هل نجحت سياسة التغلب على كورونا أم أن الآتي أسوأ؟

لسبب أو آخر يتم التحفظ على نسب الوفاة حسب الفئة العمرية، نحن نعرف عدد الإصابات بالفايروس في كل بلد وعدد الذين توفوا منهم حتى الآن، ولكن لم تصدر حتى هذه اللحظة إحصاءات تشير إلى عدد الإصابات بين الفئات العمرية المختلفة.

قد يبدو للوهلة الأولى أن نشر هذه الأرقام لا يفيد في شيء، رغم ذلك فإن حجبها مثير للقلق.

ليست هذه الإحصائيات هي الوحيدة التي حجبت حتى الآن، فنحن لم نجد أيضا أرقاما تبين على سبيل المثال، توزيع الإصابات والوفيات حسب الوضع الاجتماعي.

أرقام مثل هذه ستقدم العون في اتخاذ قرارات مصيرية، لوقف انتشار أوسع للفايروس.

نحن نعلم أن ليس كل من يصاب بالفايروس سيموت نتيجة لذلك، حتى الآن هناك شبه إجماع على أن النسبة تتراوح بين 1 و2 في المئة.

أفضل دراسة نشرت وعرضت لكل السيناريوهات المتوقعة صدرت عن إمبريال كولدج، في لندن، حيث قام فريق العمل بتغذية برنامج بحثي لقياس مدى انتشار الأوبئة بنسب الإصابات بفايروس كورونا، وأجرى محاكاة لتوقع النتائج الناجمة لو اتبعت ثلاثة سيناريوهات مختلفة؛ الأول ترك الفايروس يأخذ دورته، والثاني “تقليل الخسائر”، والثالث “القمع”.

في السيناريو الأول، يجري التعامل مع الفايروس باعتباره أنفلونزا عادية، تستمر خلالها الحياة اليومية بصورة طبيعية، ويترك الفايروس يأخذ دورته الكاملة؛ في هذا السيناريو سيصل عدد الموتى إلى 90 مليونا. مع افتراض أن الحكومات ستطبق سيناريو “تقليل الخسائر”؛ وهذا يتضمن عزل كل المصابين بأعراض كورونا وعزل عائلاتهم، وكل من يتخطى 70 عاما يتجنب أي اختلاط مع الآخرين. هذا السيناريو سيؤدي إلى وفاة 45 مليونا.

أما وفقا لسيناريو “القمع”، الذي اتبعته الصين، وتضمن عزل المرضى وعزل عائلاتهم، وشمل منع الاختلاط بين السكان، ومنع كل التجمعات، وإغلاق معظم أماكن العمل، فإن انتشار الوباء سيصل في هذه الحالة إلى الذروة خلال 3 أسابيع من الآن (16 مارس يوم نشر الدراسة) بعد ذلك يبدأ هذا العدد في التراجع، وسيختفي كابوس أعداد المتوفين الذي شاهدناه في السيناريوهين الأول والثاني.

ولكن هناك معضلة؛ لو خففت استراتيجية “قمع” الفايروس قبل الوصول إلى لقاح فعال يكفي كل السكان، سيعود الفايروس بقوة ليقتل الملايين خلال أشهر قليلة.

العالم الآن يترقب بقلق كبير؛ ماذا سيحدث في الصين؟ هل نجحت سياسة القمع، أم أن الأسوأ قادم؟

يبدو أن موجة ثانية من كورونا بدأت تتشكل في الصين، حيث أعلنت وزارة الصحة، الأربعاء، أنها سجلت 62 إصابة إضافية خلال الساعات الـ24 الماضية. ويأتي ذلك بعد أن رفعت السلطات الصينية قيود الحجر الصحي المفروضة على سكان مدينة ووهان، بؤرة تفشي الفايروس، وعادت الحياة إلى المدينة، بعد إغلاق لقرابة 3 أشهر، مع إعادة فتح مطارها وتسيير بعض قطاراتها وطرقاتها السريعة.

هذا الارتفاع الملحوظ لا يشكل انتكاسة لجهود الصين في احتواء تفشي الفايروس فقط، بل هو انتكاسة لجهود العالم، الذي كان يأمل عن طريق تطبيق قرارات صارمة وقف الوباء.

ورغم أن خبراء في مجال الصحة قد حذروا الصين من موجة ثانية للفايروس، إلا أن السلطات قلّلت من هذه التحذيرات وأكدت نجاحها في مجابهة الوباء.

في حال حدث الأسوأ، وثبت أن الصين عرضة لموجة ثانية، تماما مثلما تنبأ التقرير الصادر عن إمبريال كولدج، ما الذي يمكن فعله، خاصة وأن كل الأخبار الواردة عن الوصول إلى علاج أو لقاح، تتحدث عن الحاجة إلى فترة من 12 إلى 18 شهرا لاستخدامه على مستوى العالم؟

أي من السيناريوهات الثلاثة، التي عرضتها إمبريال كولدج، يجب اتباعه في التعامل مع الأزمة الحالية؟ هل نتعامل مع الفايروس باعتباره أنفلونزا عادية، وتستمر الحياة اليومية بطريقة طبيعية، وتخسر البشرية 90 مليونا من السكان؟

هل تنصح الحكومات بتطبيق سيناريو “تقليل الخسائر”، وهذا سيؤدي إلى وفاة 45 مليونا، وخسائر اقتصادية تدخل دول العالم في أزمة ستحتاج إلى سنين طويلة لتتعافى منها؟

ما فائدة السيناريو الثالث، استخدام “القمع” على الطريقة الصينية، إن ثبتت صحة الدراسات، وشهدت الصين موجة ثانية من انتشار الفايروس؟

ما هو الصواب وما هو الخطأ من بين هذه الخيارات الثلاثة، خاصة على الصعيد الأخلاقي؟ ما الذي يمكن أن يتوقعه الأفراد من المجتمع؟

وما الذي يمكن للمجتمع أن يتوقعه منهم؟

يعتقد حاكم ولاية تكساس الأميركية أن هؤلاء الذين تزيد أعمارهم على 70 عاما، “لا يجب عليهم التضحية بالبلاد”، بإغلاق الأنشطة الاقتصادية، ولكن يجب عليهم أن يكونوا على استعداد للتضحية بأنفسهم.

حاكم تكساس ليس الوحيد في قناعته هذه، هناك كثير ممن عبروا بشكل موارب عن هذا الرأي وطالبوا بعودة الحياة إلى طبيعتها حفاظا على الاقتصاد.

الحل بالنسبة لهم هو “مناعة القطيع” وهي استراتيجية طرحتها بريطانيا في بداية مارس للتعامل مع الأزمة. ويرى أصحاب النظرية أن نسمح للفايروس بالانتشار تدريجيا ليصيب نسبة كبيرة من السكان، وبعد أن يتعافى معظمهم سيكونون مناعة ضده، وعندما يتكون لدى عدد كبير من السكان مناعة، تقل فرص انتشار الفايروس وينحسر تدريجيا وتنتهي الأزمة.

الفكرة، التي تبدوا الآن جذابة بالنسبة للبعض، تعرضت بسببها الحكومة البريطانية لانتقادات لاذعة من داخل وخارج المملكة المتحدة؛ منها خطاب وقع عليه أكثر من 500 عالم بريطاني قالوا فيه نصا “إن ‘مناعة القطيع’ في هذه المرحلة ليست خيارا قابلا للتطبيق”.

نلاحظ هنا أن العلماء البريطانيين قالوا إن “مناعة القطيع” في هذه المرحلة ليست خيارا؛ هل هذا يعني أن تطبيقها في مرحلة أخرى سيصبح خيارا مقبولا؟

هل يعود العلماء ومن خلفهم الحكومات إلى الاقتداء بالفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل، ونظريته عن “النفعية”، حيث من الضروري أن يجتهد الحكام لتحقيق السعادة الكاملة للناس جميعا، وأن يستهدفوا أكبر الخير لأكبر عدد من الناس؟ أم يسيروا خلف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قال “ليس من الممكن أن يكون العلاج أسوأ من المشكلة”، وأن يستعد الضعفاء للتضحية بأنفسهم لإنقاذ اقتصاد البلاد مثلما دعاهم حاكم ولاية تكساس؟

لا أعلم ما هي مشاعر رئيس الوزراء البريطاني، الذي نأمل له شفاء عاجلا، وهو طريح في المستشفى يعالج من الإصابة بفايروس كورونا؟

آمل أن يجنح لتبني دعوة بابا الفاتيكان، عندما قاد من ساحة القديس بطرس، وهي خاوية، قداسا خاصا للصلاة من أجل انتهاء الأزمة، قال فيها “أدركنا أننا كلنا في نفس القارب، كلنا ضعفاء وتتملكنا الحيرة، ولكننا في نفس الوقت نتسم بالأهمية، وهناك حاجة إلينا، الكل مدعو إلى التجديف معا، ويحتاج كل منا إلى طمأنة الآخر”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: