جنود الخفاء في حرب كورونا منسيون

لا يمكن أن تتوقف الحياة مهما طال الحجر الصحي، هناك جنود لا ننتبه إليهم يعملون لتأمين الغذاء، والاتصالات، والتنقل، وعمليات التنظيف والتعقيم، أغلبهم يعمل بلا حماية أخرى غير الكمامة والسائل المطهر، بعضهم دفعتهم حاجة العيش والبعض الآخر دفعهم الواجب الإنساني.

يعملون من أجل لقمة عيشهم وعيش عائلاتهم، أو بدافع الواجب، لكنهم هم الذين يؤمّنون اليوم استمرارية العالم. بائعو مواد غذائية وعمال النظافة أو خدمات التوصيل، لطالما شعروا بأنهم مهمّشون غير مرئيين، لكنهم اليوم أساسيّون.

لعلهم لا يحصلون على التصفيق والتكريم الذي يقدّم للأطباء وللممرضين كل مساء في بلدان عدة من العالم من على شرفات المنازل، لكن اختلفت النظرة إليهم.

اليوم، يتوقف الناس أكثر ليتحدثوا معهم، وبعضهم يكتب كلمة “شكرا” على حاويات النفايات أو على باب متجر للمواد الغذائية.

إنهم بالتأكيد يشكلون “خط الدفاع الثاني” في الحرب على وباء كوفيد – 19، لا يمكن الاستغناء عنهم من أجل تأمين الغذاء والاتصالات والتنقل وعمليات التنظيف والتعقيم، ومعظم الوقت من دون حماية أخرى غير الكمامة والسائل المطهر.

بين 18 و25  أبريل، وافق خمسون من هؤلاء في بلدان مختلفة على أن يلتقط لهم مصورو وكالة فرانس برس صورا في مكان عملهم، بين جناح للخضار أو رف للأدوية  أو أمام فرن أو محل قصّاب أو قرب حاوية نفايات أو في مطبخ أو في مقبرة.. وتحدثوا عن ضعفهم وغضبهم ورسالتهم.

لا يمكن الاستغناء عن العمال من أجل تأمين الحياة، ومعظم الوقت يعملون من دون حماية أخرى غير الكمامة والسائل المطهر

كثيرون منهم لا خيار آخر لهم غير العمل كي يؤمنوا لقمة عيشهم، في وقت حولت إجراءات العزل والإغلاق والحجر في العالم الملايين إلى عاطلين عن العمل وزادت من الفروقات الاجتماعية.

تقول الأفغانية زينب شريفي (45 عاما)، وهي أم لسبعة أولاد وتعمل في فرن في كابول “الجوع سيقتل عائلتي قبل أن يفعل فايروس كورونا ذلك إذا توقفت عن العمل”. ويقول العامل في توصيل الخضار على دراجته النارية المصري كريم خلف الله (21 عاما) “إنها الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة”.

بعضهم يذهب إلى عمله وقد تملكه الخوف، تقول فاتو تراوري (43 عاما) من ساحل العاج التي تعمل في التنظيف في مستشفى كريمون في إيطاليا “الخطر موجود في كل مكان، ويطال الجميع. نخشى أن نصاب بالعدوى، ونخشى أن ننقل العدوى”.

في لشبونة، تعبّر بائعة السمك إيميليا لومبا البرتغالية عن قلقها إزاء عدد الأشخاص الذين تلتقيهم كل يوم، والأوراق النقدية التي تمسك بها، لكن “علي أن أدفع فواتيري”.

وتسأل البرازيلية لاريسا سانتانا (26 عاما) التي تبيع الكعك في مدينة سلفادور باهيا في البرازيل “من يريد أن يعمل في مثل هذه الظروف؟”، مضيفة “لكن لا خيار لي، هناك بطالة (…)، هذا مصدر رزقي الوحيد. لدي طفل في الثالثة من عمره”.

ويقول عامل النظافة الفرنسي تييري باولي (45 عاما) إنه يواصل جمع النفايات في مولوز في شرق فرنسا، لأنه “لدي ضمير مهني”. وفي الوقت نفسه يعبر عن غضبه قائلا “إنها مهنة تعرض صاحبها لأخطار، ولا أحد يقدّرها”.

الجوع يقتل أيضا

ويقول فتحي أحد عمال النظافة وسط العاصمة الإقتصادية ، إنه يكنس الشوارع طوال اليوم  سلاحه الوحيد قفازات وقناع يغطي أنفه وفمه، وإنه عزل نفسه عن عائلته الصغيرة حتى لا يلحق أفرادها خطر الإصابة بكورونا، فهو لا يعرف متى يعود بها معه إلى البيت، فعمال النظافة معرّضون أكثر من غيرهم للإصابة بالعدوى.

بالنسبة إلى آخرين، العمل واجب لتأمين الخدمات العامة والاستمرارية، خصوصا في أيام الاضطرابات. وبالتالي لا يمكن لجاكي فيرني (54 عاما) إقفال متجرها الصغير للمواد الغذائية في قرية غلينام في أيرلندا الشمالية.

تقول “السكان هنا يعتمدون على المتجر، إنه أساسي للحصول على السلع الطازجة واللحوم ومواد التنظيف، والصحف…”.

وتضيف “بعضهم مسنون، ولعل هذا المكان هو الوحيد المتاح لهم للتواصل” مع آخرين، ولو عبر لوح زجاجي.

أما باتريك بلايك (65 عاما) الذي ينظم جنازات في ديريلين في أيرلندا الشمالية، فيقول “إنه واجب (…) ولا يكمن فقط في تحضير الأوراق الرسمية، بل تأمين اتصال وجها لوجه، ونصائح، ودعم للعائلات التي فقدت أحد أفرادها”.

العمل أيضا هو وسيلة للمشاركة في الحرب ضد فايروس كورونا المستجد. يقول السوري أنس (29 عاما)، إنه يشعر عندما يوصل المشتريات للزبائن في بلدة حالات شمال بيروت، بأنه “يعمل مثل الأطباء على جبهة” محاربة الفايروس.

في ريو، يقول البرازيلي ثياغو فيرمينو (39 عاما) إنه أنشأ “قوة ضاربة” من أجل تعقيم الشوارع في مدن الصفيح في سانتا مارتا. مضيفا “لا أريد أن أجلس وأراقب ما يحصل. طريقتي في محاربة فايروس كورونا هي الخروج وتعقيم الفافيلا”. ويشير إلى أنه يحتاج إلى المال لشراء المواد الكيميائية والأدوات للتعقيم والكمامات وملابس الحماية. مؤكدا “أنا مستعد لمواجهة الخطر (…) أريد أن أحمي عائلتي والمكان الذي يقيم فيه أهلي”.

وبالنسبة إلى آخرين المسألة إنسانية محض، ففي جوهانسبورغ تطوّعت المعلمة رايس جاكوبس (63 عاما) للعمل في مطعم صغير يقدم طعاما لأولاد الشوارع، تقول “أن نعيش على الأرض ونساعد عندما يتاح لنا ذلك، بركة بحد ذاتها”.

وفي لندن ترك المخرج السوري حسان عقاد كاميرا التصوير ليلتحق بوحدة النظافة بمستشفى شرق العاصمة البريطانية ليقدم يد المساعدة لمجابهة الفايروس.

وبعد ظهور المرض، وجد اللاجئ السوري البالغ من العمر 32 عاما طريقة لشكر المجتمع البريطاني الذي رحب به وأصبح “مثل وطنه” بالعمل في فريق النظافة بمستشفى ويبس كروس.

تلبية نداء الواجب

ويعمل عقاد هناك منذ خمسة أسابيع على مدار خمسة أيام أسبوعيا، ويعتبر أن العمل أحد أصعب التحديات التي واجهها.

ويضيف “إنه عمل مجهد، مهمة شاقة بدنيا ونفسيا وأن تطهير كل شبر من الجناح مع ارتداء معدات حماية شخصية يؤدي إلى التعرق ويتسبب في صعوبات في التنفس”.

مضيفا “والآن ونحن نرى مهاجرين ولاجئين في الخط الأمامي، آمل أن يدفع ذلك الناس على المستوى الدولي إلى إجراء نقاش بشأن قيمة المهاجرين واللاجئين في مجتمعاتهم المستضيفة لهم”.

وفي غلاسكو، يضع الأسكتلندي روبن باركلي (30 عاما) خدمات شركته للتنظيفات في خدمة السكان ويقوم بتنظيف الشوارع، حيث يقول “هذا أمر طبيعي (…). إنها مسألة إنسانية وواجب تجاه مجتمعنا”. ويضيف “إذا ساعد ذلك في أن يتجنب شخص واحد الإصابة بالفايروس، فإن الأمر يستحق العناء”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: