مدينة إيفران المغربية سويسرا الأمازيغية

إفران مدينة في شمال افريقيا، لكنها تبدو أحد الأرياف الأوروبية العذراء، ومثال آخر على أن المغرب بلد التناقضات الجميلة، اقتبس اسمها من الطبيعة، فـ”إفران” تعني الكهوف في اللغة الأمازيغية، وهي كلمة تشكل دلالة على محيط المدينة الجبلي، الذي ما زال يحافظ على أسرار الإنسان القديم الذي عمر تلك المساحة الجغرافية من الأرض.

تقع هذه المدينة الفاتنة في وسط الأطلس الأوسط، على ارتفاع حوالي 1700 متر وعلى بعد 68 كم فقط من فاس، ويقطنها حوالي عشرين ألف نسمة، ومن المدهش حقًا أن هذه المدينة الثلجية محاطة بذهب الكثبان الرملية، خاصة إذا كنت قادمًا من الصحراء، إذ تصادفك بكثبانها وأشجار النخيل.

وما أن تصل هذه المدينة حتى تجدها مختلفة تمامًا ولا علاقة لها بالهندسة المعمارية التي تميز باقي المدن المغربية، ومن المثير للإعجاب أيضًا أنه في يوم واحد وفي البلد نفسه، يمكنك رؤية الصحراء والثلج والشاطئ.

منتجع جبلي

تم تشييد إفران في أواخر عشرينيات القرن العشرين، خلال فترة الحماية الفرنسية في المغرب، كمنتجع جبلي، وهذا سر تمتعها بخصائص أوروبية مميزة. في سنة 1928 قرر جيش الحماية الفرنسي بناء قاعدة عسكرية في تلك الربوع الجبلية، ومن يومها عرفت بإفران. كان الفرنسيون يسعون من إنشائها إلى أن يبثوا الروح الغربية في جبال مغربية، عبر بناء مدينة بمواصفات أوروبية وتصميم هندسي فرنسي.

وهكذا كلفت فرنسا الاستعمارية، المهندس إيريك لابون، بوضع تصميم المدينة الأولى، وبعد موافقة سلطة المستعمر على المشروع، بدأ في إنشاء المدينة، في 15 أغسطس 1929.

فرنسا لم تبن المدينة بسواعد أبنائها، بل تم الاعتماد على السجناء المغاربة في البناء، لتبقى حاضرة الجبل، حاملة لبصمات الجرائم الاستعمارية وشاهد عيان على فظائعه. ورغم جمال المدينة المشيدة في منطقة أمازيغية، فقد ظلت مقرا وسكنًا تقطنه قبائل صنهاجة، وبني مغيد، وبني مطير.

شكل المنازل

سعى الفرنسيون إلى جعل مدينة إفران، مدينة سياحة ونزهة، حيث اعتمد على إنشاء الفنادق والكازينوهات وكذلك الحدائق والمنتزهات. ويكمن جمال هذه المنطقة في تنوع المناظر الطبيعية المتناقضة في بيئة هادئة، حيث نقاوة الهواء المعطر بجواهر الأرز التي تنعش روح الزائرين. ونظرًا لموقعها الجغرافي، كانت إفران دائمًا منتجعًا صيفيًا، ووجهةً للعطل، ومكانًا للتغيير والراحة.

وتُعرف إفران أيضا باسم “سويسرا المغربية” ويرجع ذلك إلى شكل المنازل ذات الأسطح المنحدرة، والطرق الواسعة والحدائق المعتنى بها، وذلك سر حقيقة الشبه بين إفران ومدينة في جبال الألب.

إفران قطعة من الجمال، هاربة من إطار الصورة النمطية للمغرب، فلا علاقة لها بالمدن المزدحمة والأزقة الضيقة والفوضى المميزة للبلاد.

ورغم صغرها، فهي مدينة ذات قوة شرائية عالية وواحدة من الوجهات المفضلة من قبل الناس الذين لديهم أكبر قدر من الموارد خلال فصل الشتاء، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى منتجعي التزلج اللذين تنفرد بهما.

كما فيها الجامعة الأكثر أهمية والأغلى في البلاد، جامعة الأخوين، وهي خاصة، لا يستطيع الدخول إليها إلا من كانت لأهله قدرة دفع الرسوم، أو من ذوي الحظوة ممن حصلوا منحا دراسة. وتأسست “جامعة الأخوين” التي تعتمد المنهج الأمريكي في تعليمها في عام 1993 لتصبح واحدة من معالم المدينة، التي تخرج نخبة من مهندسي البلاد.

في هذه المدينة الهادئة، يوجد قصر ملكي يبلغ طوله حوالي 3 كم، وحسب تقاليد المملكة فلا يمكن زيارته، وهناك من يقول إنه كان المفضل للملك الحسن الثاني، الذي كان يقضي جزءًا من عطلته الصيفية هناك، ويأتي أيضًا في الشتاء لاستخدام منتجع التزلج.

وتحد القصر حديقة البراري، التي تحتوي على بحيرة اصطناعية جميلة، كما توجد في وسط المدينة منحوتة حجرية لأسد الأطلس، الذي يبدو كأنه إله وثني، يحرس هدوء وسكينة المدينة.

إفران مدينة سقطت من السماء، حجر نادر، فلهذه المدينة سحر خاص تكمن طلاسمه في محيطها الطبيعي، الجبال والغابات والينابيع والبحيرات، سحر يخلب بلا شك لب عشاق الطبيعة والهواء النقي.

في الخريف أو الربيع، تستحيل المدينة الصغيرة إلى لوحة مرسومة بالألوان والطقس الجيد، وفي الشتاء تتدثر ببياض الثلج، الذي يزيد طبيعة سحرها رونقًا آخر.

غابة الأرز

حديقة إفران الوطنية مغطاة إلى حد كبير بغابات الأرز الرائعة، مع عينات قديمة جدًا، وهناك يتواجد الأرز الأطلسي المعروف في الريف والأطلس الأوسط وبعض أجزاء الأطلس الكبير.

وهناك أنواع أخرى تبقيك عند زيارة هذه الحديقة، أكثر وقت ممكن، مثل أشجار البلوط وأشجار الجوز، التي تحول ظلالها الوافرة ضوء النهار إلى المساء، ووقت المساء ليلا بسبب طبيعتها المورقة. وتكون العينة الأكثر بروزًا هي شجرة “أرز غورو” العملاقة، نسبة إلى الجنرال غورو المقيم العام (الحاكم) الفرنسي، وتعتبر هذه الشجرة الضخمة، الأكبر في المنطقة بأكملها، بارتفاع تقريبي يبلغ 35 مترًا وقطر 10 في القاعدة. على الرغم من أنها جافة حاليًا، إلا أنها لا تزال قائمة على عروشها، تعطي جاذبية خاصة للمكان، كأنها سادن لذاكرة المدينة.

هنا في إفران قد يصادفك قرد “الماكاك” البربري، فهي فصيلة تعيش في المنطقة، ومعتادة على الناس ومن الطبيعي جدًا أن يتفاعل معك، على الرغم من أنه بمجرد الإهمال، يمكنهم التقاط أي شيء في متناولهم.

الينابيع والشلالات

من إفران، يمكن السير لمدة ساعتين أو ثلاث إلى الشلال، الذي تحيط بها غابة من الأشجار. يؤدي إلى هناك مسار مشاة ملحوظ، حوالي 3 كم، يمتد على طول ضفاف نهر تيزغيت، ويمكن القيام به سيرًا على الأقدام أو على الدراجة. وعلى طول الطريق هناك أيضًا بعض الكهوف التي كانت مأهولة على ما يبدو في العصر الحجري الحديث. وفي فصل الصيف، يرتفع عدد هواة ركوب الخيل في المنطقة.

ضاية عوا

ضاية عوا، هي واحدة من أجمل البحيرات في الأطلس الأوسط وتقع على بعد حوالي 15 كم من إفران، وهي محاطة بمرج وغابة مليئة بأنواع الأشجار المختلفة مع العديد من المسارات الرائعة لمحبي المشي لمسافات طويلة.

والمكان مناسب جدًا لمشاهدة الطيور بأنواعها المختلفة للغاية، من البط البري والنسور ونقار الخشب أو مالك الحزين، كما أن المكان يوفر السكينة لمحبي العزلة من خلال التأمل في انعكاس الأشجار على المياه المحيطة بها.

ومن الشائع لدى الزوار استئجار القوارب والدراجات والخيول وحتى الحمير للتجول في المكان الفسيفسائي الموغل في الجمال.

ضاية عوا، هي البحيرة الأكثر أهمية في المنطقة، على الرغم من أنها ليست الوحيدة.  بحيث يوجد طريق محدد يسمى طريق “الضايات” (أو البحيرات) بطول حوالي 65 كم، يبدأ من ضاية عوا وينتهي حوالي 7 كم جنوب إفران.

أحيدوس رقصة الوجود

يصعب الحديث عن إفران، من دون الحديث عن أحيدوس، واحدة من أهم الرقصات التي لها طابع جماعي معروف في المجتمع الأمازيغي في المغرب، خصوصًا هذه المنطقة، التي تقيم كل سنة في “عين اللوح” (قرب إفران) مهرجان أحيدوس الوطني.

وأحيدوس، فن يجمع بين الغناء والشعر والرقص وجزء من الحياة الأمازيغية، المتعلقة بكل شبر من هذه الربوع، ويتم الغناء بطريقة تسمح للمجموعة بالتعبير عن المشاعر التي يعبر عنها الأفراد.

ولا يقتصر أحيدوس على مجرد الترفيه فقط، ولكنه يسمح أيضًا قبل كل شيء بإظهار تاريخ المنطقة ويعكس ثقافتها وجمالها الطبيعي. وهي وسيلة للتواصل بين أفراد المجموعة وتعبير عن الروح الجماعية والتضامن بين القبائل الأمازيغية.

هذه الممارسة قديمة قدم التاريخ الأمازيغي نفسه، منتشرة بين السكان في الأطلس المتوسط والكبير، إذ لا يوجد فرحٌ حقيقي بدون أحيدوس، الذي يتناص مع مقولة بلزاك “بالنسبة لمعظم الرجال، الرقص هو طريقة الوجود”.

وبصفتها إرثًا غير مادي للبشرية، يمكن لأحيدوس إظهار تاريخ المنطقة، ويعكس ثقافتها وجمال الطبيعة التي تزخر بها.

ويتم أداء هذه الرقصة بشكل رئيسي من قبل قبائل الأطلس الأوسط، بمن في ذلك: آيت يوسي، وسرغوشن، وآيت عياش، وآيت وارين، ومرموشة، وبني مطرة، وگروان، بني مقيلد، وزيان، وفي شرق الأطلس قبائل آيت حديدو، وآيت مرغد، وآيت عطا وغيرهم.

ولدى أحيدوس العديد من الاختلافات في الأداء، ولكن تبقى الخلفية كما هي بشكل عام، رغم أن الشكل يمكن أن يتغير من قبيلة إلى أخرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: