هل تخفي هولندا حقا عدد ضحايا كورونا؟

د . التجاني بولعوالي

كتبتُ تدوينة على صفحتي في الفايسبوك فحواها: “هناك دول كثيرة تتلاعب في إحصائيات ضحايا وباء كورونا، كالصين وإيران وهولندا و…؟!” وقد أثارت هذه التدوينة بعض القراء الذين عقبوا عليها إما بالإيجاب أو بالسلب، لاسيما فيما يتعلق بإقحام هولندا بين دولتين معروفتين باللاشفافية والظلم والاضطهاد الفكري، وهما الصين وإيران. ومع ذلك، فقد كان النقاش بناء ومثمرا سواء من المساندين لهذا الرأي أو من المعارضين له. وسوف أركز في هذه المقالة على الحالة الهولندية، لأنها هي التي كانت بالدرجة الأولى محط الأخذ والرد في هذا النقاش التفاعلي.

لم يكن الهدف من الاستشهاد بهولندا إلى جانب الصين وإيران الإساءة إلى هذه الدولة المشهود لها بالازدهار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والتنوع الثقافي. ثم إن هولندا قطعت أشواطا طويلة في الممارسة الديمقراطية، وأن أنموذجها السياسي والسوسيو-اقتصادي لا يمكن لعاقل أن ينكره، أو يحجبه بالغربال كما يقول المثل. ومع ذلك، فإن سياستها لا تخلو من هفوات وانحرافات كما يؤكد السياسيون والخبراء الهولنديون نفسهم. ولعل هولندا انتهجت في تعاطيها مع وباء كورونا مقاربة خاصة بها، سواء فيما يتعلق بإجراء الحجر الصحي الذي جاء متأخرا بالمقارنة مع بعض البلدان المجاورة واتسم في البداية بنوع من المرونة، أو فيما يتعلق بالسياسة الإحصائية المعتمدة في تقدير ضحايا فيروس كورونا من الوفيات والمرضى.

لم أعتبر أن هولندا تلاعبت أو موهّت أو غطت عن الأرقام الحقيقية لضحايا وباء كورونا بناء على تقدير شخصي أو لاعتبار إيديولوجي، بل جاء هذا الرأي بمثابة خلاصة أو تحصيل حاصل لما نشرته مجموعة من الجرائد الورقية والمواقع الرقمية الهولندية نفسها. وأكثر من ذلك، فإن المعهد الوطني للصحة العامة والبيئة RIVM التابع لوزارة الصحة الهولندية والمكتب الوطني للإحصاء CBS يؤكدان هذا الخلل في الإحصائيات المتعلقة بضحايا كورونا.

تحت عنوان: المكتب الوطني للإحصاء تخفي عدد وفيات كوروناكتبت جريدة تلغراف الهولندية المشهورة: “ينشر المكتب الوطني للإحصاءCBS هذه الأرقام كل أسبوع بسبب انتشار فيروس كورونا. قام الباحثون بذلك لأول مرة في الأسبوع الماضي. وقد ظهر أن هناك تعارضا مع أرقام المعهد الوطني للصحة العامة والبيئة RIVM. وفقًا لتقديرات المكتب الوطني للإحصاء، توفي في الأسبوع الرابع من شهر مارس 1200 شخصا ما فوقالمتوسط، بينما أحصت مؤسسة RIVM 713 حالة وفاة بسبب فيروس كورونا“!

ثم إن قصاصات وتقارير بعض وسائل الإعلام الهولندية والبلجيكية تطرقت إلى مسألة أخرى، وهي جد مهمة لاسيما في سياق التمويه على عدد الضحايا الحقيقيين لفيروس كورونا في هولندا. ويتعلق الأمر بأنه فقط في الأسبوع الرابع من شهر مارس توفي 3892 شخصًا في هولندا، أي بزيادة 870 إلى 1181 شخصًا عما كان متوقعًا. ويُعتقد أن نسبة كبيرة منهم ماتت بسبب فيروس كورونا، نظرا لأن مؤسسة RIVM لم تعد تختبر الجميع. لذلك فإن معدل الوفيات في هولندا أعلى مما تشير إليه التقارير اليومية. ثم إنه لا يتم اختبار جميع المسنين في دور رعاية المسنين أو المسنين الذين يموتون في المنزل بشكل خاص، لمعرفة ما إذا كانت الوفاة بسبب الوباء. وهكذا فإن هذه الفئة المهمة لا تدرج في الأرقام الرسمية حول وفيات Covid-19.

أمام هذه المعطيات الواقعية لا نعرف ما إذا كانت هولندا تخفي حقا عدد ضحايا وباء كورونا من الأموات والمرضى أم أن الأمر يتعلق بطبيعة السياسة الإحصائية التي تعتمدها المؤسسات الهولندية الرسمية والبحثية!

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: