ضريبة التفريط الجزائري في الاتحاد المغاربي
تُضيع الجزائر، منذ سنوات طويلة، فرص بناء السياسة العملية التي تجعلها تحافظ على استقرارها الداخلي ضمن محور فضائها المغاربي والأفريقي والعربي. من الملاحظ في هذا الخصوص أن العلاقات الجزائرية بدول أوروبا المتاخمة لها من جهة شمال البحر المتوسط، وهي فرنسا وإسبانيا وإيطاليا بشكل خاص، تتعرض للهزات جراء عدم خضوعها لمنطق التعاون المتكافئ البعيد عن الهيمنة الأوروبية الغربية اقتصاديا وثقافيا وتبادلا تجاريا من جهة، وبسبب ضعف موقف الجزائر الذي يعاني من خلل جوهري يتمثل في السلوك الأحادي الذي يمارسه النظام الجزائري والذي يسهل على أوروبا والغرب اختراقه وتدجينه في أي وقت.
وفي الحقيقة فإن الأحادية في الممارسة السياسية الخارجية الجزائرية تنبع بشكل ملفت للنظر من عدم انخراط الجزائر في سياسات التنسيق الجدي مع محيطها الحيوي ضمن إطار التفاعل التكاملي المصيري مع الاتحاد المغاربي والاتحاد الأفريقي، بما يؤدي إلى تشكيل قطب قوي موحد مؤسس على قوة استراتيجية تتكون من أكثر من 52 دولة تتربع على مساحة ثاني أكبر قارة في المعمورة، يربط بينها تاريخ نضالي وتتوفر لها ثروات مادية وحضارية هائلة.
وفي الواقع فإن التفريط الجزائري في الاتحاد المغاربي وعدم الاستثمار المادي والثقافي في فضاء العمق الأفريقي هما نتاج للاستسلام الجزائري للمشاكل الجانبية الأمر الذي غيَب لدى الجزائر الرؤية السياسية ذات البعدين الإقليمي والدولي المترابطين، ولقد تزامن هذا الموقف السلبي للأسف مع تراكم النكوص إلى السياسات التي تعيد إنتاج عنصرين منفرين، وهما القُطْرية النرجسية الضيقة، واتخاذ سياسات الإبقاء على الحدود المغلقة وجعلها معيارا للتعامل السياسي والاقتصادي والثقافي.
وأدت مثل هذه السياسات السلبية إلى تعريض الجزائر إلى اختراقات متعددة وآخرها الاختراق الذي حدث لها في هذا الأسبوع جرَاء تمكن الولايات المتحدة من زحزحتها من مكانها الأول في علاقتها النفطية بإسبانيا، وبذلك صارت أميركا تسيطر على الحصة التي كانت تتمتع بها الجزائر على مدى ثلاثين سنة.
رغم هذا التهديد الأميركي الجيوسياسي والاقتصادي للجزائر، فإن المسؤولين في أجهزة صنع القرار السياسي في أجهزة الدولة الجزائرية لم تصدر عنهم حتى الآن أي ردة فعل صريحة وواضحة تكون في مستوى هذا الحدث. ومن الغريب أن مجلس الأمن للدولة الجزائرية لم يعقد أي اجتماع طارئ بهذه المناسبة لدراسة هذا الحدث الجديد ولتحديد طرق التعامل معه، وأكثر من ذلك فإن مجلس الوزراء الجزائري لم يحرك ساكنا وكذلك هو حال البرلمان الجزائري، بغرفتيه السفلى والعليا، علما أن تهديد صادرات الغاز الجزائري يعني في الواقع أن تأثيراته السلبية ستؤدي لا محالة إلى خلخلة النسيج الاجتماعي الوطني من الأساس في المدى المنظور، وخاصة في ظل تفاقم البطالة وتدهور مستوى المعيشة فضلا عن عدم الاستقرار السياسي.
ويبدو أن التلويح الجزائري مؤخرا بالانضمام إلى طريق الحرير الصيني هو الرد الضمني المحتشم والوحيد على التحرك الأميركي – الإسباني والذي لن يكون فعالا على المدى القريب على الأقل.
وفي الحقيقة فإن هذه الضربة الموجهة للجزائر ليست صادرة فقط عن الجانب الأميركي، بل إنها قد تمت دون أدنى شك بإيعاز من إسبانيا وغض الطرف من قبل الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الخصوص يرى المحللون السياسيون أن الهدف من هذه الضربة هو تحيين وتفعيل المشاريع الغربية التي كان يخطط لها منذ زمان بعيد لإضعاف المنطقة المغاربية وبالتالي تمييع مخرجات حوار مجموعة 5 زائد 5 التي تضم الدول الواقعة بين الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط.
ولا شك أن إرث الصراع القديم للعلاقات الجزائرية /الأميركية في منطقة البحر المتوسط لا يزال حيا في الذاكرة التاريخية رغم أن حرب البحرية الجزائرية الأميركية قد وقعت في 17 جوان سنة 1815.
وبدلا من إجراء الجزائر للمشاورات العاجلة مع الشركاء في الاتحاد المغاربي والاتحاد الأفريقي لمواجهة هذه المخططات، فقد بدأ فصيل داخل أجنحة النظام الجزائري يتعامل مع هذه المشكلة المستجدة بشكل سلبي ينتظر أن تكون له تداعيات خطيرة على ما تبقى من العلاقات الجزائرية المغربية الهشة.
وفي هذا الشأن نجد أفرادا ينتمون إلى الجناح المتمركز جزائريا يسربون لوسائل الإعلام تصريحات تروج لعدم أهمية الأنبوب الثاني الذي يربط الجزائر بإسبانيا عبر الأراضي المغربية، وذلك للتعجيل بوقف الجزائر لهذا الخط قريبا، وهناك أيضا نوايا مبيتة لدى هذا الجناح نفسه لتشجيع تغيير خط الأنبوب الناقل للغاز الجزائري إلى إيطاليا أيضا وإبعاده عن الأراضي التونسية بحجة “جزأرة” النفط الجزائري والحفاظ على جزء من المستحقات التي يستفيد منها الشعب التونسي الشقيق. في هذا المناخ ندرك أنه إذا نجح هذا الجناح في مساعيه فإن المنطقة المغاربية ستشهد تغييرات سلبية، وسوف تقع الجزائر في فخ المخططات الغربية التي ما فتئت تسعى إلى تمزيق الفضاء المغاربي.