قالت مصادر سياسية وأمنية مغاربية إن استحداث الجزائر لهيئة جديدة تختص بالتعاون الدولي وإسنادها إلى ضابط رفيع سابق في جهاز الاستخبارات الجزائري يُعدّان تحولا كبيرا في مسار السياسة الجزائرية الموجهة إلى القارة الأفريقية، وأن الجزائر تتحرك في مسعى للحد من تأثير النشاط الدبلوماسي والسياسي والتجاري المغربي المؤثر في القارة.
وأعلن في الجزائر الثلاثاء عن استحداث “الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية”، وعهد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بمهمة إدارتها إلى العقيد المتقاعد من جهاز الاستخبارات محمد شفيق مصباح، ليكون على رأس الهيئة التي تعول عليها السلطة من أجل إعادة الاعتبار الدبلوماسي والاستراتيجي في المنطقة والعالم.
ويعد شفيق مصباح إحدى الكفاءات العالية في مجال تخصصه الأكاديمي والاستعلاماتي، قياسا برصيده المتراكم في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية ورتبته الرفيعة في واحدة من المؤسسات القوية في البلاد (الاستخبارات).
وكان شفيق مصباح، الحاصل على شهادة دكتوراه الدولة في العلوم السياسية من جامعة الجزائر سنة 1981، من كبار الضباط في جهاز الاستخبارات ممن واجهوا اهتزازا في مكانتهم خلال السنوات الأخيرة، بفعل الارتجال في سياسة إصلاح وتطوير عمل الاستخبارات الجزائرية.
وكان الرئيس تبون قد أعلن، خلال قمة للاتحاد الأفريقي الأخيرة في أديس أبابا، عن قرار بلاده بإنشاء الوكالة بغرض “بعث ديناميكية جديدة في التعاون الدولي الجزائري، لاسيما تجاه البلدان الأفريقية”.
وعرف الدور الجزائري في أفريقيا انحسارا لافتا خلال السنوات الأخيرة، بسبب تركيز الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة على النشاط الدبلوماسي تجاه الضفة الشمالية للمتوسط، على حساب العمق الأفريقي للجزائر، رغم إقرار مصدر أمني جزائري مطّلع بـ”ما للمسار من مخاطر استراتيجية على البلاد”.
وووجهت انتقادات شديدة إلى الخيارات الدبلوماسية للرئيس السابق، بسبب تركيزه على التعاون الأوروبي والآسيوي والأميركي، دون إيلاءِ العمقِ الأفريقيِ للجزائر الأهميةَ اللازمةَ، حيث قام بسبع زيارات لفرنسا دون أية زيارة لأحد بلدان أفريقيا.
ولم تركز الجزائر على مسألة العلاقة بأفريقيا إلا بشكل نسبي حتى عندما اندلعت الأزمة الأمنية في الحزام الصحراوي عام 2012 بسبب نشاط الجماعات الجهادية.
وتم التركيز حينها على المقاربة الأمنية في مواجهة تمدد نشاط تنظيم القاعدة في الساحل الصحراوي والوصول إلى تخوم الحدود الجنوبية للجزائر في حدودها مع مالي، فضلا عن انكفاء لافت لصالح الدور الفرنسي في المنطقة، مما سحب البساط من تحت أقدام الجزائريين رغم قربهم وموقعهم كبوابة رئيسية للقارة السمراء.
لكن المنظومة الاستخباراتية الجزائرية ترى في النفوذ المغربي في المنطقة خطرا عليها، وخصوصا أن العلاقات المتصاعدة للمغرب مع دول المنطقة تؤسس على دبلوماسية شعبية دينية، إذ يرى الكثير من مواطني دول الساحل والصحراء في المغرب مرجعيتهم الدينية.
وقال خبراء أمنيون إن ما يقلق الجزائر أكثر هو تحولها إلى منطقة أمنية وليست سكانية.
ويرى الناشط السياسي عبدالرحمن الهاشمي هنانو أن “الجزائر بحاجة إلى تمدين الشريط الحدودي الجنوبي، عبر عاصمة ومدن جنوبية كبيرة من أجل تمتين أواصر التعاون بين سكان الشريط الحدودي للدول المشتركة، وأن الأمن لن يتحقق بعسكرة المنطقة فقط، بل يحتاج إلى نشاط وحركة مدنية تطور المنطقة وتضيق الخناق على الجماعات الجهادية”.
وتعد مدينة تمنراست الواقعة في أقصى الجنوب الجزائري، قريبة إلى سبع عواصم أفريقية أكثر من قربها إلى العاصمة الجزائر، وهو ما يكون قد حفّز السلطة الجديدة في الجزائر على إطلاق هيئة تضطلع بمهام “المشاركة في إعداد وتنفيذ السياسة الوطنية للتعاون الدولي في المجال الاقتصادي والاجتماعي والإنساني والثقافي والديني والتربوي والعلمي والتقني”.
وتحولت أفريقيا في السنوات الأخيرة إلى منطقة تنافس دولي بين قوى عالمية في مقدمتها الصين والولايات المتحدة وروسيا ودول الخليج وتركيا.
وحقق المغرب خلال السنوات الأخيرة اختراقات مهمة في أفريقيا بدأت باستعادة مقعده في الاتحاد الأفريقي مطلع عام 2017 وصولا إلى افتتاح عدد من الدول الأفريقية لسفارات في المناطق الخاضعة لها من الصحراء، من بينها جزر القمر وغينيا والكوت ديفوار وغامبيا وأفريقيا الوسطى وسان تومي وبرنسيت.