المغاربة يحيون وسيلة تواصل قديمة للتوعية بخطر كورونا

اعتمدت جمعيات وسلطات مغربية عمومية على وسيلة مستلهمة من التراث لحماية المغاربة من فايروس كورونا، حيث لجأت إلى التبراح لحثّ المواطنين في عدد من المدن والأحياء والأسواق على ملازمة منازلهم للمساهمة في الحد من انتشار الوباء.

لجأت بلديات مغربية وعدد من جمعيات المجتمع المدني إلى مكبر الصوت “التبراح”، من أجل تقديم النصائح والإرشادات والتعليمات في الأحياء والأزقة ودفع المغاربة للمكوث في منازلهم، كطريقة للوقاية من فايروس كورونا المستجد.

وتداول ناشطو منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو أظهرت “خطابة” بعض ممثلي السلطات والمنتخبين والفاعلين، عند استخدامهم “التبراح” في عدة مدن بالبلاد.

ووثقت الفيديوهات لحظة مرور سيارات تابعة للشرطة أو القوات العمومية، بشوارع وأسواق وأزقة شعبية في بعض المدن المغربية، لحث السكان على عدم مغادرة منازلهم.

والتبراح هو الطريقة التي كانت قديما من أبرز وسائل التواصل ونقل الأخبار ونشر البيانات في المغرب، وقد ظن الكثير من المغاربة أنها ولّت واندثرت، لكنها عادت من جديد في زمن كورونا، لتشكل أبرز الوسائل التي تستخدمها السلطات من أجل التوعية بمخاطر هذا المرض وبضرورة الالتزام بالحجر الصحي للحد من انتشار هذا الوباء.

ودعت السلطات والجمعيات إلى منع التجمعات وعدم التردد على الأماكن المزدحمة، وطالبت الأفراد الذين ظهرت عليهم أعراض شبيهة بالفايروس، باتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة للحد من انتشاره بين أسرهم وأقاربهم، والاتصال بالأرقام المخصصة لاستقبال الحالات المفترض إصابتها بـ”كوفيد-19”.

وبعثت هذه الوسيلة القديمة بحلة جديدة في أزقة وشوارع المدن باعتبارها إحدى أبرز وسائل التوعية بوباء أدخل البلاد في حالة استنفار غير مسبوق.

وقال كمال الكوشي، نائب رئيس إحدى بلديات مدينة سلا (محاذية للعاصمة الرباط)، إن “التبراح يعد من أبرز طرق التواصل الضاربة في التاريخ بالمغرب، وتم إحياؤها خلال الأزمة الحالية واللجوء إليها من جديد، لما لها من فعالية وأثر في نفوس المغاربة”.

ولفت الكوشي إلى أن ما يحظى به الموروث الثقافي من استحسان وقبول في نفوس المغاربة، هو ما دفع السلطات إلى اعتماد التبراح من أجل المساهمة في حملة التوعية التي رافقت انتشار كورونا.

التبراح كان قديما من أبرز وسائل التواصل ونقل الأخبار ونشر البيانات في المغرب

ورغم تطور وسائل التواصل التي يعرفها العالم اليوم، إلا أن الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد، يستدعي بحسب الكوشي، العمل بكل الوسائل المتاحة، ومنها التبراح “للوصول إلى أكبر عدد من المواطنين وتوعيتهم بخطر ما نحن فيه وبالأمور الواجب القيام بها”.

ويرى مصطفى بنزروالة، باحث في علم الاجتماع السياسي، أن “آليات التواصل التي تنتهجها السلطة اليوم في تنزيل تدابيرها الوقائية، تتحكم فيها العديد من الأسباب والعوامل منها الثقافية المرتبطة بالتراث، حيث ما زالت الدولة تستمر في ممارستها للسلطة من بعض الأعراف الثقافية والتقليدية”.

وأضاف بنزروالة أن “اعتماد السلطات هذه الطريقة، يعيد إلى الأذهان الآليات الضبطية التقليدية التي كان يعتمدها المخزن (مصطلح يستخدمه المغاربة للدلالة على السلطة) في عمليات الإخضاع”.

ويشدد الباحث على أنه “رغم تطور آليات التواصل الحديثة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، إلا أن السلطات تأبى التخلي عن بنيتها التقليدية في وظائفها الضبطية، عن طريق التواصل المباشر كما كان يحدث في لحظات تاريخية سابقة”.

ورحب عدد من المغاربة بهذه الخطوة التي أقدمت عليها السلطات والجمعيات في بعض المدن المغربية، إذ اعتبروها وسيلة قد تكون فاعلة لتوعية المواطنين بخطورة كورونا، حيث أبدى ناشطون عبر منصات التواصل في المغرب، حجم الاهتمام الذي أبداه المواطنون بالطريقة “الجديدة القديمة” التي اعتمدتها السلطات.

وأكد الكوشي أن “التبراح نجح في تقريب الخطاب من المواطنين عبر تجاوبهم واستحسانهم هذه الطريقة”، متابعا “لعل هذه الطريقة التي بدأ العمل بها مبكرا إلى جانب إجراءات أخرى، آتت أكلها حيث نشهد اليوم شوارع المدن خالية من المتجولين، والتزاما كبيرا بحالة الطوارئ الصحية التي تشهدها البلاد”.

ولا يقتصر اعتماد السلطات على مثل هذه الطرق لما لها من أثر في نشر الإرشادات حول كورونا فقط، إذ أن لجوءها بحسب بنزروالة، إلى التواصل المباشر عبر مكبرات الصوت بالاعتماد على رجال السلطة، يمكن قراءته وفق معطيين.

وأوضح بنزروالة أن المعطى الأول “مرتبط بكون السلطة ما زالت تحافظ على بنيتها التقليدية في ممارسة الضبط الاجتماعي، عن طريق التواصل المباشر الذي يستبطن في غالبه خطاب وعيد مغلفا بعبارات توعوية، لكل من يخالف التوجهات الرسمية، والإجراءات المتخذة”.

أما الثاني فيتمثل في كون مثل هذه الأوضاع فرصة حقيقية لإعادة حضور السلطة، من خلال حرصها على تصوير الفيديوهات أو البث المباشر، وما يصاحب ذلك من حديث مع المواطنين ونصحهم، أو ردعهم أحيانا، وفق الباحث.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: