تركيا “صديق” لا تثق فيه الجزائر
عكس توجّس الحكومة الجزائرية من إمكانية تسلسل عناصر جهادية ضمن العالقين من مواطنيها بتركيا في حال العودة إلى بلادهم انعدام ثقة الجزائر في أنقرة ما يؤكد أن صلتها بالإرهاب صارت معلومة للجميع وأن أصدقائها قبل خصومها يتوخّون الحذر في التعامل معها.
وتصنف الجزائر كصديق لتركيا في الوقت الراهن وهو ما تعكسه الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، كان آخرها الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الجزائر أواخر يناير الماضي.
وبرّرت السلطات الجزائرية تأخرها في إجلاء عالقين جزائريين في مطار إسطنبول بمسألة التأكد من هوية العالقين كشرط أساسي لإعادتهم، تفاديا لأيّ استغلال للظرف الاستثنائي من طرف الجماعات الجهادية للانتقال إلى أراضيها أو إلى دول المنطقة.
ولا يستبعد مراقبون أن تكون الجزائر قد تحصلت على معلومات تؤكد ما راج من أنباء الفترة الماضية في تونس بشأن تسلل إرهابيين للبلاد ضمن رحلة لإجلاء التونسيين العالقين في تركيا.
ونقل شهود عيان تواجد المئات من المواطنين الجزائريين عالقين في مطار إسطنبول، منذ أكثر من أسبوع، بعد حظر الحكومة الجزائرية لنشاط الملاحة الجوية، وهو ما أثار حالة من الغضب والاستياء تداوله مدونون في شهادات وتسجيلات على شبكات التواصل الاجتماعي.
وكان وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، قد أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو يرجح أن يكون قد تمحور حول قضية العالقين، رغم أنه لم يتسرّب عنه أيّ شيء، مما يوحي بأن القضية قد دخلت في تجاذب دبلوماسي بين البلدين.
وذكر بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، بأن “الجزائر وضعت شروطا لإعادة مواطنيها العالقين في تركيا، بعد توصلها بمعلومات حول تنامي أعداد العالقين، ما يثير الشكوك حول إمكانية استغلال بعض الأطراف لتسفير عناصر ما ضمن رحلات الإجلاء”، وهو ما يبرر مخاوف جزائرية من إمكانية استغلال جهات أو تنظيمات جهادية للوضع الاستثنائي، من أجل تسلل عناصر موالية لها ضمن لوائح المسافرين بغرض الانتقال إلى الجزائر أو إلى دول المنطقة في إطار توسيع رقعة العمل الجهادي أو خلق خلايا جديدة في المنطقة.
ورغم أن المسألة ما تزال في طيّ الكتمان الدبلوماسي بين الطرفين الجزائري والتركي، إلا أنّ تلميحات الخارجية الجزائرية تشير إلى أزمة بين الطّرفين من المتوقع أن تتفاقم خلال الفترة القادمة.
ويكون عمل الأتراك على إرسال عناصر وميليشيات مسلحة إلى الأراضي الليبية، بموجب الاتفاق المبرم بينها وبين حكومة فايز السراج، قد أزعج الجزائريين الذين يريدون غلق جميع المنافذ أمام أي تغلغل أمني عبر نقاطهم الحدودية سواء لأغراض المساس بأمنها أو المساهمة في تدهور أمن دول المنطقة.
وبالموازاة مع ذلك جرى اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الجزائري ونظيره التونسي نورالدين الريّ، تمحور حول الوضع الصحي في البلدين وإمكانيات نقل الجاليتين.
ومع ذلك يرجّح أن يكون قد تناول مسألة العالقين في تركيا على اعتبار أن غالبيتهم من دول المنطقة، والتهديدات الأمنية المحتملة في ظل معطى إمكانية تسلل عناصر مشبوهة في رحلات الإجلاء المنتظرة.
وطمأنت وزارة الخارجية في بيانها “المواطنين العالقين وأسرهم بأنه ستتم إعادتهم إلى أرض الوطن بعد التأكد من هوية الكثير منهم، وأنه سيتم التأكد من هوية كل العالقين الذين يزداد عددهم يوميا بشكل يثير الريبة والتساؤل، خاصة وأن الكثيرين منهم لا يحوزون لا على تذاكر السفر ولا حتى على وثائق سفر رسمية”.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر عبدالحق بن سعدي، لـ”أخبارنا الجالية ” إن ” الجهات الأمنية يفترض أنها مؤهلة للتعامل مع أوضاع كهذه، ولكني أشير إلى أن هناك عددا من المهاجرين غير الشرعيين، أو ممّن ليست لديهم وثائق كانوا متواجدين منذ اليوم الثاني من بداية الأزمة، بل إن مكتب الجوية الجزائرية سجل أشخاصا كانوا يملكون تذاكر طيران قديمة”.
وتابع “ربما هذا ما يفسر حديث الخارجية الجزائرية في بيانها عن تزايد مريب في عدد الجزائريين”.
وذكر شهود عيان أنه يتواجد أكثر من ألف جزائري عالق في مطار إسطنبول بعدما كان العدد يقارب نحو ثلاثة آلاف عالق، تم إجلاء حوالي ألفين منهم ضمن عدد من الرحلات للجوية الجزائرية.
ولا يستبعد أن يزداد وضع هؤلاء سوءا، بعد قرار السلطات التركية نقل كل العالقين في المطار من جنسيات جزائرية وتونسية وأردنية، إلى إقامة جامعية تبعد عن العاصمة بنحو 500 كلم، بغية الخضوع لفترة الحجر الصحي، وهو ما يؤجل عودة هؤلاء إلى بلدانهم.
ويرجّح أن تأخذ مسألة التأكد من هوية العالقين أبعادا أخرى وتثير أزمة دبلوماسية بين الجزائر وتركيا، بسبب انزعاج الأتراك من المخاوف الأمنية الجزائرية، باعتبارها تعرّي ولو جزئيا المخططات التركية في زرع العناصر الجهادية والخلايا الإرهابية في عموم المنطقة، كونها المسؤولة عن حركة المسافرين سواء من المغادرين لها أو الوافدين عليها.