الإقتصاد الجزائري يحتضر مع تقلب أسعار النفط
يلقي انهيار أسعار النفط بظلاله سلبا على الاقتصاد الجزائري الذي يجد نفسه في ورطة للتكيف مع تقلب الأسعار، وفي ظل غياب البدائل لمواجهة أزمة النفط تتضاعف متاعب الحكومة الجزائرية التي لم تنجح بعد في إعادة الاستقرار الاجتماعي وإخماد نار الاحتجاجات.
إذا كانت هناك دولة يجب أن تقلق من انخفاض أسعار النفط فهي الجزائر التي يعتمد اقتصادها بشكل شبه كلي على مداخيل النفط وهي بذلك ضحيّة لحرب الأسعار بين المملكة العربية السعودية وروسيا.
واجتمعت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها الخميس عبر الفيديو، بسبب وباء فيروس كورونا المستجد، في محاولة لإيجاد حلّ لاستقرار سوق النفط.
وكان الهدف من هذا الاجتماع الاستثنائي خفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يوميًا، وهي كمية تمثل 10 في المئة من الإنتاج العالمي وذلك بهدف وقف انهيار أسعار النفط التي استمرت لأسابيع بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد وحرب الأسعار بين موسكو والرياض.
وتعد الجزائر التي يعتمد اقتصادها على المحروقات أحد الدول الأكثر تضررا جراء أزمة النفط.
وسبق أن حذر وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب من أن” سوق النفط يواجه تهاويا في الطلب إلى مستوى غير مسبوق مع ما عرفه في الماضي بسبب تداعيات جائحة كورونا على النشاط الاقتصادي العالمي وتدابير الحجر الصحي التي اتخذها العديد من البلدان”.
شكوك في قدرة الجزائر على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بسبب البيروقراطية والنظام المالي المتأخر والفساد
وتعاني الجزائر أزمة اقتصادية منذ ست سنوات جراء تهاوي أسعار النفط في السوق الدولي، إذ يعاني اقتصاد البلد من تبعية مفرطة لعائدات المحروقات (نفط وغاز)، حيث تمثل 93 في المئة من إيرادات النقد الأجنبي. وفي أعقاب أزمة وباء كورونا المستجد، زادت الضغوط على الاقتصاد الجزائري.
وكانت الجزائر اعتمدت في إنجاز موازنتها على سعر 60 دولاراً للبرميل، ومن ثم توقع قانون المالية لسنة 2020 نموًا بنحو 8.1 في المئة.
ولكن مع 30 دولاراً للبرميل وأسعار متقلبة، صار التوازن المالي للجزائر في خطر إذ تمثل مداخيل صادرات المحروقات أكثر من 90 في المئة من الإيرادات الخارجية للدولة.
وأعلن بنك الجزائر (المركزي) في مطلع فبراير أن احتياطيات النقد من العملات الأجنبية قد انخفضت إلى 62 مليار دولار في نهاية 2019 مقابل نحو 80 مليار دولار في نهاية 2018 و97 ملياراً في نهاية 2017. وقد ينفد هذا الاحتياطي في السنوات القادمة.
ويتفق الخبراء على خطورة الأزمة التي تهدد الجزائر. وحذر عبدالرحمن مبتول من أنه “مع سعر برميل من النفط عند حدود 25 دولارًا وسعر متدن للغاز عند 2.1 أو 2 دولار، تصبح 80 في المئة من الحقول الجزائرية غير مربحة”.
ويعتبر الخبير أحمد دحماني أن العواقب بالنسبة إلى إقتصاد الجزائر كارثية، وهي استنفاد سريع لاحتياطيات النقد الأجنبي المنخفضة أصلا، وتفاقم عجز الميزانية وميزان المدفوعات، وانخفاض كبير في قيمة الدينار وارتفاع التضخم، والركود الاقتصادي والنتيجة الطبيعيةهي البطالة الجماعية.
ولمواجهة هذا الوضع المثير للقلق، أعلنت حكومة عبدالعزيز جراد عن تخفيض بنسبة 30 في المئة في الميزانية الإدارية لكن دون التعرض لرواتب الموظفين، بالإضافة إلى تخفيض في فاتورة الواردات من 38 إلى 28 مليار يورو.
كما قرّرت الجزائر عدم اللجوء إلى شركات الخبرة الأجنبية بهدف توفير 5.6 مليار يورو سنويًا، بينما قررت شركة النفط والغاز سوناطراك، بناءً على طلب الحكومة، تخفيض ميزانيتها لعام 2020 بنسبة 50 في المئة، ما يعادل 5.6 مليار يورو.
وقال المستشار في شؤون الطاقة عبد المجيد عطار إن تعليق اللجوء إلى شركة استشارات أجنبية “يتعلق بشكل أساسي فقط بدراسات الجدوى للمشاريع التي لم تبدأ بعد أو المشاريع غير الأساسية التي يمكن تأجيلها دون أيّ تكلفة إضافية”.
واعتبر عطار الذي سبق أن ترأس مجلس إدارة سوناطراك “إن تخفيض تكاليف الاستغلال والاستثمار في سوناطراك بمقدار 7 مليار دولار لا يجب أن يقلل من حيث المبدأ إنتاج المحروقات”.
ولكن مبتول، الخبير الدولي، يشكك في قدرة الجزائر على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بسبب “البيروقراطية والنظام المالي المتأخر والفساد”، كما لا يعتقد أن بالإمكان استعادة الأموال التي تم تهريبها خارج البلاد.
وذكر دحماني أنه مقتنع باستمرار الاتجاه التنازلي لأسعار المحروقات بسبب الأزمة الناجمة عن انتشار فيروس كورونا المستجد، وأن “هذا الحدث يشل جميع الأنشطة الإنتاجية على نطاق الكوكب”.
وأشار إلى أن هذه الجائحة تضاف إلى الأزمة السياسية التي تمر بها الجزائر منذ الـ22 من فبراير 2019.
وخلص بالقول “من الوهم، في السياق الحالي وفي غياب الثقة الشعبية تجاه الرئيس والحكومة، أن تنجح في القضاء على الأزمة التي بدأت فعلا آثارها الاجتماعية والاقتصادية تظهر”.
وشكل استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإنهاء أيّ وجود للنظام السابق، إضافة إلى أزمتي النفط ووباء كورونا المستجد، أبرز التحديات التي واجهت الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خلال المئة يوم الأولى منذ توليه سدة الحكم.
وخلطت هذه الأزمات، وخاصة وباء كورونا، أوراق ساكن القصر الرئاسي الجديد لتجبره على إعادة ترتيب أجندته السياسية بما يتناسب مع الوقائع الجديدة.