دعوة لإحراق امرأة ضحية كورونا تثير ردود فعل غاضبة في تونس
شهدت منطقة صغيرة شمال تونس احتجاجات نادرة بين قوات الأمن ومواطنين رفضوا السماح بدفن جثمان امرأة توفيت بعد إصابتها بفايروس كورونا خوفا من انتشار الوباء بين المعزين ومرافقي الجنازة. وطالب المحتجون بدفن المرأة خارج المنطقة أو حرق جثمانها.
وأثارت هذه الحادثة جدلا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وامتد صداه بسرعة إلى السلطات الرسمية، حيث عقد ممثلو وزارات الشؤون المحليّة (البلديات) اجتماعا أشرف عليه نجيب الخلفاوي رئيس ديوان الوزير وبحضور ممثلين عن والشؤون الدينية والدفاع والصحة والداخلية، وخصّص اللقاء لمناقشة التدابير الخاصة بنقل موتَى ضحايا فايروس كورونا ودفنهم.
وستفتح هذه الحادثة الباب أمام جدل أوسع ليس في تونس فقط، ولكن في الدول العربية والإسلامية في حال اتسعت قائمة ضحايا الفايروس على شاكلة ما يجري في إيطاليا وإسبانيا، حيث باتت الأعداد اليومية للموتى أكبر من قدرة السلطات المحلية على توفير عمليات الدفن وفق التقاليد الدينية الخاصة بكل فئة من المجتمع، ما اضطرها إلى حرق الجثامين لتأمين حياة الناس.
ومن المتوقع أن تلقى الدعوة إلى إحراق ضحايا كورونا غضب الجهات الدينية الرسمية، وخاصة المؤسسات المرتبطة بالتيارات الدينية التي دأبت على تلقف أيّ فتاوى لا تتماشى مع أفكارها لشن حملات واسعة ضد السلطات الرسمية والمثقفين والمفكرين الذين ينتصرون لأفكار جديدة.
وكانت فتاوى نادرة قد أجازت في أوقات سابقة أن تُحرَق جثة مريض الطاعون (إيبولا مثلا) بعد موته إن كان الحرق هو الوسيلة الناجعة للحَدِّ من انتشار الوباء في الأحياء، على أن يتم دفنها بعد ذلك. كما أجازت عدم الغسل “مظنة حصول العدوى”.
وانضمت جامعة الشريعة في تونس بشكل مبكّر إلى الجدل وأصدرت فتوى بمقاسات خاصة لقطع الطريق على دعوات حرق الموتى، أو الضغط لتغليب البعد الصحي على البعد الديني مثلما حصل بعد قرار الحكومة إغلاق المساجد بشكل مؤقت لمنع انتشار الفايروس.
وأصدر مجموعة من أساتذة الشريعة بيانا شددت فيه على أنّ “الدّفن يكون في مقابر المسلمين، ولا يسوّغ لأحد الاعتراض على ذلك، خاصّة وأنّ الإشراف على الدّفن تتولّاه الجهات المختصّة”، وهذا إجابة مباشرة على مطالبات بدفن المرأة المتوفاة بكورونا خارج المدينة.
وأضافت أن “الميّت الذي تُوفِّيَ بوباء كورونا، (يمكن أن) يُدْرَج في أكياس معدّة لذلك جرى استعمالها في المستشفيات، وفائدتها أنها تمنع العدوى بسبب خروج إفرازات من الميّت تكون مُحمّلة بالفايروسات”.
وأشارت إلى أن “هذا الوباء عمّ أكثر البلدان، وظهر خطره وفتكه بالأرواح للقاصي والداني، ولا مجال للاستخفاف والتهوين من ضرره (…) وأنه لمّا كان من كليات الشريعة ومقاصدها الكبرى حفظ الأنفس والمُهج التي بها قوام الأديان، كان لزاماً على أهل العلم بيان الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بذلك، وهي أحكام تراعي ما يحفّ بهذا الوباء من استثناءات تميل به إلى الترخّص ومراعاة الواقع المستجدّ”.
ورغم تضمن “الفتوى” اعترافا واضحا بالأخطار الصحية لدفن ضحايا الفايروس على الناس، إلا أنها لم ترد مقاربة أمر الحرق خوفا من أن تثير غضب الجمهور المتدين الذي صفق لرئيس جامعة الزيتونة هشام قريسة في موقفه الرافض للقرار الحكومي بإغلاق المساجد.
وبدت مبررات قريسة وقتها في الدفاع عن بقاء المساجد مفتوحة بالرغم من وضوح الأخطار وتهديد “الأنفس والمُهج” غير مقنعة، وغير مبنيّة على أيّ اجتهاد ديني، خاصة أن المساجد هي أقرب الأماكن لنقل الفايروس بسبب التزاحم، وأنه كان على قريسة أن ينتبه إلى أن حفظ النفس مقدّم على ما سواه بما في ذلك حفظ الدين، وفق ما تقول مقاصد الشريعة.
وينتظر أن يكون موضوع التعامل مع ضحايا كورونا قضية الساعة في البلدان العربية، وأن يتم التشديد على اتّباع إجراءات حازمة لمنع انتشار الفايروس.
وأصدرت اللجنة الوزارية للفتوى لدى وزارة الشّؤون الدّينية والأوقاف في الجزائر، بيانًا حول تجهيز الميت المصاب بفايروس كورونا ودفنه، حيث أشارت إلى أنّ السلطات “أخذت على عاتقها التكفل بغسل الموتى المصابين بمرض كورونا، وتكفينهم ودفنهم”.
ودعت اللجنة إلى “وضع الجثة في تابوت مغلق أو في غطاء محكم قبل أيّ عملية نقل”.
وأفتى علماء كويتيون بعدم جواز غسل الميت بفايروس كورونا، مؤكدين سقوط واجب التغسيل عنه، خوفا من انتقال المرض للأحياء، وحثوا على عدم جلب جثمان الميت من الخارج، خاصة إذا كان مقيما في بلد غير بلده، وأن يدفن في البلد الذي توفي فيه.