“حبيبتي” تظن أن نفاقها شطارة وفهلوة وذكاء،
هل يصل قليلو الخبرة إلى مواقع ومناصب لا يستحقونها بسبب الحظوة لدى المسؤول؟ وهل يشكل تفشي النفاق الاجتماعي خطراً على عمل المؤسسات وسير الحياة للفرد والمجتمع؟ وهل صحيح أن المنافق أصبح يتبوأ أعلى المراتب؟ وما أثر المنافق على حقوق الآخرين وزملاء العمل؟ وما الفرق بين النفاق والمجاملة؟ هل أصبح النفاق ضرورة لا بد منها؟ هل هناك تسميات أخرى للنفاق لتجميله بين الناس؟ كيف يمكن التخلص من النفاق والمنافقين؟ ولكن ألا يشكو كل ضعيف في عمله من أنه مظلوم؟ أليس هناك قوانين تحكم العمل والترقيات ونظام العمل؟
التقيت عدداً من الموظفين بالقنصلية المغربية ببروكسيل وسألتهم عن أثر النفاق على حياتهم وأعمالهم، كما التقت بعدد من أفراد الجالية وتحدثوا حول خطورة النفاق والغش والخداع على العدالة الاجتماعية بين الناس.
أحد الموظفين بيّن أن له تجربة شخصية مع موظفين وزملاء بالعمل وصلوا لمواقع ومناصب وهم لا يستحقونها ، منوها بأنه يلتقي بموظفين كثر يشتكون من ظاهرة تفشي النفاق للوصول لمناصب ومواقع وحظوة مع أنهم قليلو العمل، وقال إن من الموظفين من يغش كثيرا؛ تجده لا يتقي الله في وظيفته، يزوغ ويهمل، ويحصُل على راتب يشوبه الكثير من الحرام، يطلب من المواطنين المال لقضاء حاجتهم ، ومنهم من تجدهم لا يرقبون في الله إلاً ولا ذمة.. لا يهمهم أَمن حلال يأكلون أم في حرام يغوصون، يظنون أنها شطارة وفهلوة وذكاء، وهؤلاء والله بهذه الطريقة يغشون أنفسهم، ويضحكون على أنفسهم قبل كونهم يغشون الله وأصحاب مؤسساتهم ودوائر أعمالهم. وأتساءل : أيّ بركة ستحل على رواتب المنافقين والواصلين لمواقعهم من دون حق؟ وبأي وجه سيقابلون ربهم عند الحساب؟ ألا يعلمون أن من نبَت لحمه من حرام فالنار أولى به؟ يتحالفون مع الشيطان فيصلون به إلى حلبة من الصراع، يتفوقون عليه وعلى جنوده، بل ويتميزون، أليس في هذا غش لجهة العمل، أليس في هذا غش لنفسه وزوجه وبنيه، فهو يطعمهم من الحرام ويغذيهم من الحرام.. فأنى يستجاب لمثل هؤلاء؟ فيا من تغش في عملك ووظيفتك، اعلم أنك مفلس فاتقِ الله.. فالغش ظلمات وضياع للضمير، ومجلبة لعدم البركة. النفاق من خلال مهاجرة مغربية ببروكسيل – قالت إن النفاق أصبح فنا من الفنون التي يمكن أن توصل صاحبها إلى أعلى المراتب الاجتماعية، مشيراً إلى أن الرسالات السماوية أسهبت في تعريفه والتحذير منه، ولكن من وجهة نظر صحية واجتماعية تكمن خطورة النفاق أنه مرض معد، والدليل على ذلك عندما تسمع صديقا يشكو حال الدنيا ويقول إن الحياة للمنافقين.. ولا بد من النفاق لكي تعيش.. أو تجد منافقا يقوم بعمل مكشوف مضحك مبكٍ معا!! فهو مضحك لأنه نفاق غبي وواضح، وهو منافق مبتدئ لم يتقن فن النفاق، ويبقى أقل خطورة على المجتمع، لأن المنافق الخطر على المجتمع هو المنافق الذي يستطيع إخفاء نفاقه. أما المبكي فهو أن تجد المنافق أحيانا يستخدم كلمات معسولة للوصول لأهدافه المريضة. وبيّنت أن الخداع والغش والنفاق والكذب صفات غالبا ما تظهر على وجه مستخدمها، أما إذا استطاع أن يخفي هذه التعابير فإنه يصبح منافقا خطرا على زملاء العمل والمعايشين والمجتمع، والأمثلة على ذلك كثيرة: فتجد موظفا يسرق جهد مرؤوسيه و زملائه ، ويوهم المسؤولين أنه وحده الذي يعمل، بينما الطرف الآخر ينافق ويتصيد فرائسه، ودائما ما تجد شخصية المنافق «ساديّة»، من النوع الذي يتلذذ بعذاب الآخرين ومعاناتهم، ويفعل أي شيء ليرى شخصا يتعذب أمامه، دون أن يترك أي أثر لجريمته، بل على العكس فهو أيضا محترف في إلقاء المسؤولية على الآخرين، ولدى المنافق دائما ضعف في قدراته ومهاراته، ويعاني عقد النقص، ولكنه يستطيع إخفاءها بنفاقه، فتجده كثير الكلام، ويستطيع أن يقلب الحق باطلا، والمنافق غالبا ما يصل إلى أعلى المراتب. منهم من يتهم «نقص الخبرة المهنية» أو يدخلون في حلقة من الأسئلة التي لا تنتهي، وتتشعب بتشعب النفاق وتجذره، دون أن ينتبهوا إلى النفاق وخطورته.
لدي نصيحة أقدمها لكل من حرقته نار المنافقين والغشاشين، لا تجعلوا المنافق المداهن ينتصر عليكم مرتين: المرة الأولى عندما حرمكم درجة أو منصبا أو أدى إلى ترككم عملا ما. والمرة الثانية عندما تجاريه وتصاب بمرضه لتصبح منافقا مثله، وهذا هو الانتصار الأخطر، أنصحكم بترك المكان السيئ، لأن البقاء فيه يزيد الأمر سوءا، وكونوا على ثقة أن هناك أمكنة كثيرة يستطيع فيها الإنسان أن يحقق ذاته، وليس للنفاق فيها مجال.
عندما أنظر حولي وأفكر في تصرفات الناس أدرك أن النفاق خلق متجذر في كل حياة الناس، أرى كثيرين يعانقون أشخاصا ثم يتحدثون عنهم بأقذع التهم، وأرى أناسا يمدحونني ويبدون لي كل المحبة ثم يطعنوني وراء ظهري، ماذا أفعل؟ كيف أواجه المنافقين وهم غالبية المجتمع؟ عندما تجتمع مع أشخاص لا يحترمون رأيك ولا شخصيتك ولا معتقداتك، لا بد لك من النفاق، وكثيرا ما تجد نفسك في معركة لست أنت طرفا فيها، وتجد البعض يقولون: إذا لم تتفق معي فأنت عدوي، لقد أصبح النفاق ميزة الوصوليين.
فالمجاملة هي أدب اجتماعي خلقي من أهم صفاته: الصدق والإخلاص والمودة واللباقة والعبارات المهذبة، أما النفاق فهو «وحده الذي يجمع بين الصفات القبيحة كالكذب والخداع والتضليل والغدر والمكر وإظهار المرء للناس من قوله وفعله بعكس ما يبطن».
ها فعليه التخلص منهم إذا لم يستطع تقويم سلوكهم، والمنافقون عبر التاريخ يحرصون على أن يتملكوا صناع القرار، وكان إذا ما تقدم هؤلاء من مسؤول وتكلموا بما يشتمّ منه رائحة النفاق، فقد كان يواجه بأن هذا ليس صحيحا وليس صوابا، فقد يأتي منافق ليتطفل على حساب غيره، وقد يشوه صورة غيره ليصل هو، فيقوم بالنميمة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة نمام)، فتجد بعض المنافقين ليس له من عمل إلا التصنت والتجسس على الآخرين لصالح المسؤول الذي قد يكون لم يكلفه بهذا الأمر، ولكن المنافق يسعى لكسب رضاه بأي ثمن، والمسؤول هنا يمكن أن يغلق الباب بوجه هذا المنافق فينقذ مؤسسته وفريق عمله، أو قد يستمع له فيدمر مؤسسته على المدى المتوسط أو البعيد. ونوه عزب بأن كثيرا من المسؤولين المخلصين كانوا إذا جاءهم منافق يقولون له: انتظر وسوف آتي بمن تتكلم عنه ليواجهك فيما تقول، أو إن شئت اعتذرت عن هذا الفعل وسأقبل اعتذارك، وكان كثير من هؤلاء يلتمسون العذر، ويعرفون أن هذا المسؤول لا يبني حياته على النفاق ولا يقبل المنافقين،