الجزائر تضبط إيقاع الدعاية المضادة لخيارات السلطة
سرّعت السلطة الجزائرية من وتيرة ضبط إيقاع الدعاية المضادة لمقارباتها السياسية، بوضع تشريعات جديدة مثيرة للجدل، فبقدر توجهها إلى التحكم في خطاب سياسي مواز، عبر التلويح بعقوبات مشددة، بقدر ما فتحت على نفسها أبواب انتقادات المعارضة والمنظمات الحقوقية.
ورغم تعليق أشغال البرلمان بسبب تفشي وباء كورونا، صدق الأربعاء أعضاء المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية)، على مشروعي قانوني العقوبات ومحاربة التمييز وخطاب الكراهية، وسط تساؤلات عن الاشتغال الانتقائي لنواب البرلمان، حيث يغيبون عن ملفات الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد، ويحضرون لمّا تدعوهم الحكومة لتمرير قانون جديد مثير للجدل.
ووسط تساؤلات عن مصير ومستقبل الحريات في الجزائر، في ترسانة التشريع الجديد، الذي ضيق الخناق على حرية التعبير في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، علق مدونون بالقول “أكبر فئة احترمت الحجر الصحي هي فئة نواب البرلمان”، في إشارة إلى تواريهم عن الأنظار منذ الإعلان عن تعليق الأشغال.
وفي أول ارتداد للمسار الذي تنتهجه السلطة خلال الأسابيع الأخيرة، تدحرج تصنيف الجزائر في سلم حريات التعبير العالمي إلى المرتبة الـ146، متراجعة بخمس مراتب في الآونة الأخيرة، بعد سجن عدد من الصحافيين، وعلى رأسهم الإعلامي خالد درارني، مراسل منظمة “مراسلون بلاد حدود”، التي أعدت التصنيف المذكور.
وصرح وزير العدل بلقاسم زغماتي، أمام نواب البرلمان بعد تمريرهم للمشروعين المذكورين “إن المصادقة تعبر عن الحرص في تعزيز المنظومة القانونية بأحكام قادرة على مواجهة مختلف الوضعيات والأزمات، وتعمل على مكافحة بعض التصرفات غير النزيهة التي تحول دون أخلقة الحياة الاجتماعية وتمس بسياسة الدولة”.
تشريعات متسارعة في وقت تستعد فيه البلاد لتعديل دستوري يثير تساؤلات بشأن مدى جدية السلطة في التغيير
وبات بموجب التعديلات التشريعية الجديدة، رواد شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسهم المدونون، مهددين بعقوبات قاسية تتراوح بين العام والثلاثة أعوام، وغرامة مالية، في حال تعمدوا نشر مضامين “كاذبة أو مغلوطة”، كما تسلط عقوبات تصل إلى عشر سنوات سجنا نافذة وغرامة تصل إلى سقف الـ10 آلاف دولار، للمروجين للعنصرية وخطاب الكراهية.
وفيما تستهدف السلطة إعادة ضبط إيقاع الدعاية الموازية على شبكات التواصل الاجتماعي، التي أزاحت مفعول دعاية الإعلام التقليدي عن التأثير أو توجيه الرأي العام، يتخوف ناشطون وحقوقيون من إمكانيات توظيف النصوص الجديدة لكبح جماح حرية التعبير في ظل الالتباس القائم، في ما يتعلق بما يوصف بـ”الأخبار الكاذبة”.
كما تعيد التشريعات الجديدة إلى الواجهة الجدل القائم حول مسؤولية ومصير جهات نافذة بشأن وقوفها وراء مضامين موجهة على شبكات التواصل الاجتماعي، أوعزت لجيش افتراضي خلال الأشهر الماضية ببث العنصرية والتفرقة والقذف، وكيل تهم الخيانة والعمالة جزافا لسكان وجهة معينة من البلاد (منطقة القبائل)، وهو الجيش الذي ظل يعرف بـ”الذباب الإلكتروني” المجند للمساس بالحراك الشعبي.
وأكد وزير العدل الجزائري في هذا الشأن أن “حرية التعبير لا يمكن أن تكفل خطاب التمييز والكراهية الذي يعتمد عليه البعض من أجل زرع الفتنة بين الجزائريين، وأن المشروع يتضمن أحكاما إجرائية خاصة عندما ترتكب، مع إمكانية ترخيص الجهات القضائية لضباط الشركة القضائية، بوضع آليات تقنية للتبليغ عن الجرائم المنصوص عليها في هذا النص وبالتسرب الإلكتروني إلى منظومة إلكترونية أو نظام للاتصالات الإلكترونية أو تحديد الموقع الجغرافي للمشتبه فيهم”.
وكشف أن “الحكومة عازمة على إنشاء مرصد وطني للوقاية من التمييز، يوضع لدى رئيس الجمهورية كهيئة وطنية لها استقلال مالي وإداري، تتولى رصد كل أشكال التمييز وخطاب الكراهية”.
ومع ذلك تبقى التساؤلات مطروحة بشأن وتيرة وجدوى التشريعات المتسارعة في هذا الشأن، في ظل الحديث عن تعديل دستوري عميق، تعطل بسبب جائحة كورونا، وينتظر أن يكون على رأس أولويات المرحلة المقبلة، باعتبار الدستور المنتظر سيحتم على الحكومة إعادة تكييف المنظومة القانونية مع مضمونه، وهو ما يوحي بأنه سيكون مقيدا للحريات إذا تم الاحتفاظ بالتشريعات المذكورة، أو أنها ستحذف في المستقبل لتضمن انفتاحا سياسيا وإعلاميا كما تعهد الرئيس عبدالمجيد تبون