صراع أجنحة يعمّق تخبط النظام الجزائري

شكّل السقوط المفاجئ لأحد أكبر الجنرالات النافذين في الجزائر، تحولا لافتا في هرم السلطة، قياسا بما يمثّله من قوة ونفوذ داخل المؤسسة العسكرية والهيئات المدنية، فقد كان الرجل يمثّل قاطرة تيار داخل العسكر والحكومة والإدارة، رفضت دعم عبدالمجيد تبون، في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني عشر ديسمبر الماضي، وانحازت لصالح منافسه عزالدين ميهوبي.

وظل الجنرال بوعزة واسيني، يمثّل النواة الصلبة داخل قيادة الجيش منذ تنحية الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، حيث استقدمه حينها قائد الأركان الراحل الجنرال أحمد قايد صالح، لإدارة شؤون الأمن الداخلي (جهاز الاستخبارات) في أبريل الماضي، ومذاك ظل يوصف بـ”عدو الحراك الشعبي”، قياسا بالمناورات التي حاكها من أجل إجهاضه، ومقاربته الأمنية القمعية تجاه الناشطين في صفوفه.

ولا تستبعد تقارير محلية، أن يجرّ الجنرال الذي أحيل على السجن العسكري بالبليدة، بعد تحقيقات معمّقة أجريت معه من طرف ضباط أمن الجيش، وراءه عددا من المسؤولين الكبار في النظام الجزائري، بمن فيهم وزراء وضباط سامون، الأمر الذي سيعيد بقوة مسألة صراع الأجنحة في هرم السلطة، ويثير الاستفهامات حول تفجّرها في خضم الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد، جرّاء تفشي وباء كورونا.

العارفون بشؤون السلطة الجزائرية، لا يستبعدون أن تكون التطورات الأخيرة في هرم النظام، جولة من جولات الصراع بين الأجنحة النافذة، وأن المعركة مرشحة للتمدد

ولا زال أنصار الرجل داخل خلايا الدعاية الإلكترونية التي أطلقها من أجل الترويج لأجندته السياسية، تحت صدمة قوية كون سقوطه كان آخر شيء يفكر فيه المتابعون للشأن الجزائري، ولو أن تعيين نائب له بـ”صلاحيات واسعة”، حسب القرار الذي أصدره الرئيس عبدالمجيد تبون، اعتبر إيذانا بنهاية حقبة الجنرال القوي في الجزائر.

وكانت الأذرع القوية للرجل قد استقطبت عشية الانتخابات الرئاسية قطاعا عريضا من الفعاليات السياسية والشخصيات والأحزاب والمسؤولين الكبار ووسائل الإعلام، من أجل تعطيل مسار ترشح عبدالمجيد تبون، وبتواطؤ أذرع إعلامية ورسمية وسياسية تمت إثارة عدد من الملفات المثبطة لتبون، على غرار ملف نجله خالد، الذي كان مسجونا حينها ضمن قضية شحنة المخدرات، وتم توقيف مموّل حملته الانتخابية رجل الأعمال عمر عليلات، إلى جانب الضغط على مسؤولين في حملته الانتخابية ودفعهم للاستقالة في ذروة الحملة الانتخابية على غرار الدبلوماسي عبدالله باعلي.

وبدا حينها تعاطف عدد من المسؤولين في السلطة ووزراء ومحافظين وضباط في المؤسسة العسكرية، مع مرشح التجمع الوطني الديمقراطي عزالدين ميهوبي، وهي الأسماء والوجوه التي ينتظر جرجرتها للقضاء خلال الأيام القليلة القادمة، حسب روايات متطابقة، تذكر بأن رئيس الوزراء السابق نورالدين بدوي، سيكون على رأس لائحة طويلة.

وأمام التضارب المسجل بشأن التهم التي وجهت للجنرال واسيني، فان سقوطه سيكون علامة فارقة في توازنات هرم النظام ، فعلاوة على أنه يعكس بسط جناح الرئيس لنفوذه على أهم مركز للنفوذ السياسي فانه قد يكون بارقة أمل في تهدئة الوضع السياسي الداخلي، بعد ثبوت وقوف الجنرال وراء المناورات السياسية والقمع الأمني للحراك الشعبي، خاصة بعدما تم رفع صوره وشعارات مناهضة لشخصه في العديد من المظاهرات الاحتجاجية.

إلا أن العارفين بشؤون السلطة الجزائرية، لا يستبعدون أن تكون التطورات الأخيرة في هرم النظام، جولة من جولات الصراع بين الأجنحة النافذة، وأن المعركة مرشحة للتمدد، قياسا بمقاومة منتظرة من طرف خلايا يكون الرجل قد زرعها في مفاصل الدولة خلال ذروة قوته، أسوة بما جرى مع جناح المدير السابق للاستخبارات الجنرال محمد مدين (توفيق)، الذي يملك خلايا محسوبة عليه إلى غاية الآن.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: