ملائكة الرحمة.. جنود الخفاء أبطال الحرب على الوباء
يرتعد كل العالم خوفا وهلعا من تفشي فايروس كورونا الذي يحصد الأرواح دون تفريق بين الناس على أساس الدين أو العرق أو الجنس، لكن في قلب هذه المعركة التي لا يعرف أحد متى ستنتهي وكيف، تتجند الطواقم الصحية من أطباء وممرضين وعاملين بالمستشفيات في كل بلد في الصفوف الأمامية لمحاربة عدو مرعب واستثنائي لإنقاذ البشرية وذلك بالعمل والتضحية بأنفسهم ساعات طويلة رغم إدراكهم المسبق لخطورة التعامل مع خصم لا مرئي يمكن أن يوقع بينهم ضحايا.
يقف العالم وهو في حالة استنفار وحرب كبرى ضد فايروس كورونا أو ما يعرف بكوفيد-19 وقفة إجلال للطواقم الصحية من أطباء وممرضين وعاملين بالمستشفيات سخّروا أنفسهم على ذمة بلدانهم وتجنّدوا لإنقاذ الناس من وباء خطير لا يوجد له علاج واضح إلى حد الآن.
وفي حركة هامة لتكريم الطواقم الصحية في هذا الظرف الصعب، خرج البريطانيون الخميس إلى شوارع مدن عدة تصفيقا لأعوان وموظفي خدمات الصحة الوطنية.
وتأتي هذه الخطوة بعدما أعلن رؤساء المستشفيات في بريطانيا أن تسونامي كوفيد– 19 قد غمرهم وأن بريطانيا تستعد لذروة تفشي الوباء في الأيام القليلة القادمة.
التضحية من أجل الغير
تجنّد الأطباء ليس فقط في بريطانيا بل في كل الدول التي تفشى فيها الفايروس على الخطوط الأمامية لمحاربة الوباء، إلا أنهم وعلى خلاف مسؤولي الأجهزة الحكومية الذين يظهرون باستمرار لمد الناس بمستجدات الأخبار، بقوا بمثابة جنود خفاء مجهولين يعرّضون حياتهم للخطر ويعملون ساعات طويلة ومتواصلة لإنقاذ حياة المرضى.
ويعاني كل أفراد الخدمات الصحية في كل بلد يقاوم كورونا من حالة إعياء ممزوجة بالخوف من خطر الفايروس إلى درجة أن ملامح وجوههم ترتسم عليها علامات زُرقة جراء ارتداء الكمامات لساعات طويلة من العمل.
العرفان بالجميل، لهؤلاء الجنود لم يقتصر على تصفيق الجمهور العادي في بريطانيا، بل إن العديد من أفراد العائلة البريطانية المالكة، مثل الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل وأبناء الأمير ويليام، ابن ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، وزوجته كيت دوقة كامبريدج، وقفوا بدورهم الخميس لتقديم التحايا للعاملين في مجال الرعاية الصحية ببريطانيا الذين يخاطرون بحياتهم من أجل إنقاذ الآخرين.
وذكرت في هذا الصدد، صحيفة “إندبندنت” أن أبناء الأمير ويليام جورج وشارلوت ولويس ارتدوا ملابس زرقاء، التي ترمز للعاملين في مجال الرعاية الصحية، وذلك خلال مشاركتهم في المبادرة التي أقيمت على مستوى بريطانيا لتحية هؤلاء العاملين.
ونشرت مقاطع فيديو قال فيها أفراد العائلة الملكية “إلى جميع الأطباء والممرضات ومقدمي الرعاية والأطباء العامين والصيادلة والمتطوعين وغيرهم الذين يعملون بلا كلل لمساعدة المتضررين من كورونا.. شكراً لكم”.
ووجه الأمير هاري وزوجته ميغان التحية عبر موقع “إنستغرام” لأفراد الرعاية الصحية لإظهار دعمهما لهم، وكذلك شارك الأمير تشارلز، الذي أصيب بـ”كورونا” وزوجته كاميلا في توجيه الشكر للفرق الطبية، ونشرا عبر “إنستغرام” أيضا خلال مصافحتهما لأفراد من الرعاية الصحية.
ودعا منظمو الفعالية الجمهور في بريطانيا إلى التصفيق من النوافذ أو الأبواب أو الشرفات لـ”أولئك الذين يعتنون بأحبائنا”، وحظيت المبادرة بمشاركة مئات الآلاف في جميع أنحاء بريطانيا مثلما شارك أخرون في مبادرات مماثلة في دول أوروبية بهدف الإعراب عن الامتنان للأطباء والممرضين.
تتعدد روايات المعاناة التي يعيشها الأطباء والطواقم الصحية بمختلف فروعها من بلد إلى آخر، فبين طبيب يخلع قناع وجهه (الكمامة) بعد 12 ساعة من العمل المتواصل وبين أطباء آخزين لا يجدون حتى أبسط مقومات الراحة للنوم قليلا، أو طبيبين عاشقين يواجهان فايروس كورونا معا ويؤجلان موعد زفافهما يتواصل التعب إلى أجل غير معلوم.
ووفقا لما نقلته شبكة “سي.أن.أن” الأميركية، تقول الدكتورة آنا يافي، مديرة قسم طب الطوارئ العالمي في جامعة إيموري الأميركية، “إن معاناة الأطباء تؤكد للناس ما يواجهه أخصائيو الرعاية الصحية والأطباء كل يوم”.
وتضيف “قد لا يكون عامة الناس على دراية بواقع الرعاية الصحية بشكل عام وبالتأكيد ليس خلال هذا الوباء، لكنني آمل أن يعزز مشاركة الصور التي ننشرها عن معاناتنا نقطة أن هناك أشخاصًا يعملون بلا كلل على مدار الساعة لتقديم الدعم المنقذ للحياة”.
وقالت “نحن لسنا أبطال، نحن نقوم فقط بوظيفتنا، والآن هو أكثر وقت يحتاجنا الناس فيه”.
أما، الممرضة شيري دونغ، 25 سنة، ممرضة تعمل في وحدة العناية المركزة الطبية في مستشفى جونز هوبكنز في بالتيمور بالولايات المتحدة الأكثر من عامين، فتقول “قلبي ممتن وعقلي ثقيل لرؤية الأطباء في جميع أنحاء العالم يضعون أنفسهم في خطر يقاتلون ضد هذا المرض”.
وأضافت “أصبحت العديد من المستشفيات الأميركية تواجه نقصاً في الأقنعة الواقية والقفازات”، مؤكدة أنه يجب أن ننبه الناس ألا يساهموا في المشكلة المتزايدة المتمثلة في نقص هذه الأدوات كالأقنعة والمطهرات والقفازات وماإلى ذلك، داعية الجميع إلى المساهمة والتبرع”.
المأساة والتضحيات التي يقدّمها أفراد الطواقم الصحية المستنفرة لتخليص العالم من شبح كورونا، ترجمتها وفاة الطبيب الإيطالي مارسيلو ناتالي بعدما ثبتت إصابته بعدوىفايروس كورونا المستجد أثناء عمله بمستشفى في بلدة كودوجينو.
وكان الطبيب مارسيلو والبالغ من العمر 54 عاما قد بدأ في تلقي العلاج بمستشفى في مدينة كريمونا قبل أن يتم نقله إلى مدينة ميلانو بعد تطور حالته الصحية، حيث كان يعاني من التهاب رئوي مزدوج. وقبل أن يجري مارسيلو تحليلا يثبت إصابته بعدوى فايروس كورونا، كان قد أدلى بتصريح لـ”يورونيوز” قال فيه إنه “اضطر لممارسة عمله دون أن يرتدي قفازات في يديه، لأن القفازات في المستشفى قد نفدت”.
وأضاف الطبيب ضحية الوباء أن عدد الأطباء الذين تم وضعهم بالحجر الصحي أو بدأوا في تلقي العلاج بالمستشفيات حتى يوم 28 فبراير بلغ 14 من أصل 35 طبيبا يعملون في بلدتي كودوجينو وكاسالي المجاورة.
وتم تأكيد وفاة الدكتور ناتالي في بيان لممثل الاتحاد الإيطالي للأطباء الممارسين العامين، الذي أوضح أن الطبيب كان يعاني من التهاب رئوي مزدوج بسبب فايروس كورونا. ووصف البيان مكافحة فايروس كورونا في إيطاليا بأنه “حالة حرب”.
وقالت باولا بيدريني، السكرتيرة الإقليمية للاتحاد الإيطالي، في تصريحات لشبكة “يورونيوز” إن “110 أطباء من أصل 600 في مقاطعة بيرغامو وحدها أصيبوا بالعدوى”.
وأردفت قائلة “لم يتحسن الوضع منذ نهاية فبراير. لم نتلق إلا بعض الكمامات والقفازات ولا شيء آخر. إن الكمامة التي يجب ألا تستخدم لأكثر من 12 ساعة، يستمر الأطباء وفرق التمريض في استخدامها لمدة أسبوع”.
الموت يحاصر الجميع
علاوة على المخاطر التي يواجهها الأطباء داخل المستشفيات لدى تعاملهم مع الآلاف من الحالات المصابة بالفايروس، فانهم يجدون صعوبة أيضا في الكثير من الدول وخاصة منها العربية في إقناع الناس بالالتزام بالحجر الصحي للتوقي من كورونا.
وبصفة متواترة يوجّه الأطباء والقائمون على القطاع الصحي في أكثر من بلد دعوات وومضات يطالبون فيها الناس بالانضباط إلى الحجر الصحي، ودعوتهم إلى عدم مغادرة منازلهم لتجنيب الجميع الإصابة بالمرض الخطير. وظهرت في الكثير من الدول كإيطاليا في بداية تفشي الفايروس أو بعض الدول العربية كتونس والأردن والجزائر بعض مظاهر عدم انضباط المواطنين من خلال رفضهم احترام الحجر الصحي ما أجبر بعض الحكومات على اتخاذ إجراءات أكثر تشددا كفرض منع التجوال أو الحظر التام ليلا ونهارا قبل أن تحصل الكارثة وتكثر أعداد الوفيات مثلما حصل في إيران أو إيطاليا.ورغم الارتفاع الكبير في عدد الوفيات جراء كوفيد– 19 تواصل المستشفيات بطواقمها التجنّد للتقليل من الخسائر البشرية ما أدى إلى إصابة المئات منهم بعدوى الفايروس في كل بلدان العالم.
وفي هذا الصدد، تجاوز عدد المصابين بفايروس كورونا 23 ألفا في نيويورك الأميركية، إضافة إلى 365 وفاة في بؤرة الوباء الرئيسية في الولايات المتحدة، لكن مستشفياتها لا تزال صامدة رغم الضغط الذي تتعرض له. ومع بداية الأزمة، شهد مستشفى “لونغ آيلند جُويش ميديكل سنتر” في كوينز، وصول مرضى يعانون أصلا مشاكل صحية، معظمهم من المسنين. وقال معالج متخصص في الأمراض التنفسية يعمل في هذا المركز لم كشف هويته “ولكن في الأسبوعين الأخيرين، استقبلنا أناسا من أعمار مختلفة لم يصغوا حين طلب منهم عدم الخروج وحماية أنفسهم وغسل أيديهم”.
وأظهرت أرقام نشرت الخميس أن 44 في المئة من المصابين في نيويورك تراوحت أعمارهم بين 18 و44 عاما، رغم أن نسبة الوفيات في صفوفهم لا تتجاوز 4 في المئة.
وأضاف الاختصاصي “هناك أناس قد يكون وضعهم الصحي أفضل مني، فهم يمارسون الرياضة ويتناولون طعاما صحيا. لكن المرض فاجأهم على حين غرة. ليس سهلا أن يرى المرء أناسا في عقدهم الثالث يفارقون الحياة”.
وسرعان ما ضاقت مستشفيات أول مدينة أميركية بمصابين يحتاجون إلى علاج مع تدابير وقائية بالجملة. وأورد موظف إداري في هذا المستشفى لم يستطع كشف هويته لأن المؤسسة لا تجيز له التحدث إلى الصحافيين “هناك طوابق بكاملها امتلأت بمرضى كوفيد- 19 في ليلة واحدة. يجب عزل الجميع ومن يهتمون بهم باتوا أمام مهمة شبه مستحيلة”.
وحضّ الحاكم أندرو كومو مستشفيات الولاية على زيادة قدرتها الاستيعابية بنسبة خمسين في المئة.
وقال تيم بيل الممرض في مستشفى “ماونت سيناي مورنينغ سايد” القريب من جامعة كولومبيا في مانهاتن “نحن في أسوأ حال، علينا أن نحول الغرف إلى وحدات للعناية المركزة”.
وعقبت بريسيلا كارات الممرضة في المستشفى نفسه “أنهم يفتحون طوابق إضافية لعزل المصابين”.
في الإجمال، لا تزال المستلزمات الضرورية للطواقم المعالجة مثل الأقنعة والقفازات والزي الخاص متوافرة، بحسب ما أوضح الاختصاصيون، رغم بعض النقص الظرفي.
كذلك، لا يزال عدد أجهزة التنفس الاصطناعي كبيرا حتى الآن بحيث لا يضطر الأطباء أحيانا إلى اختيار المرضى الواجب إنقاذهم كما يحصل في دول أخرى. لكن كل ذلك لا يحول دون تراكم عدد الوفيات.
وعلق ممرض في “ماونت سيناي مورنينغ سايد” لم يشأ كشف اسمه “هناك عدد كبير من الوفيات، غالبيتها بسبب أزمات قلبية. بات الأمر قاسيا”.
وأوضح أندرو كومو الخميس أن عدد فحوص كوفيد- 19 ازدادت أربع مرات تقريبا في أسبوع واحد وبات الأطباء يجرون 18 ألفا و650 فحصا كل يوم.
ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأربعاء صورا لطابور انتظار طويل أمام “إلمهيرست هوسبيتال سنتر”، وهو مستشفى آخر في كوينز، حيث اضطر البعض إلى الانتظار ساعات لإجراء الفحص.
صباح الخميس، كان نحو 50 شخصا لا يزالون ينتظرون. لكن المشهد تبدل بعد الظهر، ما شجع السيد عامر الذي كان مارا بسيارته على التوقف لإجراء الفحص تحت الخيمة التي نصبت خصيصا لهذا الغرض أمام المستشفى.
وقال عامر “لا أشعر بأي أعراض”، وليس بين عائلته وجيرانه من تأكدت إصابته، “لكنني أردت التأكد من أنني في صحة جيدة”.
وأبلغه الممرضون أنه سيتلقى النتيجة خلال يومين أو ثلاثة، علما بأن إجراء الفحص لم يستغرق أكثر من خمس دقائق.
وفي شوارع نيويورك، نحو نصف العابرين يضعون أقنعة واقية. لكن ملاعب سنترال بارك لكرة المضرب لا يزال فيها بعض اللاعبين، ومثلها ملاعب كوينز لكرة القدم، الأمر الذي اضطر رئيس بلدية المدينة إلى إجبار هؤلاء على الانسحاب و”العودة إلى رشدهم”. ونبّه الحاكم كومو ورئيس البلدية بيل دي بلازيو إلى أن الوباء في نيويورك لن يبلغ ذروته على الأرجح قبل أسبوعين أو ثلاثة.
وأكد طبيب في “ماونت سيناي مورنينغ سايد” رفض الإفصاح عن هويته “يبدو أن الوضع سيتدهور. أنا تعب للغاية”.