مقاومة أممية للوباء في عالم بلا قيادة

عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتماعه الأول بشأن فايروس كورونا في 9 أبريل، أي بعد شهر تقريبًا من إعلان منظمة الصحة العالمية عن تصنيفه بشكل رسمي كوباء، وهذا في حد ذاته إجراء يثير الذعر.

يؤكد عدم فاعلية أقوى أداة متعددة الأطراف في العالم إلى الآن، على الرغم من مرور العالم بأزمة ذات حجم لم يسبق له مثيل، الوضع الحقيقي للأمور اليوم وهو أننا نعيش في عالم بلا قيادة.

بعيدا عن الأمم المتحدة، تعد هذه الأزمة العالمية الأولى منذ أكثر من 50 عامًا حيث لا تتطلع أي دولة إلى اتخاذ الولايات المتحدة كقائد.

لكن أكثر أمرين مطلوبين في أي جائحة عالمية هما فقط وجود لقاح وقيادة فعالة. ولا يُتوقع أن يتم التوصل إلى إنتاج اللقاح قبل مدة عام على الأقل، ولكن ماذا عن القيادة؟

تعيش الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب حالة تراجع ولا يمكنها أن تفعل الكثير لمساعدة نفسها أو لمساعدة أي دولة أخرى. وفي النهاية، لن يكون مهمًا ما إذا كان ترامب سببًا في فقدان بلاده للوضوح الأخلاقي والكفاءة التنفيذية وإرادة القيادة.

ما قد يكون واضحًا بعد فوات الأوان من التاريخ هو أنه عندما انتخبت الولايات المتحدة ترامب رئيسها الخامس والأربعين، كانت تختم مصيرها كقوة متضائلة لا تملك القدرة ولا السلطة لقيادة العالم.

إن صورة تنازل الولايات المتحدة عن الدور القيادي الذي رسخته بقوة منذ ما يقرب من 80 عامًا قد اكتملت خلال فترة هذا الوباء. لم تقم إدارة ترامب بإحباط أي فرصة للعمل الجماعي القوي من مجموعة الدول الصناعية السبع فحسب، بل فعلت الشيء نفسه بالنسبة لمجموعة العشرين وحتى بالنسبة لقرار مشترك لمجلس الأمن الدولي بشأن الوباء. كل ذلك كان جزءاً من معركة دعاية إدارة ترامب لإجبار الصين على تحمل المسؤولية عن تفشي الفايروس.

أن تعتقد الولايات المتحدة أنه من المهم شن هذه الحرب بالذات مع الصين، بينما يحارب العالم الوباء، هو مجرد دليل إضافي على أنها غير صالحة وغير راغبة في المشاركة، ناهيك عن قيادة رؤية تعاونية عالمية مشتركة وبرنامج للتعامل مع الاضطراب الاقتصادي والسياسي.

وفي حين دعا التحالف العربي بقيادة السعودية إلى وقف إطلاق النار في اليمن، وألقت الجماعات المتمردة من كولومبيا إلى الكاميرون أسلحتها استجابة لخطورة الوضع العالمي، يواصل الرئيس الأميركي شن المعارك الصغيرة في الداخل والخارج.

تحرك متأخر وبلا بوصلة

وتبدو غطرسة رؤية إدارة ترامب واضحة من خلال طلبها الذي تقدمت به إلى الكونغرس في الأسابيع الأخيرة في ظل احتدام حرب الوباء، لصرف مليارات الدولارات لتطوير مبادرة الردع في المحيط الهادئ التي تشير إلى تحول أوسع في التركيز الأمني بعيدًا عن الشرق الأوسط ونحو الصين وروسيا.

وكتب هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق وأحد عمالقة السياسة في الولايات المتحدة البارزين على مدى سنوات، مؤخرًا، أنه “لا يمكن لأي دولة، ولا حتى الولايات المتحدة، أن تتغلب على الفايروس اعتماداً على جهد وطني بحت”. واقترح أن تقوم الولايات المتحدة “ببذل جهد كبير في ثلاثة مجالات”. وقد ذكر هذه الجهود على النحو التالي: تعزيز الصمود العالمي

تجاه الأمراض المعدية، والعمل على تضميد جراح الاقتصاد العالمي والحفاظ على مبادئ النظام العالمي الليبرالي.

تبدو هذه الخطة معقولة، في حال وُجد أحدهم ليقودها. وستكون الأمم المتحدة مرشحة مناسبة لهذا المنصب، أولاً من خلال تمرير إعلان مشابه للإعلان قبل ست سنوات أثناء تفشي فايروس إيبولا، بأن وباء كورونا يمثل تهديدًا للسلم والأمن. هذا التصنيف يحمل قوة القانون الدولي ويسمح بعقد جهد جماعي بالإضافة إلى جهد تنظيمي.

ومن الواضح أن شلل مجلس الأمن بسبب فايروس كورونا هز حتى الآن العديد من الدول، لدرجة أن سفراء غانا وإندونيسيا وليختنشتاين والنرويج وسنغافورة وسويسرا طلبوا قرارًا من الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن استجابة قوية وموحدة للوباء.

وبعد ذلك، دعت الهيئة التي تضم 193 عضوا إلى “التعاون الدولي” و“التعددية” في هذه اللحظة الاستثنائية من التاريخ. ثم قدمت تونس، التي تمتلك مقعداً غير دائم في مجلس الأمن الدولي، قرارًا يعبر عن القلق بشأن تفشي المرض، ودعمت نداء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أجل وقف عالمي لإطلاق النار في جميع النزاعات المسلحة، وأن تعلن الأمم المتحدة أن الوباء “تهديد للبشرية”.

بات من الواضح أن الفجوة في القيادة العالمية المستنيرة والعزيمة المشتركة توحد العالم بطريقة رائعة. لكن قد لا يكون هذا كافيا لملء الفراغ.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: