مناعة القطيع… حكومات ستنقل عدوى كورونا إلى سكانها لإنقاذ إقتصادها

يبدو الحجر الصحي إلى الآن الحل الأمثل لمواجهة انتشار فايروس كورونا، لكن هذا الحل سيكون قصير المدى، ويدفع نحو أزمات أخرى قد تعلو إلى السطح، وتدفع العالم للتعايش مع الفايروس لأن تدمير الاقتصاد العالمي يمكن أن يقتل حياة أعداد أكبر من ضحايا وباء كورونا. فإجراءات إغلاق جميع مظاهر الحياة في أنحاء العالم لن تكون سوى مسكنات مؤقتة، ولا يمكن استمرارها لفترة طويلة.

جميع سياسات الدول ليس لديها سوى هدف واحد ملح ومباشر في مواجهة تفشي فايروس كورونا، هو منع انفجار الإصابات وإغراق المؤسسات الصحية بالإصابات لتفادي انهيارها وشيوع الفوضى، الذي يمكن أن يؤدي إلى انهيار بعض الدول.

الحالة تشبه محاولة تسريب مياه خزان كبير للمياه تتجمع فيه المياه بسرعة كبيرة من أجل منع حدوث طوفان مدمر.

يبدو ذلك الموقف مبررا، لكن جميع سلطات العالم في الوقت نفسه تتجاهل الحقائق الأساسية، ولا تجرؤ على الاقتراب من الحل الوحيد، الذي لا يمكن الهروب منه طويلا.

الحقيقة المرة، التي يعرفها الجميع ولا يقف عندها و التي أصبحت الحل الوحيد لدى السلطات هي الإستسلام للوباء و التضحية بالمواطنين من أجل إقتصاد الدول  ، هي أن ثمانين بالمئة وربما جميع سكان العالم سيصلهم الفايروس عاجلا أم آجلا، ولن نستطيع الفرار منه، لمدة سنة على الأقل لحين تطوير لقاح فعال.

نصف من سيصابون بالفايروس من الأطفال والشباب والأصحاء، لن يشعروا به، ومعظم النصف الآخر سيمر عليهم بقسوة متفاوتة لكنهم سوف يشفون منه حتى دون مراجعة مستشفى.

نسبة ضئيلة ستكون إصابتهم قاسية وهم من الضعفاء جدا صحيا، والذين حياتهم مهددة بالفعل سواء بوجود فايروس كورونا أو دونه. ربما علينا أن نتذكر أن نحو 56 مليون شخص يموتون سنويا لأسباب مختلفة، دون أن نطلق صفارات الإنذار.

هناك حل يمكن أن ينهي الوباء خلال أسابيع وبأقل الخسائر الممكنة دون تدمير الاقتصاد العالمي ومقومات حياة معظم سكان العالم. لكنه يحتاج إلى شجاعة في مواجهة المشكلة والتوقف عن الهروب منها. لدينا سفينة مهددة بالغرق والفوضى الشاملة، لكن سبيل إنقاذها الوحيد يصطدم بغريزة البشر الأخلاقية، التي لا تقبل التنازل! نحن نقبل بسهولة حجر جميع السكان، لكننا نحتج ونرفض بشدة حجز 20 في المئة فقط منهم لإنقاذ سفينة العالم!

هروب إلى الأمام

الحقيقة الأولى التي ينبغي الوقوف عندها هي أن إجراءات إغلاق جميع مظاهر الحياة في أنحاء العالم لن تكون سوى مسكنات مؤقتة، ولا يمكن استمرارها لفترة طويلة.

وحين تعجز الدول عن تحمل الثمن الاقتصادي، سوف تضطر للسماح للناس بالعودة إلى نشاطها، حينها سوف يعود الفايروس إلى الانتشار مع أول زائر مصاب من دولة أخرى.

هل يمكن أن نغلق الحدود إلى الأبد؟ ربما كنا نستطيع ذلك قبل خمسين أو ثلاثين عاما، لكن انفتاح وتداخل الاقتصاد العالمي اليوم وحجم نشاط السفر والسياحة والتجارة والملايين من النشاطات الأخرى، يجعل ذلك في غاية القسوة والصعوبة.

الحالة الصينية هي نموذج لأقصى ما يمكن فرضه من العزل الاجتماعي وحظر التجول وإجراءات التعقيم الشاملة، لأن الصين هي أقدر دول العالم على فرضها، لكنها في الواقع لن تقطع الطريق على عودة انتشار الفايروس. ومع كل استئناف خجول للحياة في الصين يتم تسجيل إصابات جديدة.

أي أن الصين تستطيع منع انتشار الفايروس فقط من خلال مواصلة تعطيل الحياة والحركة في المدن والمصانع والمطارات. لكن إلى متى يمكن مواصلة تعطيل الاقتصاد وتوقف مداخيل معظم سكان العالم وشلل نشاط الشركات والمتاجر والمطاعم والمدراس والنشاطات الرياضية والآلاف من مظاهر الحياة الأخرى؟

مسكنات مؤقتة

تداعيات شلل الاقتصاد العالمي قد تكون أخطر

لم تتمكن تريليونات الولايات المتحدة ولا تريليونات أوروبا واليابان والصين من إيقاف هلع الشركات والأفراد وأسواق المال العالمية، رغم أنها رحبت بها والتقطت بعض الأنفاس، قبل أن تصحو مجددا على الصورة القاتمة والغامضة.

لا يمكن لجميع شلالات السيولة المالية أن تطفئ المخاوف، ما لم تستأنف عجلات النشاط الاقتصادي دورانها، قبل فوات الأوان وقبل أن يصبح من المستحيل تشغيلها مرة أخرى بالوتائر التي سبقت الأزمة.

والأهم من ذلك إلى متى يمكن للبشر البقاء في البيوت؟ بالتأكيد سيبدأ التذمر بعد أيام أو أسابيع أو أشهر، بل هو بدأ فعلا لدى الكثيرين.

المشكلة أن العالم لا يملك حلا ومن المرجح أن يصيب الفايروس معظم سكان العالم ويؤدي إلى وفاة الملايين من الضعفاء صحيا، وسوف تستمر الأزمة لأن الفايروس يمكن أن يعود إلى البلدان التي سيطرت عليه بإجراءات القمع الوقائية. الخطر الأكبر الذي يحاول الجميع تفاديه هو عجز المؤسسات الطبية، لكن السياسات الحالية لن تمنع ذلك وسوف ينهار النظام الصحي حتما في الكثير من البلدان، وقد يؤدي ذلك إلى انتشار الفوضى وربما انهيار مؤسسات بعض الدول.

هناك حل وحيد مثير للجدل، يقلص الخسائر وينهي الأزمة خلال أسابيع، لكن لا يجرؤ أي زعيم أو رئيس على طرحه، لأنهم لا يريدون تحمل مسؤولية قرارات صعبة رغم أنها تنقذ السفينة من الغرق. الجميع يتفرج على وقوع الخسائر الكبيرة، ما دام غير مسؤول عن وقوعها، لكن لا أحد يجرؤ على تحمل مسؤولية خسائر أقل.

مناعة القطيع

فقط الحكومة البريطانية لوحت بهذا السيناريو وسرعان ما أهملته بسبب عاصفة الانتقادات الغريزية العمياء، وهو التحول إلى بناء ما يعرف بـ”مناعة القطيع”.

هناك أعداد هائلة من الأصوات المحذرة من قتل الاقتصاد العالمي وضرورة تنظيم استمرار الحياة الاقتصادية، لكنها تتعرض للشيطنة بسبب انتقادات الأغلبية التي ترفض التفكير خارج الصندوق.

المنتقدون لسيناريو بناء مناعة القطيع يقولون إنها قاسية لأنها تقوم على عزل 20 في المئة من السكان وترك بقية السكان يزاولون حياتهم طبيعيا. وتصل الاتهامات إلى أنها تضحي بكبار السن والمرضى، مع أنها السبيل الوحيد لحمايتهم.

جميع السيناريوهات الحالية لن تفعل شيئا سوى إطالة عمر الأزمة ولن تنقذ أولئك الضعفاء صحيا، بل تبقيهم أمام خطر الإصابة عاجلا أم آجلا.تقوم الفكرة على فرض أقصى درجات الحماية للأشخاص الضعفاء صحيا حتى بقوة القانون، وترك من لا يهدد الفايروس حياتهم يزاولون حياتهم طبيعيا.

سوف تمنع تلك الإجراءات إصابة الضعفاء صحيا وتخفف الضغط على المستشفيات بينما سيتعرض الأصحاء والشباب والأطفال للفايروس، ولن يشعر به معظمهم، وسوف يتلقى التهاني من يصاب به ويكتسب مناعة حتى من نقله إلى الآخرين.

جميع ما قيل عن خطورة الفايروس غير دقيق والآراء العلمية تتغير كل يوم، والخلاصة تؤكد أن الغالبية الساحقة كانت في أوضاع صحية ميؤوس منها.

البيانات في ألمانيا تشير إلى أن نسبة الوفيات تصل إلى أعداد الإصابات المؤكدة بلغت 0.4 في المئة فقط، بينما تجاوزت في إيطاليا نسبة 8 في المئة أي أكثر بعشرين مرة من ألمانيا.

وسبب ذلك هو أن إيطاليا لا تفحص سوى من تظهر عليهم الأعراض بينما ألمانيا تفحص أكثر من 70 ألفا يوميا. ولو تم فحص جميع السكان لمعرفة جميع حاملي الفايروس فسوف يتبين ربما أن الفايروس لا يهدد حياة سوى واحد في الألف.

ينبغي أن نقول للجميع: إذا كنت تعتقد أنك من نسبة 2 في المئة أو حتى العشرة في المئة الأضعف صحيا من سكان العالم، فينبغي عليك عدم الاختلاط بأحد حرصا على حياتك.

فإذا إختارت الحكومات التضحية بالمواطنين عبر مناعة القطيع  فينبغي أن تمارس حياتك بشكل طبيعي مع الحرص فقط على عدم الاقتراب من أي شخص ضعيف صحيا، وبذلك نقلل مخاطر انتشار الفايروس دون الحاجة إلى تدمير الاقتصاد وحياة جميع سكان العالم.

قرارات حازمة

تدمير الاقتصاد يمكن أن يقتل حياة أعداد أكبر من ضحايا كورونا

كل العلماء شبه متأكدين أن من يصاب بالفايروس يكتسب مناعة، ويعتقدون أن الحديث عن الإصابة به مرتين، ربما يعود إلى أن الفايروس لم يختف نهائيا من الإصابة الأولى.

حين يتم عزل أضعف 20 في المئة فإن معظم بقية السكان لن يحتاجوا حتى للذهاب إلى المستشفيات، التي ستكون بدورها قادرة على الاستجابة لحالات من تكون إصابتهم حادة. وبذلك سوف يكتسب غالبية السكان مناعة من الفايروس ومن حمله ونقله إلى الآخرين أيضا، حينها يمكن تخفيف الحجر عن الضعفاء صحيا لأن احتمالات إصابتهم ستصبح ضئيلة في ظل قلة من يمكن أن يحملوا الفايروس. خسائر العالم تتضاعف، لكن الحكومات للأسف، قد لا تجد القدرة على فرض هذا الحل، إلا بعد فوات الأوان.

هناك دراسات تحمل أخبارا جيدة وتؤكد أن أعدادا هائلة من البشر أصيبوا بالفايروس دون أن يشعروا بذلك واكتسبوا مناعة بالفعل، وأن تلك الأعداد تفوق مئات المرات أعداد الحالات المسجلة في السجـلات الرسمية.

وتذهب إلى أنه حين تعلن البيانات تسجيل الآلاف من الحالات، فإن الرقم الفعلي لو تم فحص جميع السكان يصل إلى مئات الآلاف وربما الملايين. بل إن دراسة لجامعة أكسفورد لنمط انتقال العدوى قدرت عدد من حملوا الفايروس واكتسبوا مناعة في بريطانيا بنحو 68 في المئة من السكان أي 45 مليونا، وليس عشرات الآلاف الذين تم فحصهم وتأكيد إصابتهم.

من المؤكد أن يتفاقم الثمن الاقتصادي لشلل الاقتصاد العالمي ويصل إلى مستويات خارج حدود قدرات الدول، إذ أن جميع الأموال التي تم ضخها لن تعالج المشكلة.

وسوف يجد العالم تلقائيا مسارا للتعايش مع الفايروس مع تسريع البحث عن لقاحات والاستعداد للفايروس المقبل، لأن تدمير الاقتصاد العالمي يمكن أن يقتل حياة أعداد أكبر من ضحايا فايروس كورونا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: