ابقوا في بيوتكم… أوقفوا كورونا وأوقفوا الأخبار الخاطئة عنه
العالم في زمن كورونا ضحية مرتين. مرة ضحية فيروس كورونا، ومرة ثانية ضحية الأخبار الزائفة المتعلقة بالفيروس. والأخبار «المضروبة» تنتشر بسرعة تنافس سرعة ومدى انتشار الفيروس ذاته.
في الظروف العادية يواجه الناس صعوبة متنامية في غربلة ما يصلهم من أخبار، ومقاومة تأثيرها السلبي على أمزجتهم وحياتهم اليومية.
مع تفشي فيروس كورونا عبر العالم منذ بداية العام الجاري أوجد الناس، في كل القارات وأغلب البلدان، أرضية خصبة لانتشار هذا الفيروس الفتّاك. الأرضية الخصبة هي استعداد الناس لتقبل ما يصلهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي من معلومات مغشوشة، ومساهمتهم في توزيعها على غيرهم بسرعة وبلا تفكير.
العالم مُطالَب اليوم بإيجاد أساليب توقف انتشار الفيروس. ومطالَب أكثر بإيقاف الأخبار والفتاوى العلمية عنه. حرب على جبهتين لا تقل إحداهما أهمية عن الأخرى. هذا السيل الجارف من الفيديوهات والنصوص لا يمكن أن يستمر لأنه لا يقل خطورة عن الفيروس. وهؤلاء الذين يدّعون المعرفة، من جماعة «غرغر بالملح وكثّر من الخل» عندنا، إلى المتطفلين على المعرفة في الأوساط العلمية بالغرب، يجب أن يوجد مَن يضع حدًا لأذاهم.
شعار «احم نفسك من كورونا» يجب ان يكمله آخر هو «ومن أخبار كورونا».
سيكون من الصعب التوفيق بين المُثل العليا، مثل الحق في حرية التعبير، وفي الوقت نفسه السيطرة على وباء قاتل. لابد أن تكون هناك فاتورة تُدفع.
الحكومات في العديد من البدان، الديمقراطية والشمولية معا، استغلت حقا أرادت به باطلا فاستعجلت فرض قيود على حرية المعلومة بداعي حماية المجتمعات من الإشاعات والأخبار غير الموثوقة.
لكن التعويل على أنظمة الحكم والدوائر الرسمية يفتقد للحكمة. قبل الحكومات، تقع مبادرة التصدي للأخبار المزعجة وغير الموثوقة، على عاتق الأفراد.
لا يخسر المرء شيئا لو توقف لحظات عند مادة تصله على تطبيق واتساب، وطرَحَ أسئلة بديهية عن المصدر وهويته وتاريخه.. إلخ. لو فعل هذا فهو حتما سيرمي إلى سلة المهملات نصيبا هائلا من البضاعة التي تصله على مدار الوقت.
لحظات التأنّي أمام المنتوج الإعلامي فور وصوله تشبه لحظات غسل اليدين بالماء والصابون، كما يوصوننا، للتخلص من الفيروس.
العالم في زمن كورونا ضحية مرتين. مرة ضحية فيروس كورونا، ومرة ثانية ضحية الأخبار الزائفة المتعلقة بالفيروس. والأخبار «المضروبة» تنتشر بسرعة تنافس سرعة ومدى انتشار الفيروس ذاته
ولو امتنع أحد عن إعادة إرسال ذلك المنتوج إلى معارفه، فيكون قد لعب دورا ولو بسيطا في تعطيل سلسلة انتشار البضاعة المغشوشة، تماما مثلما يسهم شخص ألزم نفسه بالحجر المنزلي في قطع سلسلة انتشار الفيروس في مجتمعه.
على نطاق أكثر جدية وخطورة، هناك معضلتان يدفع العالم ثمنهما. الأولى هي المعارك الطاحنة بين شركات الدواء ولوبياته. الثانية هي «تعويم» البحث العلمي إلى أن فقدَ قدسيته وأصبح مجرد وظيفة كغيرها.
في ملاعب المنافسة بين الشركات والدول، كل الأسلحة مباحة. شراء ذمم المسؤولين الحكوميين، عمولات ورشاوى للأطباء وصنّاع الرأي في الأوساط الطبية، تهديدهم في قوتهم، تخريب جهود الخصم، إلى غير ذلك من الممارسات غير اللائقة والتي لا تختلف في شيء عن ممارسات شركات التصنيع الحربي والأسلحة الفتاكة.
مجلة «ماريان» الفرنسية نشرت في الثالث من الشهر الجاري تحقيقا مطولا يتضمّن معلومات موثقة خطيرة عن شبكات مصالح تجمع العشرات من كبار الأطباء في فرنسا بشكل لا وصف له إلا بأنه فساد خطير. وتضمّن أيضا أرقاما مذهلة عن هدايا وعمولات بمئات آلاف الدولارات من لوبيات الدواء وشركات التصنيع الطبي للأطباء والعاملين في أعلى مستويات العمل الطبي، لا يمكن وصفها إلا بالرشاوى والفساد الخطير. على رأس الضالعين في هذه الممارسات، وفق تحقيق «ماريان»، بعض كبار مستشاري الرئيس ماكرون في أزمة كورونا.
تجد هذه الممارسات ضالتها في تنافس العلماء والباحثين من أجل العلم والاختراع، لكن أيضا من أجل الشهرة والمال.
المشكلة الأخرى أن العلم والاختراع تحوَّلا أيضا إلى وظيفة يومية مثل بقية الوظائف. والكل في خدمة جهات تملك من رؤوس الأموال والنفوذ ما يجعلها أقوى من الحكومات.
يتوجه الباحث كل صباح الى مختبره في مدينة ما بدولة متقدمة، ويبدأ في إجراء تجارب معيّنة تسفر عن نتائج معينة تتولى وسائل إعلام ومطبوعات نقلها إلى العالم بطريقتها.
بعد فترة زمنية، تطول قليلا أو تقصر، في ظروف وظيفية مشابهة، يجري باحث آخر تجارب مماثلة في مختبر مختلف بمدينة أخرى، فيتوصل إلى نتائج مناقضة للأولى تتلقفها وسائل الإعلام وتسوّقها للناس بطريقتها.
لا شيء يضمن خلو الأمر من مصالح واستفادات بين أطراف العملية: الباحث، الجهة التي توظفه، الجهة التي توفر المواد الأولية، الوسيلة الإعلامية التي تتبنى نتيجته وتدافع عنها.. إلخ.
لهذا لا يُنصَح بالوثوق في «الدراسات» التي تضيق بها صفحات الجرائد والمجلات من نوع «فوائد القهوة» و«أضرار النوم نهارا» و«دور حبة الباراسيتمول يوميا في حمايتك من الجلطات الدماغية»! فهي متقلبة حسب الأهواء والأمزجة ومَن يدفع لمن.
في زمن كورونا، الوضع أخطر لأن الأمر يتعلق بتجربة استثنائية في مرارتها وهلعها تمر بها البشرية. يعني بمجد أبدي وبثروة لا تنتهي لمن وصل الأول في سباق اكتشاف اللقاحات الفاعلة، وإقناع العالم بها (الاختراع يحتاج إلى قوة تفرض الإقناع به، إذ لا طائل من كشف طبي مذهل تخنقه الجهات المنافسة في المهد بأساليبها الشيطانية).