الحجر الصحي العام يضاعف أوجاع الفقراء بالمغرب

المد التضامني يمنع الانهيار الاجتماعي الناتج عن كارثة فايروس كورونا

ليست كل مخاطر فايروس كورونا ترتبط بتسلله إلى جسد الإنسان، فلربما الإصابات أوجعت أجساد الفقراء في العالم، الذين يتحاشون معاناة الوباء فيعانون أوجاع الجوع، إذ تعتبر طقوس العزل، الذي يعني لدى البعض البقاء في المنزل وممارسة التدريبات المنزلية أمام أجهزة التلفزيون الذكية ذات الشاشات الكبيرة وطهي الطعام الذي تم طلبه عبر الإنترنت وقضاء المزيد من الوقت في الساحات الخلفية للمنازل، موضوعا غير مطروح بالمرة بل سيناريو خيالي.

 ”أنا شخص إيجابي، ولكن الآن، ولأول مرة منذ 20 عاما لم أفتح ورشتي”، يقول عبدالكريم (48 عاما) . ويضيف “استمرار الوضع هكذا ينذر بكارثة بالنسبة لي، لست موظفا في القطاع العام أتلقى مرتبا نظير جلوسي في المنزل، من أين لي أن أؤدي معاليم كراء الورشة والمنزل؟”.

هو ليس الوحيد الذي يواجه هذه المحنة، فالملايين في المغرب الذين يعملون بأجور يومية يواجهون المصاعب نفسها. فقرار الحجر الصحي العام يعني أنهم سيحرمون من أي دخل. ومن المرجح أن الكثير منهم سيواجهون شحّا في الطعام في الأيام القادمة.

ويتابع عبدالكريم “سيطردني صاحب المنزل والورشة الذي يعول على معاليم الكراء بدوره لإعالة عائلته.. سأكون في صفوف الفقراء بعد فترة وجيزة”.

فقراء جدد

إذا لم أعمل لن أطعم أطفالي
لا يختلف عاقلان على أنّ الطريقة الوحيدة التي أثبتت جدواها في احتواء انتشار

كورونا تكمن في عدم اختلاط الناس ببعضهم البعض، هذا ما أثبتته ولاية ووهان الصينية، بؤرة الوباء، التي تمكّنت وحدها من بين دول العالم من القضاء على الوباء من خلال الحجر المنزلي والقدرات الطبية، وهذا ما أثبته السيناريو الإيطالي الكارثي الذي تجاهل هذه المقاربة في الأسابيع الأولى، وها هو الشعب الإيطالي يدفع أثمانا باهظة، والمشاهد المأسوية من هناك للجثث والمصابين أبرز دليل. في الدول العربية أيضا لن يوقف اجتياح كورونا سوى الحجر المنزلي.

ينذر الوضع في المغرب بتزايد نسبة الفقر وإضافة فقراء جدد للقائمة. والفقراء الجدد هم بالضرورة من الطبقة الوسطى التي أنهكها التخبط الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي.. هذه الطبقة التي تضررت بشدة وخسرت كل مدخراتها خلال السنوات الماضية تتكون من صغار الموظفين في القطاعين العام والخاص إضافة إلى أصحاب المشاريع الصغرى وعمال المصانع والمهن الحرة، وإذا ما أضفنا إليهم العاطلين عن العمل والطبقات الهشة التي تعيش على هامش المجتمع نجد أن الفقراء الجدد المتضررين من أزمة كورونا مع الفقراء سيشكلون ثلثي المجتمع.

ولا يعتبر المغرب استثناء عربيا، إذ أعلنت لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا “إسكوا”، الأربعاء، أن 8.3 مليون شخص في المنطقة العربية مهددون بالفقر بسبب فايروس كورونا، مُشيرة إلى أنه من المتوقع أن يزداد أيضا عدد الذين يعانون من نقص في التغذية بحوالي مليوني شخص. ولفتت “إسكوا” إلى أن ما مجموعه 101.4 مليون شخص في المنطقة سيصنفون في عداد الفقراء، وسيبلغ عدد الذين يعانون من نقص في التغذية حوالي 52 مليونا.

وأشار البيان نفسه إلى أنه من المتوقع أن يطال غياب الحد الأدنى للحماية الاجتماعية في بعض البلدان العربية والتغطية غير الشاملة لنُظُم الحماية، الفئات الأكثر عرضة للمخاطر، التي ستفتقر إلى أبسط مكونات الصمود خلال تفشّي الوباء.

8.3 مليون شخص في المنطقة العربية مهددون بالفقر بسبب فايروس كورونا

ووفقا لصندوق النقد العربي، ومقره الإمارات العربية المتحدة، فإن حوالي 40 في المئة من العمالة العربية تعمل في القطاع غير الرسمي. في حين تقول منظمة العمل الدولية إن النسبة الحقيقية تزيد على 60 في المئة.

ووفقا لصندوق النقد العربي، فإن نسبة رواد الأعمال في قطاعات التوظيف تزيد على 80 في المئة، ويقصد بهم أصحاب المشروعات الذين لا يتلقون رواتب من جهة توظيف.

وبحسب المصدر نفسه، يعطّل الوباء سلاسل الإمداد العالمية، ويؤثر على الأمن الغذائي في العديد من البلدان العربية بسبب اعتمادها الكبير على الواردات الغذائية، فيما تخسر الدول العربية حوالي 60 مليار دولار سنويا بسبب فقدان الأغذية وهدرها.

ونقل البيان عن الأمينة التنفيذية لإسكوا، رولا دشتي، “ستكون عواقب هذه الأزمة شديدة على الفئات المعرّضة للمخاطر والعاملين في القطاع غير النظامي، ممّن لا يستفيدون من خدمات الحماية الاجتماعية ولا من التأمين ضد البطالة”.

وأضافت “لا بد من أن تنفذ الحكومات العربية استجابة طارئة وسريعة من أجل حماية شعوبها من الوقوع في براثن الفقر وانعدام الأمن الغذائي، نتيجة لتداعيات وباء كورونا”.

وشددت على ضرورة أن تكون الاستجابة الإقليمية داعمة للجهود الوطنية، داعية إلى “تعبئة الموارد والخبرات لحماية الفقراء والأشخاص المعرّضين للمخاطر”.

عواقب الأزمات تكون  شديدة على العاملين في القطاع غير الحكومي، ممن لا يستفيدون من خدمات الحماية الاجتماعية

وقال إحصاء لمؤسسة إيبسوس إن انتشار فايروس كورونا يظهر حالات واضحة من عدم المساواة، أبرزها أن نسبة كبيرة من الناس أصبح بإمكانهم العمل من البيت، بينما الفقراء إما عليهم أن يعملوا رغم الخطورة أو يخسروا أعمالهم.

ووجدت الدراسة الأميركية أن من لديهم تعليم ودخل أقل من المرجح أن يستمروا في الذهاب إلى أماكن عملهم، مما يعرضهم إلى الإصابة بالفايروس.

ووفق الدراسة، فإن من المفارقات أن من لديهم موارد أكثر وهم أقل عرضة للإصابة بالفايروس هم من يشتكون من تضرر صحتهم العاطفية.

وأوضحت الدراسة أن الأغنياء والأثرياء حافظوا على وظائفهم عبر العالم الافتراضي أما الطبقة العاملة والفقراء فهم أكثر عرضة لفقدان وظائفهم.

وترتبط الشواغل المتعلقة بالأمن الوظيفي والقدرة على دفع الفواتير بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي. وهناك أيضا ارتباطات على أساس الأصل العرقي والعمر والمنطقة في البلد وما إذا كانوا يعيشون في بيئات حضرية أو غير حضرية، ولكن يبدو أن الدافع هو الوضع الاجتماعي والاقتصادي.

وخلصت الدراسة إلى أنه كلما ارتفع دخل الأسرة كلما ارتفعت نسبة العمل عن بعد.

لقمة عائلية

كورونا عوض الموت جوعا

انتشر قبل أيام مقطع فيديو لشاب أردني ألقت عليه الشرطة القبض وهو في طريقه إلى العمل. ويظهر الشاب وهو يقاوم الشرطة ويصرخ أنه يريد العمل لتوفير احتياجات أسرته. وسلط المشهد الضوء على الأزمة التي يعيشها الملايين في الدول العربية، ممن يعملون في وظائف بأجر يومي، أو ترتبط باستمرار دورة رأس المال وفتح المحال.

وتتوالى القصص لعمال بسطاء يصرون على الخروج إلى العمل رغم إجراءات حظر التجول، ويشاركون معاناتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويقولون إنهم يفضلون العدوى وربما الموت على أن يظلوا بلا عمل. وفي لبنان وجّه وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي لدى إعلانه الخطّة التنفيذية لإلزام المواطنين الحجر المنزلي من أجل احتواء فايروس كورونا رسالة مفادها “سننزلق نحو المجهول، احموا أنفسكم وأولادكم ومجتمعكم. الوضع مخيف، ولو أكلنا لقمة زيتون”.

ويقول معلق على كلام الوزير “نقدّر له حرصه على صحة المواطنين ، ولكن ماذا عن فايروس الجوع الذي اجتاح منازل الفقراء وبات يهدّد أطفالهم؟ ألا يشكّل خطرا على صحّتهم؟” ويسأل “من قال لكم إنّ هؤلاء قادرون على تأمين حتّى كسرة الخبز والزيتون؟ هل تصفون للأطفال والرضع الخبز والزيتون أيضا؟”.

ومع ذلك، ستكون الخسائر البشرية التكلفة الأكثر أهمية وهي التي قد تؤدي إلى التفكك المجتمعي. يمكن أن يقرر أولئك الذين تُركوا بلا مال أو عمل مهاجمة أولئك الذين هم في وضع أفضل.

العمل من أجل لقمة العيش

حذّر المواطنين  من خطر حصول انفجار اجتماعي خلال الفترة المقبلة في حال استمر التباطؤ الحكومي في تقديم المساعدات، قائلا “لقد وعدوا الناس بأنهم سيقدمون لهم المساعدات حتى يحترموا تدابير الحجر الصحي العام لمنع انتشار العدوى لكن الأيام تمضي دون وصول تلك المساعدات وهذا سيتسبب في تفجر الاحتقان”.

فوقوع توترات اجتماعية في مثل هذه الأزمات حتى في أقوى دول العالم، مشيرا إلى أن العالم يمر باختبار صعب في ظل انتشار فايروس كورونا.

ويقول خبراء عالميون إنه إذا خرج المزيد من المواطنين من الأزمة الحالية دون مال ووظائف والرعاية الصحية، وإذا أصبح هؤلاء الناس يائسين وغاضبين، فقد تصبح مشاهد مثل هروب السجناء أو النهب شائعة.

وإذا اضطرت الحكومات إلى استخدام القوات شبه العسكرية أو العسكرية لقمع أعمال الشغب أو الهجمات على الممتلكات، فقد تبدأ المجتمعات في التفكك. وبالتالي، ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي وربما الوحيد الذي تركز عليه السياسات الاقتصادية متعلقا بمنع الانهيار الاجتماعي.

وتبرز في هذه الحالة قيمة الأسر في المجتمعات العربية التي تقدم لأعضائها دعما معنويا وماديا. كما تظهر هذه الأزمة دور المجتمع المدني في التخفيف من حدتها.

وتشتد عزيمة جمعيات خيرية وشباب متطوعين، لمؤازرة المتضررين من التدابير الاحترازية المفروضة، لا سيما من خسروا أعمالهم، ويجدون صعوبة في إعالة عائلاتهم.

ويضيف “هدفنا هو تلك العائلات التي تواجه صعوبات كبيرة، ونحن نريد أن نبعث برسالة مفادها أننا سنقف مع بلادنا، وهذا واجبنا، ولطالما كنا في الهلال الأحمر رائدين في مجال الإغاثة، وسنكون في الخدمة دائما”.

وتقول منوبية، ناشطة مدنية ومنسقة أيضا، “اليوم نسعى جميعا إلى وضع اليد في اليد.. ونأمل ألا نصل مرحلة تنقطع فيها كل المستلزمات، لا سيما مع الوضع الذي نعيشه.”

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: