كورونا: كابوس مخيف للطلاب المغتربين

تشكل أزمة كورونا الحالية عبئا أكبر على الطلاب المغاربة المغتربين، الذين توقفت دراستهم، وأصبحوا عالقين لأجل غير مسمى، بينما لا يزال الطلاب الجدد يحاولون تخطي الصعوبات والتحديات في عامهم الدراسي الأول، ولم يشكلوا خبرات كافية للتعامل مع أزمة جديدة.

حالة من الانتظار والترقب يعيشها الطالب المغربي أمين في باريس، لإجلائه مع عدد من زملائه والعود ة إلى البلاد بعد أن أصبحت الأوضاع شديدة الصعوبة بتوقف الدراسة والعمل، بسبب انتشار وباء كورونا وحالة العزل الصحي في فرنسا.

وتأثرت وضعية الطلاب المغاربة الاقتصادية الاجتماعية بسبب فرض الحجر الصحي العام في الدول الأوروبية خصوصا فرنسا وإيطاليا، وتستمر مناشداتهم سلطات بلادهم التدخل العاجل لمساعدتهم على تخطي الظرف الراهن.

ويؤكد أمين (20 عاما)، وهو في سنته الأولى في دراسة الهندسة الميكانيكية بفرنسا، أنهم بأمس الحاجة إلى الإجلاء والعودة إلى بلادهم في ظل الأوضاع الراهنة، حيث توقف عمله الجزئي في أحد المقاهي ومع توقف الدراسة لأجل غير معروف، أصبحت العودة إلى البلاد الحل الأمثل له ولزملائه الذين يعيشون أوضاعا مشابهة.

وتابع أن هناك طلبة عربا آخرين أوضاعهم مشابهة له، ويعيش أهلهم جميعا حالة من القلق بسبب ما يسمعونه من نشرات الأخبار حول تفشي الوباء في فرنسا، وينتظرون بفارغ الصبر عودة أبنائهم خصوصا مع اقتراب شهر رمضان.

نظام لتفادي الإصابة

وأكد رئيس البعثة الجامعية والتربوية المغربية بفرنسا ، أن الطلاب المغاربة بفرنسا يخضعون لنظام محكم لتفادي الإصابة بفايروس كورونا، مشيرا إلى أنه تم إجراء 4 تحاليل تبين أن أحد الطلبة مصاب وتماثل للشفاء.

وأشار إلى أنه أنشأ حسابا جاريا لجمع المساعدات لتلبية الاحتياجات الأساسية للطلبة، لكن المبالغ التي تم جمعها حتى الآن لا تكفي، وهناك تفاعل من الجالية المغربية لاستقبال الطلبة.

السعودية ترسل مرشدا أكاديميا من السفارة لاستقبال أي طالب سعودي ما اختصر عليهم الوقت والجهد

ويشعر أمين بنوع من الأسى لأنه واجه هذه الظروف التي لم يكن يتوقعها أحد في العالم، خلال سنته الدراسية الأولى خارج البلاد، لاسيما وأنها تعتبر أصعب عام دراسي بالنسبة للطلبة المغتربين، الذين يواجهون العديد من التحديات والصعوبات بغض النظر عن الصعوبات المادية والاقتصادية.

ويشغل حلم السفر من أجل متابعة الدراسة نخبة من خريجي الثانوية والجامعة خاصة في جامعات الولايات المتحدة،  وأوروبا والتي تعتبر امتيازا خاصا لأصحاب المعدلات العالية، على اعتبار أنها جامعات متطورة تواكب التكنولوجيا والتطور العلمي والأبحاث المتجددة وبطرق دراسية متميزة ومغايرة لما يتلقونه في الغالبية من الجامعات العربية.

لكن هذه المميزات لا تخلو من صعوبات وعقبات تقف عائقا أمام تطلعات وطموحات هؤلاء الطلبة، بسبب ضعف التوجيه والإرشاد اللذين يتلقونهما قبل سفرهم، إضافة إلى إهمال الجهات المسؤولة وتقصيرها في الاهتمام بالبعثات الدراسية.

ومن أهم المشاكل التي يصادفها الطلاب المغتربين هي عدم توافق دراستهم في الجامعات الغربية مع التوظيف، فهناك العديد من التخصصات ذات المستوى العلمي العالي وليست لها وظائف في بلادهم، خصوصا في دول الخليج، حيث يتم صرف مبالغ كبيرة على الدراسة دون طائل ليصطدم الطلاب في ما بعد بضياع للجهد والوقت، لهذا من المهم معرفة الطلاب بالاختصاصات التي تتناسب مع سوق العمل في بلادهم.

ويجمع غالبية الطلاب العرب على أن اللغة من أصعب المشاكل التي يواجهونها في بداية دراستهم في الخارج، إذ أن غالبية دورات تعلم اللغة ليست بالمستوى المطلوب، لأن هدفها تجاري أكثر منه تعليميا، يضاف إلى ذلك جهل الطلاب للمتطلبات الأساسية للقبول، ما جعل الكثيرين يلجؤون إلى الدراسة الذاتية وإهمال دورات اللغة التي ليست لها علاقة بالاختبارات المتعلقة بالقبول.

غياب الإرشادات

أكبر أمنيات الطلاب المغتربين في الجامعات الغربية اليوم العودة إلى بلادهم مع اقتراب شهر رمضان

وتحدث أحد الطلبة الكويتيين عن المشاكل التي يعانيها، وكتب على حسابه في فيسبوك، “لا بد من وجود توجيهات وإرشادات من وزارة التعليم العالي للطالب حول آخر التطورات، فمثلا اختبار اللغة ‘توفل’ يطبق في الكويت وفق النظام القديم وحينما يصل الطالب إلى الجامعة الغربية، يجد أنهم لا يقبلون نتيجة اختباره لأنه مضى عليه الزمن، أو أن الدرجة التي اجتازها في الكويت قليلة جدا بالنسبة للمتطلب الأساسي في الجامعات الغربية، بالإضافة إلى افتقار الطالب لأي فكرة حول التخصص الذي أرسل من أجله، وهنا يرجع دور الطالب في البحث الذاتي عن طريق المراسلات مع الجامعات أو الطلاب ذوي الخبرة”.

وشاركه آخر قائلا “واجهتني في اختبار ‘آيلز’ أيضا هذه المشكلة، فالدرجة التي حصلت عليها كانت لا تؤهلني للدخول إلى الجامعات الغربية خاصة تخصص الطب، وهنا رجعت مرة أخرى لإعادة اختبارات اللغة، نعم دورات اللغة كانت لا تفيد الطالب باعتبارها دورات تجارية وليست لها أي صلة بالاختبارات”.

وينصح الطلاب الذين عانوا من صعوبات في بداية تجربتهم الدراسية في الغرب، والطلاب المقدمين على الدراسة في الخارج بالتدرب التام على لغة البلد الذي ينوون الدراسة فيه، ليس عن طريق المعاهد بل عن طريق تكوين العلاقات والصداقات مع الأجانب فهي التي تساعد على ممارسة اللغة بشكل أسهل وأسرع وإخضاع الفرد للتجارب من خلال الممارسة اليومية، أما المعاهد فهي معظمها تجارية ولا تفكر في كيفية إجادة الطالب اللغة بطلاقة.

ويعاني الطلاب من غياب التوجيه قبل السفر، وهذه من أهم المشاكل التي يمر بها كل طالب مغترب، فالتوجيه مقتصر على كلمات بسيطة لمدة ساعة أو ساعتين ولكن فعليا يحتاج الطالب الجديد إلى معرفة قوانين ونظم الدولة المرسل إليها، فعلى سبيل المثال تعتبر الولايات المتحدة قارة، لكن لا توجد أي لجنة أو فرد يستقبل الطالب الجديد الذي يفتقر للخبرة الكافية ويجهل كيفية تدبير الأمور خاصة في أمور الإقامة، أو السكن، أو قوانين المرور، وهذا ما قد يضع أمام الطالب العديد من العقبات التي تؤخر مسيرة دراسته نتيجة انشغاله بحل مشاكله كتخليص الأوراق وإصدار بطاقة الهوية والحصول على السكن والتأثيث.

ويشير بعض الطلاب إلى أن بعض الدول الخليجية ساهمت في تقليل العبء على طلابها مثل السعودية، التي ترسل مرشدا أكاديميا من السفارة لاستقبال أي طالب سعودي والإجابة على استفساراته وإعانته في الأمور الأساسية، بالرغم من أن أعداد الطلبة تتجاوز الآلاف في السنة، وهو ما شكل دعما كبيرا للطلاب السعوديين واختصر عليهم الوقت والجهد.

ويقول بعض الطلاب إن مشاكلهم في ازدياد بسبب المكاتب الثقافية التابعة لدولهم والتي لا تقوم بما يجب في مساعدة الطلاب وتوجيههم في دول الاغتراب وكثيرا ما يضطرون إلى البقاء عدة شهور قبل الحصول على قبول بالجامعة، وهي مشكلة كبيرة جدا للطلاب الذين لديهم ميزانية محددة للدراسة في الجامعات الغربية ولا يستطيعون تخطيها.

أنشطة متعددة إلى جانب الدراسة

ويذكر البعض أن إحدى مشاكل الطلبة المبتعثين من جامعة الكويت على سبيل المثال، أن هناك أقساما علمية ترسل الطالب إلى تخصص يحتاج منه 9 سنوات للحصول على درجة الدكتوراه، بينما مدة البعثة 5 سنوات، فكيف يدرس الطالب تخصصا والمدة لا تستوفي ذلك. إضافة إلى أن بعض الجامعات تحدد مدة البعثة 5 سنوات دون الأخذ في الاعتبار أن الطالب يحتاج إلى سنة كاملة لإتقان اللغة.

ويذكر أحد الطلبة المغتربين أن مسمى تخصصه كان غير موجود في الجامعات الأميركية لكن القسم العلمي في جامعة الكويت كان يصر على ذلك المسمى، مما أضاع عليه سنواته المحسوبة من الابتعاث وظل رهين النظام القديم للقسم العلمي الذي ليس له علم بالجامعات والتخصصات في الخارج.

وتعتبر العلاقات الاجتماعية مع طلاب بلادهم والجاليات العربية الموجودة فيها عاملا مهما في مساعدة الطلاب على تجاوز بعض العقبات، وسرعة التأقلم في بلاد الاغتراب، ومساعدتهم على تخليص المعاملات والأمور البنكية والسكن، فكلها لا تكون إلا من خلال صديق له خبرة وخاصة بالنسبة إلى الطالبات.

مجموعات للتواصل

ويقوم الكثير من الطلاب بتأسيس مواقع على الإنترنت ومجموعات على مواقع التواصل للاهتمام بزملائهم المغتربين وتقديم النصح والإرشاد في الأمور الأكاديمية والأمور الدينية الخاصة بالعبادات والمعاملات، وهناك متطوعون لخدمة هؤلاء الطلبة. فاتحادات الطلبة في الخارج ليس لها دور كبير وأكثر أدوراها شكلية، لا تقدم مساعدة حقيقية. ويؤكد المغتربون أن الشعور بالتوتر أمر شائع في بداية المرحلة الجامعية ولكن بعد ذلك ستكون الحياة طبيعية، وأن الاستفادة من تجربة الاغتراب كبيرة وتعطي خبرات حياتية، ولها تفاصيل إيجابية كما لها جوانب سلبية، وعادة الأهالي يخشونها ولكنها تفيد شخصية الطالب وتطور مهاراته وخبرته الحياتية.

ومن المهم أن يعيشوا تفاصيل تجربتهم ويحافظوا على طبيعتهم ويحاولوا الاستفادة من التجربة في السكن أو في الكلية، وتهيئة أنفسهم لتقبل الآخر والآراء والأفكار المختلفة عنهم، وأن يهتموا بدراستهم وفي نفس الوقت الاهتمام بإسعاد أنفسهم.

ويبدو لافتا بالنسبة لبعض الطلاب أنهم خرجوا بنتائج إيجابية من الصعوبات والتحديات التي عايشوها خلال دراستهم في الغربة، فخلال الأزمات مثل الثورة التونسية في عام 2011، كان الطلبة التونسيون على قلب واحد، دون أن يفرقهم الانتماء السياسي أو الجهوي، ونظموا التجمعات وفتح البعض بيوتهم لمساندة بعضهم البعض.

ويُنصح الطلبة الجدد بالحرص على زيارة زملائهم في الغربة، وتنظيم رحلات لزيارة الأصدقاء وعدم التمسك بمكان واحد، ومن المهم تخصيص وقت لتوطيد العلاقات الاجتماعية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: