ترامب يسقط في فخ كورونا

حنكة رجل الدولة تظهر عند المحن، فالأزمات تشكل الاختبار الحقيقي لبروز مهارات القادة السياسيين القادرين على احتواء الموقف وتخفيف الخسائر بمعالجة عقلانية ونظرة استشرافية لمسار الأحداث. وكانت جائحة كورونا امتحانا صعبا لكشف المعدن الحقيقي للأنظمة السياسية.

يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد سقط سقوطا في اختبار أزمة تفشي فايروس كورونا في بلاده، وتعامل بنوع من الاستهتار حيال دعوات خبراء في مجال الصحة لضرورة أخذ الحيطة والحذر، وكانت النتيجة كارثية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

فعدد المصابين بهذا الوباء في الولايات المتحدة قد تجاوز عتبة الـ160 ألف شخص، وهي حصيلة لم تسجل في الصين مهد كورونا، ولا حتى في إيطاليا التي تودّع المئات من ضحايا كوفيد- 19 كل يوم.

سقط ترامب في فخّ كورونا، فقد دفعه جشعه الاقتصادي إلى عدم فرض حجر صحّي شامل في كامل البلاد كإجراء استباقي لتفادي الكارثة. لم يستفد الرئيس الأميركي من الدرس الإيطالي، فالسلطات هناك تدفع إلى اليوم ثمن تهاونها بمدى خطورة كوفيد- 19 الكامنة في سرعة انتشاره.

شبح الانهيار يهدّد اليوم المنظومة الصحية الأميركية، فتطوّرها لم يشفع لها أمام عدد المصابين الذي قدر بالآلاف يتوافدون بشكل يومي على المستشفيات، ويكمن التحدي في القدرة على الاستجابة واستيعاب هذا العدد الهائل من المصابين في وقت وجيز.

فقد سجلت الولايات المتحدة 20 ألف حالة إصابة جديدة خلال 24 ساعة فقط، وهو ما سلّط ضغوطا كبيرة على الهياكل الصحية للدولة واستنفد مخزونها من المعدات الطبية كما سيضع الأطباء أمام اختبار قاس باختيار من سيعيش ومن سيموت.

هذا التعاطي السطحي مع أزمة كورونا، وضع ترامب أمام موجة شرسة من الانتقادات حمّلت ساكن البيت الأبيض المسؤولية كاملة لما آلت إليه الأوضاع، فقد علّق بيل غيتس على الأزمة قائلا “لقد فوتت الولايات المتحدة فرصة السيطرة على كورونا”.

قصر نظر الرئيس الأميركي وسوء تقديره للموقف، جعل من هذه الأزمة لحظة فارقة، ستغيّر مسار انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في شهر نوفمبر من هذا العام، كما ستحدّد ملامح أي مصير سياسي ينتظره.

مما لاشك فيه أن جائحة كورونا ستوجه ضربة موجعة إلى حظوظ الرئيس الأميركي كمرشح جمهوري في انتخابات الرئاسة المقرّر إجراؤها في شهر نوفمبر من هذا العام. فتعاطي الإدارة الأميركية مع كورونا بسياسة الأيدي المرتعشة سيوسّع من دائرة المنتقدين والمعارضين لترامب حتى من بين أنصار الحزب الجمهوري، مما يفقده الزخم الانتخابي.

وبالتالي فإن نجاح الدولة في هذا المضمار سيُحسب لصالح النظام الحاكم، والفشل سيتحمل عواقبه النظام ذاته. وبإسقاط ذلك على النموذج الأميركي سيدفع ترامب الثمن باهظا لتخاذله وربما سيضع ذلك حدّا لمسيرته السياسية المفتقرة إلى عنصر الخبرة الواجب توفره في القائد السياسي.

فالرئيس الأميركي رجل اقتصاد بامتياز يفقه عالم المال والأعمال، لكنه حديث العهد بدواليب السياسة ويفتقد ميزة رجل السياسة المحنّك الذي يرتكز على عامل الخبرة للتعاطي مع مثل هذه الأزمات بعقلانية وبنظرة استباقية.

أدبيات إدارة الأزمات على مستوى الدول باتت علما يُدرّس في الجامعات، فلا يصحّ العمل في هذا المضمار لمن لا يمتلك الخبرة، ولا يفقه شيئا عن التجارب والنظريات والمدارس السياسية.

فالجهل بالسياسة يُترجم بقرارات خاطئة قد يكون بعضها خطيرا يصل إلى درجة تهديد المصير في ظروف استثنائية كالتي تمر بها الولايات المتحدة اليوم.

أظهرت جائحة كورونا البون الشاسع بين دول تحركت في الوقت المناسب ونجحت في احتواء الوضع بأخف الأضرار الممكنة مثل الصين وكوريا الجنوبية، وبين دول أساءت تقدير الموقف وتحركت في الوقت الضائع كالولايات المتحدة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: