إلى أي مدى سيستجيب المواطنون للتعليمات الحكومية لمحاربة الوباء

تذيب الوتيرة المتسارعة لانتشار فايروس كورونا الفروق بين المخاطر الشخصية والعامة. وتثير سرعة انتشار الفايروس وحالة الهلع المصاحبة قلق علماء الاجتماع من الوصول إلى مرحلة “سيكولوجيا الأوبئة” التي يفقد خلالها الناس عقلانية التصرف، وتصبح غريزة البقاء هي المحرّك، بعد فترة قصيرة من العيش في ظل ظروف العزل التي فرضها الوباء، حيث سيختنق الناس اجتماعيا وماليا وسيعودون إلى الحركة مهما كانت النتيجة، وهو ما يؤكده خبير الاجتماع السياسي المصري أحمد زايد في لقاء مع “العرب” قدم خلاله قراءة في  التوجهات التي يسير فيها قطار كورونا، والتداعيات المتوقعة على الصعيدين الفردي والمجتمعي.

كلما طالت الفترات الزمنية التي يقضيها الناس تحت ضغط العزل الذي فرضه انتشار وباء كورونا زادت المشكلات النفسية والاجتماعية، التي لا تقل خطورة عن الإصابة بالوباء ذاته. وتخشى الحكومات والخبراء من أن تكون للمعركة ضد الفايروس جبهة أخرى، غير مباشرة، وهي حالة القلق التي تصاحب حالة العزل القسري وغياب الشعور بالأمان بين الناس بمرور والوقت.

ويحذر الصحفي بوشعيب البازي من الضغط النفسي، خاصة إذا ما ترافق مع أزمة مادية واجتماعية، قد يولّد انفجارا وتصبح غريزة البقاء هي المحرك رغم أن في الأمر مخاطرة، ضمن معادلة متناقضة: الهروب من الضيق المادي والنفسي عبر المخاطرة بالتجمع واحتمال نقل العدوى.

ويشير بوشعيب البازي  إلى أنه من الصعب التفرقة بين المخاطرة الفردية والمجتمعية في خضم وباء مثل كورونا، فالفرد إذا غامر بحياته الخاصة خلال الظروف التقليدية يضر ذاته فقط، أما حاليا تمتد مساحة الضرر إلى المخالطين الذين سينقلون العدوى إلى الآخرين حتى يصبح المجتمع كله في خطر.

ويلفت إلى أن المخاطرة الذاتية تتزايد معضلتها في الدول التي تسيطر على أفرادها منطلقات فكرية مرتبطة بـ”القدرية”، فالذين يواصلون حياتهم كالمعتاد دون اعتبارات لإمكانية نقل العدوى لشبكة الأقارب والأحباء يرفعون دائما شعارا اتكاليا، مفاده بأن “قدرك سيبصيبك مهما فعلت”.

الشعور بالأمان هو البضاعة الأكثر ندرة وطلبا في فترات المخاطر، فقلة المعلومات وتضاربها حول كورونا وحضانته وطبيعة العدوى والمناعة التي يحصل عليها الإنسان بعد الإصابة تفتح مساحات واسعة من القلق وتدفع البعض للتكالب على تخزين السلع والأدوية والبضائع، كما لو كانت النهاية على الأبواب.

وتتزايد المخاوف من تقسيم الوباء البشري لفريقين، أحدهما يعاني من الفوبيا والذعر ويصل إلى حواف الأمراض البسيكوماتية فيشعر بأمراض جسدية مؤلمة مرتبطة بحالته النفسية، وفريق آخر تقوده نظرة انتحارية يُعلي فيها المخاطرة الفردية على المجتمعية.

ويتشكل السيناريو الأسوأ مع مضي الوقت داخل الحجر المنزلي وليالي حظر التجول الطويلة، واختناق المعزولين ماديا مع نفاذ البضائع التي يمتلكونها، ليصل الأمر بهم، أغنياء وفقراء، لنقطة يتحركون فيها غير عابئين بالعدوى بحثا عن غذاء أو دواء و خاصة أولائك الذين يقطنون في دور الصفيح أو منازل ضيقة.

حالة اللاوعي في التصرف ربما نستشفها مع بداية انتقال العدوى، مثلا في بعض الأسواق الشعبية  المكتظة بالمواطنين وفوق وجميعهم يحاولون الرجوع إلى بيوتهم قبل موعد حظر التجوال الذي تم فرضه لمنع انتشار فايروس كورونا، ليتحولوا بأنفسهم إلى حاضنات مثالية للوباء ذاته.

يتكرر المشهد في الهند التي يتجاوز سكانها المليار نسمة، والتي ألزمت سكانها بالبقاء في بيوتهم ثلاثة أسابيع في أكبر عملية إغلاق بالعالم للحد من انتشار المرض، فتجمع مئات الآلاف بمحطات القطارات في مشاهد حشر عظيمة للحاق بآخر فرصة للعودة إلى مدنهم الأصلية غير عابئين بنقل العدوى إلى أهلهم وأقرانهم في بلدانهم الأصلية.

اليوم، تجمع هؤلاء في مسعى للعودة إلى ديارهم، لكن غدا، وإذا اشتدّت الأزمة وتحولت عملية العزل إلى عملية ضغط مادي ونفسي قد ينفجر هؤلاء ويمتلئ القطار من جديد في رحلة عودة إلى الحياة اليومية رغم ما يعنيه ذلك من مخاطرة.

سيكولوجية الوباء

تخشى الحكومات والخبراء من “سيكولوجية الوباء”، أكثر من  الوباء ذاته، الذي يخلق موجات من التناقضات القيمية السلوكية، تكسر معها الروتين اليومي المعتاد للشعوب، وقد تعصف بهم موجات من اليأس وعدم اليقين حول المستقبل، ويصبح القلق محركهم في غمار الحياة.

ويوضح بوشعيب البازي  أن ثقة الناس في حكوماتهم ومؤسساتهم وفي تعاملات شركاتهم وأرباب أعمالهم معهم، من العوامل الأساسية في تحديد سلوكياتهم في خضم انتشار الأوبئة، و كلما شعر الناس بالأمان كانت القدرة أكبر على الاحتواء.

وتتزايد حمى التناقضات يوميا مع تزايد القيود على الحركة، فمثلا أن يرفض البعض إغلاق المساجد مستعينا بحجج واهية. كما خرجت مسيرات التكبير لرفع البلاء، رغم حظر التجمع، على غرار ما حصل في مدينة طنجة و غيرها من المدن ، فيما اعتبر نائب تونسي الفايروس عقابا للحكومات على تحريمها النقاب.

ويؤكد الصحفي بأخبارنا الجالية بوشعيب البازي  أن المجتمعات عندما تعجز معارفها عن فهم طبيعة الأسباب تهرول إلى الخرافة والتفسيرات الدينية المريحة. ويشير إلى أن الحسم الحكومي يمثل طوق النجاة، فلا بديل عن اللجوء إلى قوة القانون في تطبيق قرارات التباعد الاجتماعي وعدم ترك الأمور للخيارات الشخصية، لكن مع نوع من الإنسانية في التنفيذ، ودون انتهاج الأساليب القديمة.

ويعتبر كذلك أن العقد الاجتماعي المبرم بشكل فعلي أو افتراضي بين الحكومات والشعوب يحدد الحقوق الخاصة بكل فئة والواجبات المفروضة عليها، وفي الأزمات الصحية يجب على الطرفين التشارك في المواجهة، وحال كالتي تمر بها المجتمعات اليوم لا بد أن يلتزم الناس بالتخلي عن حقهم في حرية الانتقال مؤقتا، من أجل المنفعة العامة.

لا بديل عن اللجوء إلى قوة القانون في تطبيق قرارات التباعد الاجتماعي وعدم ترك الأمور للخيارات الشخصية، لكن مع نوع من الإنسانية في التنفيذ

تظل أخطار كورونا المجتمعية مُعلقة بحبال الوقت، كلما طال حجز الأفراد داخل المنازل، تفاقمت أرقام الإصابات والوفيات التي يتابعونها يوميا، وأصبحت الاعتلالات النفسية تهدد الفرد، وتتسرب عدواها إلى الأسرة الصغيرة، فالكبيرة وربما تصل إلى المجتمع بأكمله.

يسبب طول الفترة الزمنية التي يفشل فيها العلم في اكتشاف حل لمشكلة كورونا في تنامي متلازمة “الكورونوفوبيا” أو شعور الأفراد المستمر بالخوف من الموت أو فقدان عزيز أو التعطل أو التعرض لظروف مادية سيئة، وغالبا ما تصاحبها أعراض مرضية مثل اضطرابات النوم أو التنفس السريع وخفقان القلب.

ويرى  أن على كبار السن أن يلعبوا دورا أكبر في نقل الخبرات إلى الفئات العمرية الأقل في تخفيف حالة الهلع وتقليل الإحساس بالملل وقتل الوقت البطيء في المنازل خلال فترات حظر التجوال التي يمكن ترجمتها إلى فرص اجتماعية تعالج اختلال المنظومة القيمية داخل الأسر التي فرقتها مواقع التواصل الاجتماعي.

ويشدد على أن آفة المجتمعات العربية في انتشار الأمية وغياب الثقافة والاعتماد على العالم المتقدم والاكتفاء بالانتظار حتى يحل العالم المتقدم المشكلة، ورغم أن العرب من أكثر الشعوب استخداما للإنترنت لكنهم لا يوظفون الشبكة في مساعدة جهود الحكومات والتوعية بالمرض.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: