المغرب: المجلس الوطني لحقوق الإنسان تحول إلى واجهة للسلطة ومبررا لانتهاكاتها خاصة في ملفات حراك الريف ومعتقلي الرأي والصحافيين

كلما أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب تقريراً، خاصة منذ استبعاد رئيسه وأمينه العام السابقين،أثار ردود فعل متباينة، لكن جلها ناقدة وأحياناً مستنكرة لما يرد، لأنها تعتبر أن المجلس في تقاريره يحرص أن يكون واجهة للسلطة ومبرراً أو مخففاً من آثار انتهاكاتها لحقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بتدبير حراك الريف ومسألة معتقلي الرأي والصحافيين.
التقرير الجديد الذي صدر نهاية الأسبوع حول وضعية حقوق الإنسان 2019، سيواجه نقداً من أوساط مختلفة، إن كانت حقوقية أو مدنية أو تهتم بالشأن الديني، خاصة ما ورد في التقرير عن التعذيب والحريات الدينية والصيام.
وأكدت رئيسة المجلس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، في تقديم التقرير، أن إصداره «يعتبر فرصة لجميع الفاعلين للتوقف من أجل تقييم، بما يكفي من مسافة وتبصر، اللحظات القوية التي طبعت الأحداث ذات الصلة بحقوق الإنسان في المغرب خلال سنة. وقالت «إن توسيع الحريات بالفضاء العام، والذي ما انفك مواطنونا يطالبون به، يطرح، دون شك، أكبر تحد تواجهه مؤسسات ديمقراطيتنا الناشئة، لأن «حرية التعبير التي تبقى السؤال الذي ينبغي أن يجيب عليه المجتمع بطريقة منتظمة ومستمرة».
وأوصى المجلس في تقريره بتقوية آليات مكافحة إفلات مرتكبي التعذيب وسوء المعاملة من العقاب، نظراً لما تكتسيه هذه الجريمة من خطورة، ودعا أن يعاقَب بنفس العقوبة المتعلقة بجريمة التعذيب الرئيس الذي كان يعلم أنّ أحد مرؤوسيه أو من يعملون تحت إمرته أو رقابته الفعليتين قد ارتكب أو كان على وشك ارتكاب التعذيب، أو تعمّد إغفال معلومات كانت تدل على ذلك بوضوح.
إلا أنه تبنى موقفاً مخالفاً لما قاله معتقلون حول تعرضهم والهيئات الحقوقية وتقرير طبي لأطباء انتدبهم المجلس، لكنه لم يصدر، واستعرض التقرير عدداً من حالات مزاعم التعذيب التي سبق أن أعدّ حولها المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقارير في وقت سابق، مثل حالة ناصر الزفزافي وبعض معتقلي حراك الريف، التي قال المجلس إنه سيتطرق لها بالتفصيل في تقرير سيصدره مستقبلاً حول أحداث الريف، وشدد على «عدم التذرع بأي أمر أو تعليمات صادرة عن سلطة عامة مدنية أو عسكرية أو غيرها لتبرير جريمة التعذيب»، وأوصى بإضافة مقتضى جديد في مشروع القانون الجنائي ينص على عدم تقادم جريمة التعذيب، ونشر نتائج التحقيقات التي تقوم بها النيابة العامة حتى لو تنازل المشتكي عن شكاية ادّعاء التعذيب.

وبخصوص التظاهر السلمي في الشارع، قال المجلس إنه رصد تزايداً للحركات الاحتجاجية، إذ وصل المعدّل خلال 2019 إلى 46 مظاهرة في اليوم؛ وسجّل أن المحتجين «غالباً لا يتقيدون بالإجراءات القانونية المؤطرة لممارسة هذا الحق على أرض الواقع»، معتبراً أن هذا النزوع المميز للتعبيرات الاحتجاجية «غالباً ما يتسبب في الرفع من منسوب التوتر بين المتظاهرين والسلطات المسؤولة عن إنفاذ القانون والحفاظ على الأمن».
وأوضح التقرير أن تلك المظاهرات كانت تختلف من حيث الخصائص، سواء تعلق الأمر بالمدة الزمنية لها، أو نوعية قاعدتها الحاملة للمطالب، وأن «المحتجين، غالباً، لا يتقيدون بالإجراءات القانونية والمسطرية المؤطرة لذلك، هذا النزوع المميز للتعبيرات الناشئة، غالباً، ما يتسبب في الرفع من منسوب التوتر، والاحتقان بين المتظاهرين، والسلطات المسؤولة عن إنفاذ القانون، والحفاظ على الأمن»، ومن تلك المظاهرات من مرت في ظروف عادية، ومنها من عرفت تدخلاً أمنياً كما حدث في المسيرات المتعلقة بذكرى حركة 20 فبراير في الرباط، حيث تم تنبيه المتظاهرين عبر مكبر الصوت من طرف عميد الشرطة الذي كان يحمل شارة وأمر بتفريق المظاهرة»، وزاد: «وأمام عدم تفرق المحتجين، استعملت القوات العمومية خراطيم المياه والقوة من أجل تفريقهم».
وأكد وجود ضعف في البعد الحقوقي في السياسات العمومية، في المجال الاقتصادي الاجتماعي والثقافي والبيئي، وأن «تراكم العجز في هذه المجالات هو أحد الأسباب الرئيسية في تزايد وتيرة مختلف أشكال الاحتجاج، التقليدية منها والجديدة، في العديد من المناطق التي تضررت من التوزيع غير المتكافئ لثمار النمو الاقتصادي».
ولتجاوز التوتر القائم بين السلطات والجهات التي تقود المظاهرات الاحتجاجية السلمية، أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بـ»عدم إخضاع الحق في التظاهر والتجمع لتقييدات غير تلك المسموح بها طبقاً للمقتضيات الدستورية والقانونية والصكوك الدولية لحقوق الإنسان، وضمان حق التظاهر والتجمع السلمي وإن لم يستوفِ مسطرة التصريح والإشعار، والتنصيص على إخضاع عملية استعمال القوة لمراقبة النيابة العامة».

الكيل بمكيالين!

وفي ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، قال المجلس الوطني لحقوق الإنسان إنه سجل بانشغال إدانة بعض المتابعين بسبب نشر مضامين في الفضاء الرقمي، بعقوبات سالبة للحرية، خاصة أن بعض أشكال التعبير التي تُوبع بها بعضهم تحظى بالحماية في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان.
وتوقف تقريره عند عدد من القضايا المتعلقة بمتابعة الصحافيين، ومنها قضية متابعة أربعة صحافيين، والحكم عليهم بستة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة مالية، بتهمة نشر معلومات تتعلق بأعمال لجنة تقصي الحقائق البرلمانية حول الصندوق المغربي للتقاعد، إذ اعتبر أن العقوبة السجينة الصادرة في حقهم، وإن كانت موقوفة التنفيذ، إلا أنه ينبغي أن يتم احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان المتعلقة بحرية الرأي والتعبير. ودعا المجلس السلطات القضائية إلى التشبث بمبدأي الضرورة والتناسب بما لا يمس الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة، وجعلهما في منأى عن كل عقوبة سالبة للحرية، كما دعا إلى تعديل جميع أحكام القانون الجنائي المتصلة بموضوع حرية التعبير، بما يتوافق مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وعبّر المجلس عن عدم اتفاقه مع القانون المتعلق بحرية ممارسة الشعائر الدينية واعتبره «لا تنسجم مع مقتضيات الدستور، ولا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان»، وطالب بحذف العقوبة المتعلقة بـ»زعزعة عقيدة مسلم» والتي تنص على أنه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية من استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم ودعا إلى حذف القانون المتعلق بعقوبة الإفطار العلني لرمضان.
وسجل الحقوقي عزيز إدمين، في مقال مطول، ملاحظات منهجية حول التقرير الذي وصفه بـ»حكواتي» ويكيل بمكيالين، وتوصياته بلا هوية واعتبر النشر الآن «مبادرة غير سليمة وغير ضرورية، لكون الفعل الحقوقي أو الفعل العمومي بشكل عام يتطلب أن يراعي ما يسمى بـ»الزمن السياسي» أو «الزمن التاريخي»، حتى تكون لأي مبادرة أثر في الحياة والشأن العامين».

سرد حكواتي

ولاحظ «غياب أسباب النزول» للتقرير، ووجود»خرق القانون والأعراف المرعية» في النشر وجاء بعيداً عما تتميز به التقارير الحقوقية التي تعمل على تكثيف الإحالات على الاتفاقيات الدولية والتوصيات الأممية وأيضاً الدستور والقوانين الوطنية وقانون المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لذلك جاء التقرير عبارة عن سرد «حكواتي» تغيب فيه الإحالات بشكل مطلق إذا استثنينا حالات معدودة على روؤس الأصابع دون أن يتطرق نهائياً لأي زيارة لمراكز الشرطة، حيث يقضي الموقوفون فترة الحراسة النظرية، رغم أن اتفاقية مناهضة التعذيب والبرتوكول الملحق بها، حدد مراكز سلب الحرية، ومنها السجون ومراكز الشرطة والدرك، وغيرها والمجلس منذ إحداثه في نسخته السابقة والحالية، أي منذ سنة 2011 إلى غاية 2020، لم يزر ولو مرة واحدة أي مخفر من مخافر الشرطة ولا الدرك.
كما لاحظ إدمين وقوع التقرير في الخلط بين حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وهما المركزان اللذان تقوم عليهما منظومة حقوق الإنسان، حيث إن الحماية هي التدخل الاستباقي أو البعد لوقف انتهاك معين يمس فرداً أو مجموعة والجهات المعنية، والنهوض أو التعزيز ويهدف إلى التكوين والآراء المتعلقة بالقوانين والملاءمة مع التشريعات والمصادقة على الاتفاقيات والسياسات العمومية، وسجل أن التقرير أورد في المحور الأول المتعلق بحماية حقوق الإنسان، عشرات الأنشطة لا علاقة لها بالحماية: كالترافع حول إلغاء قانون، عقد شراكات والمشاركة في الندوات الإقليمية والدولية والوطنية، الانضمام لاتفاقية معينة، أما توصياته فهي وخلافاً لقواعد وأساليب إعداد وصياغة والتقارير، التي تفرض وجود حيثيات معينة أو حالات أو وقائع وراء كل توصية على حدة، فإن تقرير المجلس الوطني قد أورد عشرات التوصيات «عنوة دون أن نجد لها سبباً داخل محاور التقرير».
وقال إدمين إن المجلس قال في تقريره إنه «ما زال يتابع بعض المحاكمات، كقضية السيد معطي منجيب ومن معه، والسيد عبد العالي حامي الدين، والسيد توفيق بوعشرين، ومحمد منير (الكناوي) وحميد المهداوي، ولكنه لم يبد أي موقف من هذه القضايا»، وفي نفس الوقت سجل المجلس أنه يتابع قضية حل جمعية جذور، ويتطلع إلى «مراجعة القرار من طرف محكمة النقض في إعادة تقدير القانون المطبق على الحالة». وقال إدمين إن في حالة كل الصحافي حميد المهداوي، وتوفيق بوعشرين، تتطابق إجرائياً مع قضية جمعية جذور، لأن كلاهما في مرحلة النقض، متسائلاً عن السبب، الذي جعل المجلس يعبر عن موقف في القضية الثانية، ولم يأخذ أي موقف من قضية الصحافيين؟ «مما يدل على أن المجلس يتعامل بالكيل بالمكيالين في قضية كل من حميد المهداوي وتوفيق بوعشرين».
وأضاف الحقوقي المغربي أن «قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان تسمح للآليات الحمائية بالتدخل في القضايا الرائجة أمام القضاء، إذ نلاحظ لجنة المعاهدات والإجراءات الخاصة، تتقدم بتوصيات بإطلاق سراح معتقل ما إذا تبين أن اعتقاله لا يتلاءم مع القانون الدولي، سواء أثناء مرحلة التحقيق، أو مرحلة الحكم الابتدائي، أو الاستئنافي، وقرار عدم تدخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في القضايا الرائجة أمام القضاء ليست إلا «بدعة» مغربية خالصة، لأنه سيُطرح سؤال ما قيمة تقرير الملاحظة إذا صَدَرَ حكم نهائي؟» لأن «الإحالة على محكمة النقض تعفي المجلس الوطني من التقيد ببدعته، لأن النقض قضاء قانون، وليس قضاءَ موضوع، ما يعني أن على المجلس أن يبدي رأيه في الموضوع صراحة، وبشكل مباشر». «يسجل حق الصحافي في حماية مصادره»، قال إدمين إن الحكم الابتدائي والاستئنافي، وإن بطريقة غير مباشرة»لا يتماشى مع التعليق العام رقم 34، الصادر عن لجنة حقوق الإنسان» وبالعودة إلى قضية الصحافي حميد المهداوي، الذي تتطابق قضيته مع حيثيات ما ذهب إليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالاستناد إلى التعليق العام رقم 34 في شأن الصحافيين الأربعة، فلماذا لم يتطرق المجلس لقضية المهداوي؟» وأكد أن “هذا التناقض يبيّن بجلاء تعامل المجلس على أساس مبدأ «الكيل بمكيالين» في قضايا حرية الرأي والتعبير، والمحاكمات والأفراد».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: