رمضان في زمن كورونا:للجائحة مساوئها الرمضانية الموازية

في وسع المؤمنين من المسلمين أن يستندوا على سلسلة من الأحاديث النبوية وسنن الرسول وصحابته إذا عزّ عليهم العثور على أسباب دينية وجيهة للتأقلم مع جائحة كورونا خلال شهر رمضان، بل قد يصحّ القول إنّ ذلك التراث يصلح أن يكون قدوة حسنة؛ على صعيد السلوك والصحة والوقاية والتباعد الاجتماعي، والكثير مما يشترطه الطبّ الراهن حول الجائحة.

كثيرون استعادوا، هذه الأيام تحديداً، الحديث النبوي الشهير: “إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها”؛ والذي يمنح المؤمن العذر، كلّ العذر في الواقع، لاجتناب الاحتكاك الاجتماعي المكثف الذي تقتضيه أعراف شهر الصيام. ليسوا أقلّ عدداً، أيضاً، أولئك الذين استرجعوا الحديث النبوي عن ضرورة التداوي: “ما أنزل الله عز وجل داء، إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله”.

صحيح أنّ ضرورات التباعد الاجتماعي تحرم المسلمين المؤمنين من فضائل عديدة اقترنت بشهر رمضان، بينها واجبات دينية وروحانية مثل صلاة التراويح أو ليلة القدر، وأخرى اجتماعية مثل المآدب الجماعية والسمر، وثالثة فولكلورية مبهجة مثل طقوس المسحراتي والفوانيس وأصناف الحلوى. ولكن من الصحيح، في المقابل، أنّ هذه كلها وسواها يمكن أداؤها بطرائق مختلفة وإبداعية لا تخرق اشتراطات التباعد.

على سبيل المثال يقترح محمد مجدي، إمام أحد أضخم المساجد في ولاية فرجينيا الأمريكية، استخدام تطبيق “زووم” المعروف لتلاوة القرآن على نحو مشترك، وضمن مجموعات متباعدة. وما دام زعماء أوروبا ومجموعة الـ20 قد عقدوا اجتماعاً افتراضياً عبر الفيديو، فلا غرابة ــ ولا حرج أو مانع، أغلب الظنّ ــ في أن يقترح إمام مستنير، ابن عصره وعلى صلة بمعطيات المعلوماتية، أداء بعض الشعائر جماعة وعبر تقنيات الفيديو بالغة التطور!

وللجائحة مساوئها الرمضانية الموازية، غنيّ عن القول، إذْ يندر أن تخلو المحاسن من نقائضها؛ كأنْ تعلو أصوات أهل التزمت والتشدد، معترضة على تعليق صلوات الجمعة والتراويح وسواها، بذريعة أنها فرائض لا مجال للتنازل عنها. وهؤلاء يتناسون، إذْ يصعب أنه يجهلون، حكاية عمر بن الخطاب حين عدل عن الدخول إلى الشام بعد أن سمع خبر انتشار الطاعون فيها، وكيف عتب عليه أبو عبيدة بن الجراح لأنّ الخليفة كمَن يفرّ من قدر الله، فردّ عليه عمر: “نعم، فراراً من قدر الله إلى قدر الله”.

وبين المساوئ أن ينشط المشعوذون في ترحيل جائحة كورونا، خلال شهر رمضان تحديداً، إلى أشكال من التداوي الزائف الذي قد يكون ضاراً صحياً أيضاً، مثل الحجب والرقى والتعاويذ والمنقوعات المختلفة؛ أو حتى دعوة العباد إلى كسر قواعد التباعد الاجتماعي، والخروج إلى المقامات والمزارات للتبرّك وطلب العلاج. هذا مع الإشارة إلى أنّ رواج الشعوذة لا يقتصر على العالم المسلم، إذْ انتشرت في الغرب إعلانات لمعالجة الفيروس عن طريق ما سُمّي بـ”طاقة الشفاء” أو “الحيوية السحرية”، بأثمان يبلغ بعضها 80 جنيهاً في بريطانيا، حسب صحيفة “ديلي ميل”.

وتبقى أمّ المساوئ بالطبع، والتي تنفرد أنظمة الاستبداد والفساد في العالم العربي بتطبيق أسوأ أنماطها، على خلفية شهر الصيام: استغلال الجائحة لممارسة المزيد من أنساق النهب والفساد والقمع وخنق الحريات العامة والمدنية وكمّ الأفواه… وإذا كانت دول مثل الصين وهنغاريا ودولة الاحتلال الإسرائيلي قد شهدت استغلال الجائحة لتمرير قوانين تنتهك حقوق الإنسان وتفرض أنساق جديدة من الرقابة والتضييق، فإنّ أنظمة في سوريا ومصر ذهبت إلى درجات غير مسبوقة في الربط بين توظيف الجائحة واستغلال شهر الصيام وتشديد الاستبداد في آن معاً.

رمضان 2020 لن يكون عادياً في أوجه كثيرة تخصّ تقاليده وعاداته ونكهته الإنسانية والدينية الخاصة، ولكنه على الأرجح سوف يترك الكثير من العِبَر السلوكية والأخلاقية المستجدة، ولعله سوف يساعد ملايين المسلمين المؤمنين على تلمّس مقاربة مستحدثة في اعتناق المرونة وحُسْن التأقلم، والإيمان بضرورة التسامح ومنافع الاعتدال.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: