كورونا يسلب نكهة رمضان في ليالٍ بلا مساجد ولا موائد إفطار
يتخلى المسلمون في رمضان هذه السنة عن الكثير من العادات التي دأبوا عليها خلال الشهر الكريم، سواء في الجانب الديني مثل صلاة التراويح والاعتكاف، أو في الجانب الاجتماعي مثل موائد الإفطار الجماعية بين العائلات، وخاصة التي توضع خارج البيوت لفائدة عابري السبيل والفقراء، فضلا عن الحد من التسوق في ليالي رمضان وعدم ارتياد المقاهي والتقليص من مظاهر الزينة.
وبسبب كورونا، لن يكون هذا الشهر كما عهد المسلمون أجواءه في آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتلزم القيود التي فرضتها معظم الدولِ المساجدَ بإبقاء أبوابها مغلقة بينما لا يمكن تقاسم وجبة الإفطار التي تجري عادة في أجواء عائلية واحتفالية في بعض الأحيان، مع العائلة المُوَسّعة أو الجيران، بسبب حظر التجمعات.
وأظهرت صور اِلْتُقطت بطائرة مسيّرة صحن الكعبة ومحيط المسجد الحرام فارغين تماما وسط شلل في الحركة في مكة حيث تفرض السلطات حظرا للتجوال.
وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز عبّر مساء الخميس عن “ألم” جرّاء بلوغ شهر الصوم “في ظل ظروف لا تتاح لنا فيها فرصة صلاة الجماعة”، لكنّه شدد على أن هذه الإجراءات هي “للمحافظة على أرواح الناس”.
وفي الإمارات، قرّرت السلطات عشية أول أيام الصوم إعادة فتح المراكز التجارية وتخفيف القيود على حركة التنقل عبر السماح بالخروج من المنزل نهارا، وذلك بعد مرور شهر على اتخاذها إجراءات صارمة لوقف تفشي فايروس كورونا المستجد.
ومراكز التسوق التي تعج بالمتسوقين خلال رمضان، هي أحد شرايين الحياة الرئيسية في المدن الإماراتية وخصوصا دبي التي تضم “مول الإمارات”، وهو أحد أكبر مراكز التسوق في العالم.
كما قرّر العراق تخفيف حظر التجوال من خلال السماح بالخروج من المنزل في ساعات النهار باستثناء يومي عطلة نهاية الأسبوع.
وفي الجزائر، خففت السلطات من ساعات حظر التجوال، وخصوصا في البليدة قرب العاصمة حيث بدأ انتشار الفايروس في مارس الماضي. واتخذت السلطات التونسية خطوة مماثلة.
وتؤثّر إجراءات العزل بشكل خاص على الفقراء؛ ذلك أن الملايين من المحتاجين يعتمدون كل عام على المساعدات وموائد الإفطار المجانية التي عادة ما تقدّمها المساجد المغلقة هذا العام.
وقال صلاح جبريل في غزة “المساجد مغلقة والذين يساندوننا يمرّون هم أيضا بصعوبات”.
وفي لبنان يفرض كورونا والأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد تغييرا على إحياء شهر رمضان وطقوسه مع اختفاء الزينة المعهودة من الشوارع وإلغاء صلوات التراويح واقتصار الإفطارات على أفراد الأسرة الضيقة في ظل حظر التجوال والتزام الحجر المنزلي.
وتشعر أم أحمد (60 عاما) بحزن كبير لأنها لن تستقبل أولادها الستة وعائلاتهم على موائد الإفطار. وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية “سنخسر هذه الأجواء الجميلة مقابل الحفاظ على حياتنا وعدم اِلْتقاط عدوى كورونا”.
وفي مدينة طرابلس ذائعة الصيت بحلوياتها العربية التي تجذب اللبنانيين من المناطق كافة، يتوقّع سامر الحلاب، وهو مالك محل “قصر الحلو”، أن “تنخفض المبيعات في شهر رمضان لأكثر من 75 في المئة، مقارنة مع السنوات السابقة”.
والأمر مشابه في روسيا حيث كانت موائد الإفطار تنتشر قرب المساجد، لكنّها غابت هذا العام، بينما مُنع الصائمون في قرغيزستان وكازاخستان وأوزباكستان من الاجتماع مع أفراد آخرين من عائلاتهم في حال كانوا يقيمون في منزل آخر.
ونصحت طاجيكستان، التي لم تتّخذ أي إجراءات لمنع انتشار الفايروس، مواطنيها بعدم الصوم كي لا يتعرّضوا “لأمراض معدية”، بينما يسري رمضان في تركمانستان، إحدى أكثر دول العالم انغلاقا، دون أي إجراءات استثنائية.
في مقابل ذلك لن تشهد إندونيسيا، التي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، الأجواء الحماسية التي تسود خلال رمضان عادة. وقد دعت السلطات المسلمين إلى البقاء في بيوتهم.
إلا أنّ العديد من المسؤولين الدينيين رفضوا الالتزام بالقيود المرتبطة بانتشار الوباء. وعارضت أكبر منظمة للمسلمين في إقليم أتشيه الإندونيسي، الذي يعد منطقة محافظة، علنا الإجراءات التي تلزم السكان بالبقاء في منازلهم.
وحضر آلاف المسلمين صلاة التراويح مساء الخميس في أكبر مسجد في باندا أتشيه، عاصمة الإقليم، مع أن الحشد كان أصغر حجما ممّا جرت عليه العادة.
وفي بنغلاديش، رفض رجال الدين توصيات السلطات التي تدعو إلى الحد من ارتياد المساجد. وفي باكستان، اكتظت المساجد بالمصلين مع اقتراب شهر رمضان، وجلسوا بالقرب من بعضهم البعض دون اكتراث بقواعد التباعد الاجتماعي.
وفي ماليزيا، أُغلِقت المساجد والمدارس، ونشرت الشرطة دوريات مراقبة، ولم تفتح حتى أسواق رمضان التي يتدفق عليها المسلمون لشراء حلويات ما بعد الإفطار بعد قرار منْعِها.
وكشفت بؤر انتشار للعدوى في الأسابيع الأخيرة بين مجموعات مسلمة كبيرة في ماليزيا وباكستان والهند، الخطر الذي يشكله عقد تجمعات دينية كبيرة في آسيا.