غياب الفكر النقدي يساعد الشائعات على الانتشار في المغرب

وقع بعض الصحافيين في المغرب، كما باقي الأفراد، ضحية الشائعات منذ بداية انتشار فايروس كورونا، وساهم غياب الفكر النقدي الناتج عن التربية الدينية الخاطئة وأساليب التعليم التي لا تنمّي قدرات النقد، على تقبّل الناس للإشاعة والمساعدة على نشرها.

تنتعش الإشاعات وتزيد وتيرة رواجها خلال الأحداث الكبرى على غرار ما يشهده العالم حاليا مع تفشي فايروس كورونا، مستفيدة من الوسائل التكنولوجية الحديثة في سرعة نشر الأخبار وتبادل المعلومات، وفي المغرب تكتسب الظاهرة خصوصية تتعلق بالنسيج الاجتماعي والثقافة الدينية.

يعتبر المجتمع المغربي، كأغلب المجتمعات العربية، مرتعا خصبا لرواج الإشاعة لأسباب مختلفة ترتبط بالنسيج المجتمعي نفسه، وثقافة مكوناته التي تفسح المجال أمام انتشارها بدرجة أكثر في أوقات معيّنة مثل حالة الطوارئ غير المسبوقة التي يعيشها العالم حاليا.

ومنذ بداية انتشار الفايروس في المغرب، ساد الارتباك بسبب رواج مجموعة من الأخبار المضللة والإشاعات كالازدحام في الأسواق، ونفاد مجموعة من المنتجات الغذائية والصحية من رفوف المتاجر.

يقول المعالج النفسي والأخصائي فيصل طهاري عن تداعيات الأخبار الزائفة “تتسبب الإشاعة في أذى نفسي واجتماعي واقتصادي كبير. فاليوم نمر من مرحلة يرتفع فيها الهلع والقلق وسط الناس، والخبر المزيف المضخم للأرقام يزيد من منسوب الخوف خصوصا عند من يعانون الوسواس القهري أو الاكتئاب، ويزداد بالتالي الضغط النفسي الرهيب على الناس، فضلا عن نشر الفتنة والتقسيم داخل المجتمع”.

جواد مبروكي: التداعيات السلبية للشائعات يمكن أن تخلق قلقا مزمنا

ركّز طهاري على وسائل التواصل الاجتماعي بصفتها الفضاء الوحيد والسهل الذي تنتشر فيه الإشاعة بسهولة وسلاسة، فقلة قليلة فقط تتحرى الدقة في الأخبار من القنوات الرسمية.

وبحسب الطبيب والمحلل النفسي جواد مبروكي، إذا كانت الإشاعة ظاهرة تخص كل المجتمعات، فإن ما يميّز المغربي هو افتقاده للفكر النقدي وتحرّي الحقيقة، لهذا يُصدّق كل ما يسمع، ويروّج الخبر من باب الواجب بسبب غياب الفكر النقدي الناتج عن التربية الدينية الخاطئة وأساليب التعليم التي لا تنمّي قدرات النقد عند الطفل، ولا تشجعه على الاستقلالية فيلجأ بالتالي للإشاعة للتعبير عن وجوده.

ويضيف مبروكي لـ”سوء الفهم والتأويل السبب وراء اختلاق الإشاعات في غالب الأحيان، في حين يكون مجرد لعب للتهريج والمسخرة بالآخرين كنوع من الانتقام من التربية المحبطة والمعاناة في الصغر بالنسبة إلى البعض واستراتيجية خاصة من قبل قادة التطرف الديني والسياسي في أحيان أخرى”.

وتابع “عامل آخر يفسر ذلك يتعلق بفقدان الثقة في الدولة والإعلام واعتبار كل ما تروّج له الأولى من قبيل الكذب من أجل التضليل، فضلا عن الخطاب العنيف لرجال الدين تجاه المثقفين والعلماء والتقليل من شأنهم”.

وعن تفسيره لانتشار الإشاعة بين فئة يفترض أنها متعلمة أرجع مبروكي ذلك لافتقادها للتكوينيْن الفلسفي والأدبي التنويري خصوصا عند المتخصصين في علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتربية التي حطمت الفكر النقدي.

ونبّه مبروكي للتداعيات السلبية التي يمكن أن تخلق قلقا مزمنا قد يصل إلى حد الاكتئاب والانتحار في فترة الحجر الصحي بسبب الهشاشة النفسية واضطراب التمييز بين ما هو صحيح وخاطئ.

وفي ما يتعلق بالحديث عن حالات الانتحار فقد شهدت مدينة الفقيه بن صالح حالتي انتحار في ظرف 24 ساعة، لكن تقارير السلطات المحلية لم تربط الحدث بتأثير الحجر الصحي.

يحيى اليحياوي: الصحافيون في بعض المواقع الإلكترونية باتوا ينظرون للإشاعة ويؤسسون لها في مرحلة انتقالية اختلط فيها الحابل بالنابل

وتنبهت الحكومة المغربية للفراغ القانوني في هذا الجانب فسارعت إلى المصادقة على مشروع قانون رقم 22.20، منتصف شهر مارس الماضي، يتعلق باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وشبكات البث المفتوح، والشبكات المماثلة من أجل ردع كافة السلوكيات المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة، من قبيل نشر الأخبار الزائفة وبعض السلوكيات الإجرامية الماسة بشرف ومكانة الأشخاص أو القاصرين.

وحتى الثاني من الشهر الحالي أبريل، فتحت السلطات القضائية 81 تحقيقا قضائيا حركت على إثره المتابعة في حق 58 شخصا في انتظار انتهاء التحقيقات في حق الباقين حسب بيان النيابة العامة المتعلق بالتصدي للأخبار الزائفة، في الوقت الذي أعلنت فيه بعض المحاكم أحكاما بعقوبات السجن والغرامات المالية في حق مجموعة من المتابعين.
في المقابل، صالحت جائحة كورونا الجمهور مع القنوات التلفزيونية بعدما زادت نسبة الإقبال على برامجها من أجل معرفة المستجدات والأخبار، وفي الوقت الذي احتجبت فيه الجرائد الورقية مكتفية بالإصدار الإلكتروني، انتعشت المواقع الإلكترونية التي تكاثرت في السنوات الأخيرة.

وفي غياب معطيات علمية دقيقة للإحاطة بالظاهرة في المجال الإعلامي عموما يقول الأستاذ الجامعي يحيى اليحياوي إن الصحافيين في بعض المواقع الإلكترونية على وجه الخصوص باتوا ينظرون للإشاعة ويؤسسون لها في مرحلة وصفها بالانتقالية اختلط فيها الحابل بالنابل.

وفسّر اليحياوي تهافت الصحافيين على الإشاعات ونشر الأخبار من قبيل “يروج” و”من المنتظر” و”من المتوقع” بالمزايدات والبحث عن السبق الصحافي بدل تحرير معلومات دقيقة موثقة من مصادر معروفة.

ويضيف اليحياوي “هذه المواقع الإلكترونية غير جدية ولا تحترم أخلاقيات المهنة في حدودها الدنيا والمعتمدة على أشباه الصحافيين المفتقدين لأسس العمل الصحافي المهني، ويعود السبب في ذلك إلى الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة قبل سنوات بفتح المجال أمام تكاثر المواقع الإلكترونية”.

صادقت الحكومة المغربية على مشروع قانون لردع كافة السلوكيات المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة

واتفق نورالدين مفتاح رئيس تحرير أسبوعية الأيام مع اليحياوي في النقطة المتعلقة بأخلاقيات المهنة، واصفا ما حدث بالانزلاقات من قبيل عدم احترام القاصرين، وانتهاك الخصوصية، ونشر أخبار الشعوذة ومنح هالة مضاعفة للتفاهة.

ويرى مفتاح أن التربية وتعميم التعليم هما السبيل للقضاء على التفاهة والإشاعة في مجتمع نصفه أمّي يقبل فيها بكثرة على فيديوهات مثيرة وسهلة وغير معرفية، في زمن أغلقت فيه الأماكن المعتادة لنشر الإشاعة مثل المقاهي.

وعلى خلفية الانتقاد الذي طال محتوى بعض المواقع الإلكترونية، ركّز نورالدين مفتاح على نقطة مضيئة تتعلق بمساهمة وسائل الإعلام المغربية عامة في الحد من الإشاعة أمام الطفرة الهائلة لوسائل الاتصال الجماهيري من خلال حملات توعية يومية للمواطنين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: