كورونا الوبائي في زمن الدجّال والأنبياء الجدد

تصف المرجعيات القديمة زمن الدجال بزمن الكذب المبرمج على مدى واسع، وادعاء النبوة والمعرفة الفائضة يُقصد من ورائه جر الناس نحو أوهام قاتلة ويقينيات لا معنى لها. وكثيراً ما يظهر الدجال في شكل النبي المنقذ، المالك لسحر الوصفات التي تقي البشر من نار جهنم وهو يدفعهم نحوها، والناس بجهلهم يتبعونه وينشدون الخلاص على يديه.
يبدو الزمن القيامي الذي فرضه فيروس كورونا على البشرية هو نفسه الذي جعل الدجال يظهر في هذا الوقت في كل مكان، من العالم العربي تحديداً؛ لأن المجتمعات التي تخطت عقلياً الزمن الخرافي لا نقاش لها اليوم إلا كيفية إنقاذ البشرية بعلمها ومعرفتها.
صحيح، إن البشرية تعيش وضعاً غير مسبوق منذ ما لا يقل عن قرن، شديد التعقيد، لا تملك حياله حلولاً كثيرة سوى الانكفاء والحجر في انتظار أن تثمر الجهود الإنسانية المخبرية التجريبية عن لقاح أو دواء عاجل يخفف من هذه الحيرة. وهذا يعني وجود مشكلات علمية ونفسية أيضاً يفرضها الضغط الزمني، لأن أي تأخر ممكن أن يقود البشرية إلى الفناء والهلاك. أن يموت يومياً ما معدله خمسمئة شخص يومياً في البلدان المتقدمة التي انتشر فيها الفيروس، تحتاج فيها المخابر إلى أمرين: السرعة والدقة.
السرعة التي لا تعني التسرع، يعني اختصار الزمن العادي وكأنه زمن حرب. والدقة، أي عدم وضع حياة الناس في الخطر. لأول مرة تتحمل البشرية قاطبة، وليس جهة واحدة، ثقل المأساة. على العكس من الأزمنة الغابرة القريبة، حيث كانت البلدان المتخلفة والفقيرة هي الضحية الكبرى. في هذا الزمن بالذات الذي يتم فيه اختبار الطاقة البشرية العلمية، وقدراتها، وفي سباق ضد الساعة، تركض الدول الصناعية بكل إمكاناتها لإيقاف الوباء بمختلف الممكنات المتوفرة، في انتظار وصول التجارب المخبرية إلى نتيجة إيجابية، من أقنعة وأجهزة تنفس اصطناعي يتم التقاتل عليها في المطارات الصينية، بين أمريكا من جهة وفرنسا وألمانيا من جهة ثانية، إذ إن الإنتاج المحلي لأمريكا وأوروبا لم يعد كافياً بسبب كثافة الإصابات.
فقد حولت أمريكا، بأنانية غير مسبوقة، شحنة فرنسية من الأقنعة في اتجاه مطاراتها، وبعدها حولت شحنة مخصصة لألمانيا، في الوقت الذي تنكب فيه مخابر البحث العلمي على عملها العلمي التجريبي الجبار وسط نقاشات علمية حادة مبنية على دراسات مخبرية حقيقية بين الدكتور راوول، صاحب فكرة استعمال دواء الكلوروكين الذي استعمل ضد الملاريا، ونخبة من العلماء الخائفين من المضاعفات التي يفرضها استعمال هذا الدواء، دفعت بالسلطة الفرنسية في النهاية إلى السماح بهذا الدواء ولكن بمراقبة طبية صارمة. إضافة إلى تجارب ميدانية يمكنها أن تعطي نتائج إيجابية في الوقت القريب، كالتجارب المخبرية على بلازما الذين يحملون الفيروس وشفوا، وتجربة استغلال «بي سي جي» اللقاح المضاد للسل، لمعالجة المصابين بفيروس كورونا، وغيرها من التجارب.
الشيء نفسه يتم العمل به في بقية الدول الأوروبية وأمريكا والصين وآسيا عموماً، حيث الطب متطور جداً. لكن حتى اللحظة، ولا دولة ادعت أنها تملك الحل السحري ووجدت الدواء الشافي، إلا في البلاد العربية التي على الرغم من وضعها الطبي والمخبري المتخلف عموماً، تعلن في كل لحظة عن اكتشافها للدواء. فقد ظهر الدجال حاملاً عصا السحر في كل مكان، عددهم لا يحصى، ويمرون بسهولة عبر شاشات التلفزيونات، وشبكات الإنترنت والوسائط الاجتماعية، بالخصوص «يوتيوب» الذي أصبح الوسيلة الأولى، بل ظهرت بوراق هذا الدجال لدرجة أن نشك في أن وراء هذه العمليات الكارثية عقل سري ينظمها لإشاعة المزيد من الأمية والجهل. كثير من الدجالين المحظوظين بملأون القنوات التلفزيونية العربية هرجاً وكذباً، لدرجة أن أصبح لكل دولة عربية دجالها الرسمي.
في الجزائر، ظهر في وقت مبكر دجال متعدد المواهب، عرفه الناس في الزلازل وفي الانتخابات الرئاسية، ويعرفونه اليوم كرجل مخبري؟ أي مخبر؟ أي مجموعة من الباحثين عمل برفقتها؟ لا يهم، فالعلم يرتكز أيضاً على الصدفة. بوناطيرو، صرح رسمياً بأنه هو ومجموعة من الأطباء العراقيين اكتشفوا الدواء رسمياً، لكنهم يجدون صعوبات في توصيله للمحتاجين إليه. في الكويت ظهرت سيدة اسمها أمل الأنصاري في الطب التكميلي، تقسم بأن الدواء قد وجدته بالصدفة، وهو عبارة عن أقراص يجب اعتمادها. سبق أن أعلن عضو مجلس إدارة جمعية الطب البديل الكويتية هشام الجاسر، عن توصله لعلاج لفيروس كورونا المستجد، مشيراً إلى أن «هذا العلاج مكوّن من ثمانية مركبات لأعشاب طبيعية، بعضها مزروع في الكويت، والآخر تم جلبه من خارجها». الطبيب التونسي الدكتور كمون الذي ادعى أنه يشتغل في مختبر ألماني للأبحاث الفيروسية؟ أين هذا المخبر؟ اسمه؟ لمزيد من الإقناع، زور فيديو تتكلم فيه ميركل عن منجز الطبيب التونسي، ليأتي التكذيب رسمياً هذه المرة من الناطق الرسمي لوزارة الخارجية مصرحاً أن الفيديو تركيب مفضوح. الفيديو المشار إليه مأخوذ من اجتماع المستشارة في حديثها مع رؤساء الجهات الألمانية الاتحادية، لمكافحة فيروس كورونا، وحول ضرورة العمل على وقاية المواطنين.
وتم فضح رضى كمون، رسمياً. في مصر الشيء نفسه ظهر، طبيب يقول على الملأ إنه كان في أمريكا وإنه اكتشف الدواء في أكل الفول المنقوع على الطريقة المصرية.
هناك أمثلة لا تعد ولا تحصى. نحن أمام حالة من التخريف غريبة يتم بها إدخال الناس في دوامة الوهم والزيف العقلي. فقد نهض جيش من الأنبياء الجدد، كلهم تلقوا إشارة إلهية جعلتهم يكتشفون الدواء وخرج الأمر عن أن يكون مجرد مكمل شعبي، بل هو الدواء عينه، يكفي مثلاً أن تتنفس القرنفل والليمون والعسل، ليذهب الداء. كيف يمكن أن يشفى من تآكلت رئتاه بمجرد ذلك؟ ويعيش بجهاز تنفس اصطناعي لو ينزع عنه يموت بعد دقائق؟ بضربة وحي حل أخطر مشكلة صحية في العالم. كيف لم تتنبه لهذا الدواء المعجزة، أوروبا وأمريكا وهي تدفن يومياً من 500 إلى ألف مصاب بالفيروس؟ والدول العربية نفسها التي ينخرها هذا الفيروس. أليس هذا هو زمن الدجال الذي يصنع قيامته قبل الأوان.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: