الجزائر تواصل محاكمة نشطاء الحراك رغم جائحة كورونا

تشير بوادر الوضع السياسي في الجزائر إلى توسع الهوة بين السلطة والشارع، فالهدنة التي فرضها تفشي وباء كورونا، وتوقف الاحتجاجات السياسية في البلاد، لا تقابلها أي مؤشرات للتهدئة، في ظل استمرار سجن ناشطي الحراك الشعبي، واستثنائهم من إجراء العفو عن المساجين الصادر عن رئاسة الجمهورية.

وأقرت محكمة سيدي امحمد في العاصمة الجزائرية، بعقوبة عام سجنا نافذ، في حق الناشط السياسي ورئيس جمعية “راج” عبدالوهاب فرساوي، لتنضاف بذلك العقوبة إلى سلسلة أحكام قضائية طالت العديد من الناشطين في الآونة الأخيرة، رغم دعوات التهدئة الصادرة من عدة جهات سياسية وحقوقية. والاثنين أعلنت تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي، أن القضاء سلط عقوبة عام سجنا نافذ في حق الناشط السياسي المعارض، ورئيس جمعية “تجمع، عمل، شباب”، المعروفة بـ”راج”، بتهمة التحريض والمساس بالوحدة الوطنية، لينضم بذلك إلى العديد من الناشطين القابعين في السجن.

واستثنى قرار العفو عن أكثر من خمسة آلاف سجين، الصادر عن رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، بطريقة غير مباشرة ما بات يعرف بسجناء الرأي، لما حدد القرار بالأحكام النهائية، بينما يتواجد أغلب هؤلاء في حالة طعن أو السجن المؤقت.

وتحصي الجمعية التي تهتم بشؤون نشطاء الحراك المسجونين، أكثر من ألف سجين بين المؤقت والمحكوم عليهم، وأكدت في تدوينة لها أن قرار العفو لم يشمل هؤلاء بسبب حصره في فئة المحكومة عليهم نهائيا، كما وصفت الحكم بـ”القاسي”، واعتبرت أن “التعسف القضائي لا يزال مستمرا ضد الناشطين والمعتقلين في هذه الفترة التي يوجد فيها المواطنون في الحجر”.

وتعد جمعية راج المعارضة، من الفعاليات القوية داخل الحراك الشعبي، لاسيما في إقليم العاصمة، وسبق للعديد من مناضليها أن تعرضوا للتوقيفات الأمنية، قبل أن يتم اعتقال رئيسها عبدالوهاب فرساوي، منذ خمسة أشهر، وأحيل على المحكمة بتهمة التحريض على التجمهر غير المرخص والمساس بالوحدة الوطنية.

وجاءت العقوبة المذكورة لتنضاف إلى سلسلة عقوبات مماثلة، طالت ناشطين وصحافيين ومدونين، على غرار رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي كريم طابو، إبراهيم لعلامي، إبراهيم دواجي، والصحافيين خالد درارني وسفيان مراكش الذي صدرت في حقه مطلع هذا الأسبوع عقوبة بثمانية أشهر سجنا نافذة سيستنفدها شهر ماي القادم.

Thumbnail

وتشير سلسلة المحاكمات المستمرة لهؤلاء، رغم تعطيل العمل في الجهاز القضائي، بسبب تفشي وباء كورونا، وإبقائه إلا في الحالات الاستثنائية والمستعجلة، إلى أن السلطة لا تريد أي تسوية مع الشارع المنتفض، وأن الهدنة المعلنة من طرفه لتعليق الاحتجاجات والمظاهرات لم تقابلها قرارات مماثلة تمكن من استعادة الاستقرار السياسي للبلاد. ويبقى السجال قائما بين السلطة الحاكمة والشارع المعارض حول التوظيف السياسي لوباء كورونا، واستغلاله في تصفية الحسابات بين الطرفين، ففيما اتهمت دوائر موالية للسلطة الناشطين “بتعمد التظاهر في الأسابيع الماضية لتوسيع العدوى”، يرى هؤلاء أن “تأخر الحكومة في غلق المجالات الجوية والبرية والبحرية، وفي اتخاذ التدابير الاحترازية كان بنوايا مبيتة لتحويل الرأي العام عن مطالب الحراك وإلهائه بالوباء”.

وتشدد فعاليات الحراك الشعبي على أن تعليق الاحتجاجات السياسية كان بغرض التفرغ لحماية الشعب من العدوى ووضع الجانب الصحي على رأس الأولويات، وأن العودة إلى الشارع ستكون فور تعافي البلاد من الوباء، لاسيما وأن السلطة لم تبد أي نية لتهدئة الوضع، وتتعمد الاستمرار في إصدار ما يصفه الحراك بـ”الأحكام التعسفية الجائرة”.

وكانت منظمات حقوقية محلية وأجنبية قد ألحت على السلطات الجزائرية لإصدار قرار عفو عن المساجين تفاديا لأي إصابات أو عدوى داخل السجون، إلا أن الاستثناء المبرمج لسجناء الرأي من القرار، وحتى الاستمرار في سلسلة المحاكمات، خيب هؤلاء، وزاد من عمق الهوة بين الطرفين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: