عمال النظافة في المغرب يواجهون أخطار كنس كورونا

الشوارع خالية من المارة إلا ما ندر، فالمغرب في حالة طوارئ صحية غير مسبوقة، يقتصر التنقل على الالتحاق بأماكن العمل بالنسبة لأولئك الذين لا غنى عن حضورهم.

إنهم عمال النظافة الحاضرون في كل مكان، لكننا بالكاد نراهم، لا أحد ينتبه إليهم، على الرغم من أن لا حيّ يخلو منهم، ولا عين تخطئهم. شوارع المدن وأزقتها عناوينهم التي يفنون فيها زهرة عمرهم من دون مظلة تحميهم من لهيب الشمس وزمهرير الشتاء.

“الفايروس سيء الذكر زاد الطين بلّة، فنحن نواجه على الدوام، بصدر عار، خطر الإصابة بالأمراض بسبب تفشي الجراثيم والفطريات حول حاويات القمامة وداخلها، وها نحن اليوم نواجه عدوّا جديدا قد يصيبنا على غفلة منا”، يقول أحمد، عامل النظافة، بحذر في إشارة إلى جائحة فايروس كورونا التي تجتاح مؤخرا البلاد والعباد.

يجوب هؤلاء العمال غير المرئيين الأحياء في أطراف النهار وحين يهجع الناس في آناء الليل، مسلحين بعصا تقف على مكنسة يميطون بها الأذى الذي يلقيه الأنام على الطريق وبجانبيه. فترى ذا شيبة بيضاء يكنس أطراف الشارع، وشابا في مقتبل العمر يرفع حاوية قمامة، غير آبه بالروائح النتنة التي تنبعث منها. “الروائح أهون علينا من الخطر المحدق بنا الآن. ولكن لا بد من نكران الذات والاستمرار في العمل حتى لا تتفاقم الأوضاع الصحية بسبب انتشار النفايات المطروحة أرضا في الأزقة والأحياء”، يقول العامل الشاب من تحت كمامته، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، داعيا المواطنين إلى “الالتزام بمبادئ السلامة والحرص على إقفال الأكياس جيدا قبل رميها في الحاويات. فذلك أكثر أمنا لنا ولكم”.

في معركة حماية الصحة العامة يجد عمال النظافة أنفسهم جنبا إلى جنب مع الطواقم الطبية في مواجهة الفايروس

يبدأ عامل النظافة عمله في الساعات الأولى من كل يوم جديد، دون اكتراث بأشعة الشمس الحارقة التي تلفح محيّاه أو البرد القارس الذي يشل جسده أو حتى الغبار الشديد الذي يسد أنفه، بهاجس وحيد هو تنظيف الأزقة والشوارع والفضاءات العامة والأسواق، وجمع النفايات المنزلية، حرصا على نظافة البيئة وسلامة المواطنين، خصوصا في ظل الإجراءات الاحترازية التي يفرضها الوضع الراهن.

حاملا مكنسته بقفازيه وعيناه متعلقتان بالحاوية الواقفة أمامنا، يقول أحمد، “مهنتنا مهنة خطرة. لا أتحدث عن الحوادث اليومية، أو خطر الإصابة بالزجاج أو الأدوات الحادة المتراكمة بالقمامة، فهذا أمر تعودنا عليه. بل أقصد مغبة تفشي الجراثيم والفايروسات، لأننا نتعامل بشكل مباشر مع المخلفات التي قد تكون معدية أو ناتجة عن شخص مصاب”، مستطردا، “لذا يجب أن يتذكر كل شخص، قبل رمي مخلفاته، أن من سيجمعها بعده إنسان مثله لديه أسرة وأطفال”.

هم الجبهة الثانية، أو لعلها الأولى، في معركة حماية الصحة العمومية جنبا إلى جنب مع الطواقم الطبية، إذ يجد عمال النظافة أنفسهم وجها لوجه في مواجهة “كوفيد-19”. بيد أن طيفا كبيرا لا يدرك وعورة هذه المهنة، خصوصا في ظل الظروف الراهنة، والأمراض التي تحاصر عمالها جراء عدوى الأمراض المنقولة من النفايات، وذلك على الرغم من كل التدابير الوقائية التي اتخذتها الجهات الوصية لفائدتهم ومن أجل حمايتهم، بالأساس من فايروس كورونا المستجد.

يقول أحمد “لدينا قفازات وكمامات للوقاية من الفايروس. ونقوم بتعقيم حاويات القمامة بمحلول خاص لقتل الجراثيم والفايروسات. وشاركنا أيضا في أيام تحسيسية بشأن كيفية حماية أنفسنا وغيرنا من هذه الجائحة، بأخذ الاحتياطات الضرورية واستعمال المعقمات والمطهرات. ويضيف، “لكننا بحاجة إلى المزيد من المستلزمات الوقائية ومنتجات التطهير والتعقيم حفاظا على حياتنا وحياة عائلاتنا”.

في معركته للقضاء على جائحة فايروس كورونا، أطلق المغرب حملة تطهير واسعة النطاق، من خلال تعقيم الهواء والتنظيف بالمبيدات الصحية، شملت مختلف المرافق العمومية والأسواق والحاويات والأزقة والساحات شارك فيها عمال النظافة أيضا. وتم توزيع الكمامات والقفازات

على العمال والسائقين، وأخذ الاحتياطات الضرورية، واستعمال المعقمات والمطهرات في أماكن تجمع العمال، وذلك في إطار الحملة الوقائية التي تقوم بها مختلف المصالح بإشراف من السلطات المحلية.

وفي التفاتة إنسانية محمودة، اجتاح وسم “شكرا عمال النظافة” مؤخرا، مواقع التواصل الاجتماعي تعبيرا عن عظيم الامتنان لهم لما يقدمونه من خدمات جليلة للمجتمع واعترافا بمجهودهم المبذول من أجل السهر على نظافة المدن والأحياء والحفاظ على البيئة.

ودعا عدد من الناشطين عبر الشبكات الاجتماعية عموم المغاربة إلى تخفيف العبء على قطاع النظافة، بتحمل كل مواطن مسؤولياته برمي النفايات في أماكنها المخصصة.

“عامل النظافة مثله مثل الطبيب الذي يداوي مرضاه والمعلم الذي يعلم طلابه. إذا لم يعمل البعض منا في هذه المهنة من أجل خدمة المجتمع، فمن سيقوم بهذه المهمة؟”، يتساءل أحمد بكل صدق مستحضرا قول الرسول صلى الله عليه وسلم “أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى الله أَنْفَعُهُمْ لِلّنَاسِ”.

يؤدي عمال النظافة واجبا وطنيا ساميا ومهمة اجتماعية نبيلة، صحيح أن مهنتهم لا تستلزم حل معادلات رياضية أو معالجة تعقيدات تقنية، بيد أن رسالتهم، على بساطتها الظاهرية، تحتاج روحا إنسانية ونكرانا للذات في سبيل المساهمة في تجميل المظهر الحضاري للمدن والمجتمعات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: