هل الجيش الجزائري سيدعم رئيسه في سياسة تصفية حساباته ؟
يسعى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لضمان الدعم الذي يتمتع به حاليا من قبل المؤسسة العسكرية، وهو ما يطرح التساؤلات ما إذا كان سيلجأ لسياسة تصفية الحسابات باعتبار أن شقّا في الجيش كان من بين الداعمين لمنافسه في الانتخابات الرئاسية عزالدين ميهوبي.
وعين تبون الجنرال محمد قايدي، على رأس هيئة العمليات (الاستعمال والتحضير)، التي تعد واحدة من أربع دوائر مركزية في المؤسسة العسكرية، إلى جانب الأمن الداخلي والأمن الخارجي وأمن الجيش، وذلك خلفا للجنرال محمد بشار.
وصدر قرار تعيين اللواء قايدي، في المنصب الجديد، بالعدد الأخير من الجريدة الرسمية الصادر الثلاثاء، مؤكدا بذلك المعلومات المتداولة منذ نحو أسبوع في العديد من الدوائر الرسمية والسياسية، ومنهيا شهورا من الجدل حول المنصب الحقيقي الذي يشغله الرجل في هرم المؤسسة العسكرية.
ويندرج إسناد المنصب الجديد للجنرال قايدي في سياق خطة لإعادة ترتيب بيت المؤسسة العسكرية بعد نحو عامين من الارتباك والتغييرات المستمرة التي باشرها القائد السابق للجيش، الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، منذ يونيو 2018، بعد انفجار قضية شحنة المخدرات الضخمة التي أحبطها الجيش آنذاك.
وظهرت قيادة الجيش بشكل بارز منذ اندلاع الحراك الشعبي بالجزائر في فبراير 2019، حيث لم يدم دعمها لنظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة إلا أسابيع قليلة، قبل أن تضغط لتنحيته من قصر المرادية، وتسيّر المرحلة الانتقالية التي انتهت بانتخابات رئاسية جرت في ديسمبر الماضي.
وظهر الجنرال قايدي، في الواجهة منذ الأسابيع الأولى للحراك الشعبي، كواحد من الضباط السامين المقرّبين من الجنرال قايد صالح، وأحد الفاعلين فيما عرف بعملية “اختراق” العسكر للحراك، من أجل توجيهه في سياق الأجندة التي كانت تحضّر لها المؤسسة العسكرية في الخفاء.
ومنذ الوفاة المفاجئة للجنرال قايد صالح في منتصف ديسمبر الماضي، بقي الغموض يلفّ هرم المؤسسة العسكرية، حيث حذفت السلطة الجديدة بقيادة تبون، منصب نائب وزير الدفاع، وأبقت على القائد الجديد لهيئة الأركان الجنرال سعيد شنقريحة، في منصب “قائد بالنيابة”.
وأعطى هذا الوضع انطباعا بأن الأوراق ما تزال غير مرتبة داخل أكبر المؤسسات في الجزائر، بسبب طموح العديد من الضباط لشغل منصب قائد الأركان، والتجاذبات الداخلية المتصلة بمستقبل المؤسسة ونفوذها في إدارة شؤون البلاد، في ظل تصاعد الأصوات الداعية لسحب الجيش من الشأن السياسي الداخلي وإلزامه بمهامه الدستورية فقط.
ويرى متابعون للشأن الجزائري بأن عدم الانسجام بين كبار ضباط المؤسسة خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وسعي بعضهم إلى دعم المرشح المنافس عزالدين ميهوبي من خلال الضغط على مسؤولين سامين ومؤسسات في الدولة لدعمه على حساب تبون، أفرز حالة من الريبة المفضية إلى تصفية حسابات تأجلت لعوامل مختلفة.
وتضطلع دائرة الاستعمال والتحضير، التي عيّن على رأسها الجنرال قايدي، بمهام الإمداد واللوجيستيك المادي والتكنولوجي والبشري للمؤسسة، وهو ما يندرج في اختصاص الرجل المتخرّج بشهادة مهندس دولة في الإعلام الآلي، الأمر الذي اعتبر خيارا موفّقا من طرف تبون، لاسيما أن الرجل يعتبر من أصغر الضباط السامين سنّا.
ويعتبر المسؤول الجديد في هيئة أركان الجيش من الضباط الميدانيين والمتمرّسين في الحرب على الإرهاب خلال تسعينات القرن الماضي، حيث شغل مناصب ميدانية بغرب البلاد التي كانت تتخذ منها كتيبة “الأهوال” الأكثر دموية في التنظيمات الجهادية بالجزائر آنذاك قاعدة خلفية لها، خاصة في ضواحي محافظة سيدي بلعباس.
ومع ذلك يبقى مصير المناصب السامية في الدوائر المركزية لقيادة الأركان مبهما، خاصة وأن انتزاع قائدها السابق قايد صالح لمديرية الأمن (الاستخبارات) من مؤسسة الرئاسة، لم يبق على التسلسل الهرمي المعروف عنها.
ويشغل ثلاثة جنرالات مناصب قيادة مديريات الأمن الداخلي والأمن الخارجي والجيش، وينسقّون مباشرة مع قائد الأركان، في ظل غياب منسّق كما كان معمولا به خلال عهدة المنسق السابق المسجون الجنرال عثمان طرطاق (بشير)، وإلغاء منصب مدير المخابرات منذ تنحية الجنرال محمد مدين (توفيق) المسجون أيضا منذ سبتمبر 2015.
وعرفت المؤسسة العسكرية في الجزائر تغييرات عميقة منذ شهر يونيو 2018، أفضت إلى تنحية العشرات من الجنرالات والمئات من العقداء والضباط، في إطار ما أسمته القيادة بـ “توزيع المناصب بالكفاءة والجدارة “، لكن رائحة تصفية الحسابات تجلت بشكل واضح في سجن عدد من الجنرالات وإحالة آخرين على التقاعد، في سياق رسم توازنات جديدة تنهي العناصر الموالية لنظام بوتفليقة.
وكان عبدالمجيد تبون قد استعان بضباط متقاعدين لشغل مناصب مدنية في قصر الرئاسة، ممّا يوحي بأن الرجل غير مرتاح تماما لنفوذ بعض الضباط، خاصة بعدما حاولوا خذلانه في الانتخابات الرئاسية، بانحيازهم لمنافسه عزالدين ميهوبي.
ورغم أنه يعتبر الرئيس المدعوم من طرف العسكر، والواجهة المدنية لمؤسسة الجيش، إلا أن عدم استقرار هرم السلطة وتوزيع المهام في المناصب الحساسة يبقي الغموض قائما في محيط السلطة الجزائرية، ولو أن تعيين الجنرال قايدي في المنصب الجديد يعتبر مؤشرا على بداية ترتيب حذر للأوراق.