقرارات مجلس الأمن القومي البلجيكي  الذي يمنع فتح دور العبادة في فترة الحجر الصحي  ، و حسب بعض المتتبعين للشأن السياسي بالمدينة يعتبر هذا التصريح للعمدة بمتابة حملة انتخابية سابقة لأوانها يمكن ان يروح ضحيتها أشخاص بعيدين كل البعد عن التلاعب السياسي و عن الخروقات الدينية .

كما اتصل صحافيي أخبارنا الجالية بالشيخ الطاهر التوجكاني الذي صرح لنا أنه حول تنوير الامام الخطيب بمسجد الحكمة لإرجاعه عن قراره و خصوصا و ان المجلس العلمي المحلي قد أخرة فتوى بعدم صلاحية الصلاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي و ان الامور الدينية لا يجب تحريفها لقداستها و هبتها و يجب ان لا نتلاعب بالأمور الدينية .كما ان الفتوى التي اصدرها المجلس المحلي تحث على الصلاة فرادا و جماعة فقط بين أفراد الأسرة كما نصحوا بعدم فتح المساجد تفاديا لإنتشار الوباء .

ليس هذا فقط فمسجد الحكمة لا يأخذ  بقواعد حساب المواقيت التي  أسسها الفلكي المسلم الكبير البيروني قبل ألف سنة وعلماء فلك آخرون كالعالم  الشهير السيد الحاج محمد بن عبد الوهاب ابن عبد الرازق الأندلسي أصلا الفاسي المراكشي الذين أكدوا  أن الفجر الصادق يطلع على الزاوية 18 درجة من انخفاض الشمس تحت الأفق، التي تعتمد في حساب مواقيت صلاتي الفجر والعشاء، ومواقيت الفجر هي مواقيت الإمساك”.، لكن المسؤولين عن مسجد الحكمة  إتخدوا الزاوية 12 درجة لصلاة الفجر بدلًا من  18 مما يشجعون على الإمساك مباشرة قبل صلاة الفجر .

لكن شيخنا الكريم حسين أيت سعيد أجاز صلاة التراويح خلف التلفاز بناء على أن شرطي الاتصال والرؤية شرطا كمال لا صحة، ومادام أن المالكية أجازوا لمقتدٍ بإمام من فوق ظهر مسجد أو من وراء نهر صغير في الفرائض فالنوافل أولى بالجواز، وخلص إلى [أن صلاةالناس التراويح بالتلفاز أمر لا غبار عليه وأنه جائز للفوز بفضل الجماعة الكبيرة وبهذا أفتىهؤلاء الأعلام الكبار ومستندهم صحيح لأنه منالأمر القديم في دار الهجرة].

ولمناقشة هذه الفتوى نلاحظ أن  المسألة رأي شخصي وليس فتوى”  لأن الفتوى تكون جماعية لا فردية، والذين سموها فتوى فذلك شأنهم، وليس في كلامي من بدايته إلى نهايته ما يشير إلى أنه فتوى، وحتى لو كانت فتوى فليست بملزمة لأحد” كما صرح الشيخ حسين أيت سعيد .

  ففتوى الشيخ تأسست على أقوال وردت عن مالك في المدونة يدور أمرها بين الكراهة وأول الأمر، ومثل هذه الأقوال لا تتأسس عليها الفتاوى العامة في نوازل الأمة، بل عليها أن تتأسس على منهج علمي رصين يقوم على قواعد وضوابط يُدْرَسُ على ضوئها ما يَجِدُّ على الساحة من مسائل وحوادث ونوازل يستدعي الأمر فيها استعراض أقوال أهل العلم وقواعدهم التي تساعد في الوصول للحق إما عن طريق القياس عند غياب النص أو بالاستقراء منه عند وجوده، لا الاكتفاء بقول أو قولين في المذهب وإغفال الباقي الذي قد يكون رأي الجمهور، كما يستدعي الأمر كذلك التريث ومراعاة المآل، فكثير من النوازل التي يكون حكمها العام الجواز لكن بمراعاة مآل الحكم وآثاره على تدين الناس وتعبدهم يصير الحكم المنع لا الجواز.

فنخالف الشيخ في هذا، فالمسألة وليدة اليوم ولم يعرف لها فقهاؤنا القدامى مثيلا ولا شبيها، بل لم تخطر على بالهم، ولم يجر على عقولهم أنالصلاة فريضةً كانت أو نافلة ستنقل عبر الأقمار الصناعية ليشهدها الناس عبر فراسخ وأميال، وإنما علماؤنا قديما تناولوا مسألة الحاجزبين المأموم وإمامه في البقعة والمكان الواحد حيث يجمعهما زمان ومكان واحد، باعتبار أن هذا الحاجز مما يتعذر رفعه، كأن يمتلئ المسجد فلا يجد الرجل إلا مكانا فوق المسجد لا يرى فيه إمامه بل يسمع صوته، أو حيل بينه وبين إمامه بنهر صغير يرى صورته ولا يكاد يسمع صوته،هذه هي الحالة التي تناولها أهل العلم قديما لا أن الرجل يصعد لظهر المسجد تشهيا أو استجماما ليدركه وقت الصلاة فيصلي فوق المسجد باعتبار أن اتصال الصفوف شرط كمال لاشرط صحة.

فإخراج هذه المسألة عن صفتها وإلباسها لباس العصر اليوم أمر فيه نظر، فكان حريا بالشيخ الفاضل أن يذكر صفتهاالحقيقة ثم يبني ويقيس عليها، أما أن يقول عنها أن فقهاء المالكية والشافعية تناولوا اقتداء المأموم بالإمام من خلف التلفاز فهذا أمر لا يقبله عقل مطلقا، ولا أظن الشيخ قصده وإنما وقع له السهو والغفلة في قياس القديم على الجديد وإلا ففقهاؤنا لم يعرفوا التلفاز ولم ينبسهم شره فضلا على أن يجيزوا الصلاة خلفه.

ثانيا: أن مسألة النوافل وسع فيها الشارع ما لم يوسعه في الفرائض، فأجاز النوافل جلوسا بلا علة وعلى الدابة وجماعة وفرادى.

و  قد وسع الشرع في النوافل ما لم يوسعه في الفرائض لكن بحدود وضوابط، لا أن يصير التوسع في النافلة نصا يُسْتَنْبَطُمنه حكم الجواز والمنع في الأفعال أو مدعاة للإضرار بالفريضة، فمع ما وسعه الشرع في النافلة  إلا أن النبي ^ وهو أعرف الناس بدين الله جعل صلاة القاعد في النافلة على نصف صلاة القائم فيها وفي المحكم ﴿لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرَأُولِي الضَّرَرِ ﴾سورة النساء الآية 95 فعن عمران بن حصين  قال: سألت رسول الله ^ عن صلاة الرجل قاعدا فقال «إن صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد»

والشيخ خليل رحمه الله لا يكاد يتكلم عن جواز فعل في النافلة إلا ويعقبه بقوله [وإلا فلا] لبيان أن التوسع في النافلة مضبوط،يقول مثلا في فصل بيان صلاة النافلة وحكمها [ونظر بمصحف في فرض أو أثناء نفل لا أوله وجمع كثير لنفل أو بمكان مشتهر وإلا فلا] مختصر خليل ص35.

على أن الشيخ خليل رحمه الله الذي أحالنا على مختصره الشيخ الفاضل قد أفتانا في مسألتنا هذه منذ زمان حيث قال[وتراويح وانفراد بهاإن لم تعطل المساجد] أي كل واحد يصلي تراويحه في بيته أثناء تعطلها في المساجد ولا داعي لالصلاتها خلف مذياع ولا تلفاز، فلو كناخليلين كما يقال عنا لاكتفينا بفتواه، أما وقد أجزناها خلف التلفاز فقد صرنا تلفزيين لاخليليين، وربما غفل شيخنا الفاضل عن كون فقهاء المالكية والشافعية حينما تكلموا عن توسعة الشرع في النوافل دون الفرائض عللوا ذلك بكون الفرائض محصورة العدد معلومة الوقت، فإذااشتركت النافلة مع الفريضة في ذلك كالتراويح مثلا التي حصرت بعدد من الركعات مقيدٍ بالسنة ووقتٍ مشهودٍ يقع بعد فريضة العشاء وقبل فريضة الفجر، أفلا يلزمها ما يلزم الفريضة.ا.

ثم إنه يجب على علمائنا أن يراعوا في فتاويهم واقع الأمة وأحوال الناس فهل غفل العلماء عن حال الناس اليوم وعمي عليهم جهلهم بالدين وهجرهم للمصاحف حتى نزيد الطين بلة فنجيز لهم ما يزيدهم اتصالا بالهاتف والتلفاز من أجل أن يحققوا شعورا يحسبونه تعبدا، أليس منالأولى أن نفتي الناس بما يقوي علاقتهم بالمصحف والصلاة؟ أليس في نصوص ديننا وأقوال علمائنا ما نؤسس عليه ربط الناس بكلام الله في هذه الأحوال الصعبة حفظا وقراءة وتدبرا أولى من أن نتمسك بأقوال مكروهة في مذهبنا لنربط أبنائنا بالتلفاز، أليس من الواجب أن نفتح للأباء باب الإمامة بأبنائهم وأهليهم ليرى الابن مقام الإمامة في أبيه التي لم يره عليها مطلقا، أولى من أن نحيلهما معا على التلفاز.

فأية ضرورة تبيح لفقهائنا تجويز صلاة النافلة خلف التلفاز؟ هل هي ضرورة الحجر الصحي أم ضرورة فضل الجماعة أم ضرورة الأحاسيس الرمضانية؟ وهل ما سبق يعد ضرورة لتجويز الصلاة خلف التلفاز؟.

إنها فرصة لنجعل من أبنائنا وآبائنا أئمة يلهجون بكتاب الله في البيوت والمنازل لا أن نشعل الحرب بين النساء والرجال حول التلفاز بعد الإفطار، بين من يريد متابعة الأفلام والسهرات الرمضانية وبين من يريد صلاة التراويح فأيهما تكون له الغلبة ياترى؟؟؟.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: