فتوى الاستفادة من القروض البنكية تثير الجدل مجددا في المغرب
فجرت فتوى العالم الإسلامي أحمد الريسوني بإجازة الاستفادة من قروض بنكية تجارية بسعر فائدة منخفض لإنجاز مشروعات، جدلا حادا في المغرب بين مرحب ومعارض. ففي فبراير الماضي أطلقت الحكومة المغربية برنامجا جديدا يحمل اسم «انطلاقة» لدعم وتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة والشباب الراغبين في إقامة مشاريع، يتضمن البرنامج قروضا بمعدلات فائدة منخفضة وغير مسبوقة، حدها الأقصى 1.75 في المئة بالنسبة للمستفيدين في الأرياف، و2 في المئة في المدن. وفي تسجيل صوتي له نشره موقع «العمق المغربي» المستقل اعتبر أحمد الريسوني أن القروض الحكومية ضمن هذا البرنامج «شرعية وليست ربوية كما يدّعي البعض.. وستساهم في التقليل من نسب البطالة».
ويرأس الريسوني (67 عاما) حاليا «اتحاد العلماء المسلمين» في المغرب. وهو حاصل على دكتوراه في أصول الفقه عام 1992، وشغل في السابق منصب نائب رئيس الاتحاد. ولتفعيل البرنامج الحكومي، أنشأ المغرب «صندوق دعم وتمويل المقاولات» بميزانية 8 مليارات درهم (821 مليون دولار)، تساهم فيها الحكومة والبنوك بـ3 مليارات درهم (308 ملايين دولار) لكل واحدة منهما، وصندوق «الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية» بملياري درهم (102 مليون دولار). وتشير توقعات الحكومة إلى استفادة 13 ألفا و500 شركة صغيرة ومتوسطة من القروض، والمساهمة في خلق 27 ألف فرصة عمل جديدة. وبلغت نسبة البطالة في المغرب حتى نهاية 2019 نحو 9.2 في المئة، مقارنة مع 9.5 في المئة خلال 2018، بعدد عاطلين يبلغ 1.107 مليون، حسب «المندوبية السامية للتخطيط» وهي الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء. وأشاد الريسوني بـ»التوجه الاجتماعي لمبادرة الدولةالرامية إلى تشجيع البنوك على تقديم قروض مُخفَّفة ومُيسّرة ومضمونة بنسب ضئيلة». وأثار موقف الريسوني ردود فعل متباينة بين مؤيد ومرحب، حيث خرج الوزير السابق محمد نجيب بوليف (عن حزب العدالة والتنمية)، ليُحرم الأمر، معتبرا أن البنوك الإسلامية هي البديل، ومؤكدا عبر صفحته على «فيسبوك» أن «الربا قليلة وكثيرة له نفس الحكم».
كما قال طلال لحلو، الباحث ورئيس فرع الرباط للجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي غير الحكومية، أن «الحرام يبقى حراما ولو كانت نسبة الفائدة قليلة ولو فعله جُلّ الناس». وأضاف قوله «إن من أفتى بجواز القروض بفائدة قليلة يتعاون على الإثم من حيث لا يشعر، وهو يحسب أنه يُخفِّف على الناس».
وتابع القول «هذه الفتوى هي تهوين كبيرة الربا في أعين الناس، مع أنها من الكبائر، والتساهل في ضوابط الضرورة والتساهل في الخلط بين الحاجة غير المهلكة والضرورة المهلكة».
وقال أيضا «بالنظر إلى المقاصد، يجب التشجيع على سلوك سبل الحلال وتنشيط المالية الإسلامية، وذلك باعتماد البنوك التشاركية في هذه العملية وليس تهميشها بالعودة إلى تقوية عمل البنوك الربوية».
كذلك قال الداعية حسن الكتاني أن «فتوى أحمد الريسوني لا توافق النصوص الشرعية، ولا تقريرات فقهاء الإسلام، فلعله يعيد النظر فيها». وأضاف في تدوينة عبر صفحته على «فيسبوك» أن «الاقتباسات الشرعية تدل على تحريم الربا بدون استثناء».
في المقابل رأى أحمد الرزاقي، رئيس «مركز بحث للقيم والدراسات المعرفية» غير الحكومي، أن «فتوى الريسوني، كان لها الفضل في تحريك مياهٍ آسنة، وهي متعلقة بتحقيق مُناط الأحكام الشرعية». وأضاف «إن الفتوى والاجتهاد معمول بهما لدى العلماء قاطبة، منذ عهد الرسول الأكرم والصحابة، خاصة عمر بن الخطاب». وأوضح أن «الاجتهاد بتحقيق المناط هو اجتهاد عام بجميع النصوص، حتى لا يقال أنه اجتهاد في نصوص قطعية، ونحتاج إليه في كل عصر وزمان، لأنه لا يتعلق بفهم النصوص، إنما بمدى مطابقتها للواقع».
وأضاف أن «الريسوني يفتي من اجتهاده الخاص، وهكذا ظهر له أن الفائدة البسيطة من القروض لا تجر نفعا خاصا بالدولة، بل ستكون بدل أتعاب موظفي البنوك الذين سيشرفون على تقديم القروض».