الجزائر والرباط تستغلان كورونا للتضييق على المعارضين
قامت الحكومة الجزائرية بإيقاف ثلاثة منابر إعلامية وهي مغرب إمرجان وإذاعة راديوم وموقع أنتيرلين. هذا الأخير تم إيقافه بتاريخ 19 نيسان ـ ابريل أي ساعات قليلة بعد قرار أصدره مجلس الوزراء وهو يعدل القانون الجنائي بحيث أضيفت إليه إمكانية متابعة أي شخص يخرق الإجراءات الرسمية للحجر الذي فرضته جائحة كورونا أو ينشر معلومات زائفة ضارة بالوحدة الوطنية حسب ما قال بلاغ لجنة حماية الصحافيين (السبيدجي) نقلا عن وكالة الأنباء المملوكة للدولة. لاحظوا الخلط، ذا الهدف الديماغوجي ولا شك، بين خرق التدابير المتعلقة بالجائحة و”خرق” الوحدة الوطنية المزعوم. الغريب أن هاته الأخيرة قوتها الجائحة بينما تُضعفها القرارات الحكومية التعسفية ضد الإعلام الوطني المستقل.
المؤسسات الإعلامية الثلاث معروفة بانتقادها للسلطات وقد كانت أحد المصادر الإخبارية الأساسية عن الحراك الشعبي الجزائري الذي دام سنة كاملة والذي أوقفه المبادرون إليه بسبب اندلاع الجائحة. تم إقفال إذاعة راديوم ومغرب إمرجان أربعة أيام بعد أن انتقد إحسان القاضي، وهو رئيس تحريرهما معا، بشدة الرئيس، وكذلك الجيش والأمن المتحكمين حسب مقاله في الرئيس، وذلك بمناسبة الأيام المئة الأولى لحكم السيد عبد المجيد تبون.
كذلك استغلت وزارة الداخلية المغربية جائحة كورونا ودون انتظار أي قرار تشريعي من البرلمان للمبادرة باستعمال تطبيق للهاتف النقال للتتبع الأمني لتنقل المواطنين دون أمر قضائي. كان هذا معروفا في السابق ولكنه الآن أصبح معترفا به. أثار هذا القرار مخاوف الحقوقيين وكثيرا من نشطاء الشبكات الاجتماعية الذين انتقدوه. كما أن النائب البرلماني اليساري عمر بلافريج وهو من بين النواب الأكثر اهتماما بموضوع الحريات، قدم سؤالا كتابيا لوزير الداخلية حول القضية.
في نفس المنحى ومنذ الأيام الأولى للجائحة كانت قد نظمت بعض المواقع المقربة من السلطة حملة من الشتم ضد بعض المعارضين على أساس أنهم لا يفعلون شيئا لمساعدة البلاد ضد الجائحة. بل إن الموقع الرقمي الأول من حيث عدد زوار محتواه السمعي البصري، قد أنتج وبطريقة فنية عالية ومكلفة فيديو للتشهير بمن يعتبرهم أعداء للوطن وأغلبهم كتاب رأي وصحافيون وحقوقيون. ورغم خطورة الاتهامات ضد شخصيات معروفة فإن القضاء لم يحرك أي متابعة ضد الجناة. وفي الحقيقة فإن مثل هاته الحملات أصبحت مشجعة رسميا منذ أن دعت رئاسة النيابة العامة في دورية رسمية الوكلاء العامين للملك بعدم متابعة مرتكبي جرائم التشهير إلا بالرجوع إلى الرئاسة وإعطائها الوقت الكافي لأخذ القرار المناسب أي باختصار دفن الموضوع. هكذا أصبحت آفة التشهير بالمغرب شبه رسمية وهي ممولة في الغالب من المال العام، والمغرب يتبع في هذا دولا عربية أخرى كمصر والإمارات والسعودية.
استغلت وزارة الداخلية المغربية جائحة كورونا ودون انتظار أي قرار تشريعي من البرلمان للمبادرة باستعمال تطبيق للهاتف النقال للتتبع الأمني لتنقل المواطنين دون أمر قضائي. كان هذا معروفا في السابق ولكنه الآن أصبح معترفا به
وفي إطار نفس حملة السلطات على المنتقدين كانت قد تمت متابعة عدة نشطاء للتعبير عن آرائهم في ما يخص الإجراءات الرسمية ضد كورونا، كما تم منذ أيام اعتقال نجل أحد الحقوقيين المعروفين بالرباط. كان الشاب المثقف يشتغل، وذلك للخروج من حالة العطالة التي يعاني منها رغم شواهده، بشكل قانوني كمقاول ذاتي ويتوفر على رخصة لذلك، في توزيع عدة مواد استهلاكية وشبه صحية ومنها الكمامات، أقول اعتقل الشاب بتهمة أن الكمامات لا تحترم المعايير المغربية للسلامة. والملاحظة الأولى بشأن هذه النازلة أن هذا الشاب كان لا يصنع لا الكمامات ولا المواد الأخرى التي يوزع، بل إنه كان يشتري قانونيا ما يجد في سوق الجملة لإعادة بيعه. وليس هناك لا في القانون ولا في الممارسة ما يضطره ليقدم للسلطات كل ما يوزع ليعاد التأكد من جودته. الملاحظة الثانية هي انه ولا شك ليس الوحيد في كل المغرب الذي يقوم بهذا العمل، ويمكن أن نتخيل العشرات بل والمئات من الشباب يقومون بنفس الشغل حتى يسعفوا أنفسهم وأسرهم. الملاحظة الثالثة، لماذا أُعطي هذا الإشهار الكبير للقضية والذي تحول بسرعة إلى تشهير ممنهج وكاسح ضد والد المعتقل رغم أن الشاب راشد إذ ينيف عمره عن الثلاثين؟
ما يحدث بشأن هذه القضية لا يصدقه عقل بحيث إنه يوميا ومنذ عملية الاعتقال والتي أشاعها الإعلام الرسمي على نطاق واسع، وتلقفتها مواقع مقربة من السلطة وبعضها ممول من لدن الإمارات، تنشر العديد من المقالات والمئات من التعاليق المفبركة، في محاولة للاغتيال المعنوي لأسرة الشاب وخصوصا لوالده المحامي والحقوقي المعروف وهو أحد مسؤولي الحزب المعارض الاشتراكي الموحد. الغريب أنه من بين المشاركين في هاته الحملة موقع إعلامي مقره بالمغرب ولكنه مقرب من حكومة بنيامين نتنياهو (عجيب؟) كما أنه يحمل اسم مؤسسة إعلامية إسرائيلية معروفة. وإذا ظهر السبب بطل العجب فالموقع الأخير يتخصص في التشهير بالشخصيات المساندة للقضية الفلسطينية من المغاربة والحقوقي المستهدف ينتمي لهؤلاء.
أما حان الوقت لينتهي لعب الصغار هذا؟ ألدى العناصر الاستعلاماتية المشتغلة بالإعلام والمتعاملين معها كل هذا الوقت لتجزيته في تدبيج مقالات وفيديوهات تافهة والبلد تحت ضغط الجائحة الخطير ويحاول ما أمكن مواجهتها وقد اقترب عدد المصابين يوميا من المئتين..