كوفيد 19 إمتحان في إدارة الأزمات

الخوف من اتخاذ قرار خاطئ يدفعنا غالبا إلى ارتكاب الخطأ، وهذا ما حصل في تعامل المسؤولين مع فايروس كورونا. ورغم أن البعض منا يعرف ما هو التصرف الصحيح، فضل تحت ضغوط أخلاقية وشعبوية أحيانا أن يتبنى القرار الخاطئ.

اندفعت الحكومات واحدة تلو الأخرى، تحت نفس الضغوط، إلى تبني حلول خاطئة، رغم معرفتها أن “العلاج لا يمكن (ولا يصح) أن يكون أسوأ من المرض”.

الأعداد المتزايدة للضحايا والإصابات، ليست هي كل ما خلفه إعصار كورونا الذي يواصل انتشاره؛ الأرقام والمؤشرات الاقتصادية في الأسواق المالية تتحدث عن حقائق صادمة ناتجة عن قرارات خاطئة تبنتها الدول.

تسببت القرارات الخاطئة بخلل في أسواق الطاقة، والعملات، والسلع، والمواد الاستهلاكية والإنتاجية، والطيران وغيرها من القطاعات، ملحقة أضرارا، يتوقع خبراء الاقتصاد، في حال استمرارها لفترات أطول، أن يتجاوز تأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي ما أحدثه “الكساد الكبير” عام 1929.

متابعة الأرقام لا تجدي كثيرا، وخاصة أن الأزمة لا تزال متفاعلة، لذلك نكتفي بالصورة التي قدمها موقع بلومبرغ الأميركي للتحليلات الاقتصادية والسياسية الذي أوضح أنه لن يكون من السهل إعادة تشغيل اقتصاد عالمي حديث مترابط بعد انتهاء الأزمة.

وكما أدى الكساد الكبير الذي أعقب الأزمة المالية العالمية لعام 2008 إلى ظهور وضع جديد للاقتصاد، متمثل في استمرار النمو المتدهور، والاستقرار المالي المصطنع، فإن أزمة كورونا ستغير التضاريس الاقتصادية العالمية، وتسرّع عملية إزالة العولمة، وإلغاء التقارب، وإعادة تعريف الإنتاج والاستهلاك في جميع أنحاء العالم.

هذا ليس أسوأ ما يمكن أن يحصل. قد تؤدي الصدمة، التي تسبب بها كورونا، إلى خفض النمو السنوي العالمي، وفي أسوأ السيناريوهات سيواجه العالم عجزا في الدخل تتجاوز قيمته 2 تريليون دولار، وليس مستبعدا أن نشهد عمليات إفلاس على نطاق واسع.

ولن تكون الدول العربية هي الأخرى في مأمن، حيث كشفت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، عن خسائر اقتصادية فادحة ستعانيها المنطقة العربية بسبب الوباء.

من المرجّح أن تخسر المنطقة العربية أكثر من 1.7 مليون وظيفة في عام 2020، وأن تتكبد شركاتها، في الفترة نفسها، خسائر تفوق قيمتها 420 مليار دولار.

المخاوف من ركود عالمي بسبب وباء كورونا جعل الحكومات الثرية الساعية لحماية اقتصادها تدعو إلى التنسيق في ما بينها.

وقال الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، أنخيل غوريا، إن التنسيق يجب أن يفوق ذلك الذي تم في الثلاثينات إبان “خطة مارشال” التي ركزت على إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

هل حقا أن المتسبب بكل هذا هو فايروس كورونا المستجد؟

كل ما فعله الفايروس أنه وضع أمام رجال السياسة أزمة تعاملوا معها بطريقة خاطئة، اتخذت في غياب بعض الحقائق.

يعتقد باحثون حاليّا أنّ ما بين 5 و40 حالة من كل 1000 حالة إصابة بفايروس كورونا ستنتهي بالوفاة، وأن أكثر الاحتمالات واقعية لمعدل الوفاة هو موت تسعة أشخاص من كل 1000 حالة إصابة، أي نحو 1 في المئة منها.

إضافة إلى ذلك، لا يتم رصد معظم حالات الإصابة، لأنّ المصابين بأعراض طفيفة لا يميلون إلى استشارة الطبيب؛ وبالتالي، فإن تسجيل عدد حالات أقل من الواقع يجعل من السهل المبالغة في تقدير معدلات الوفاة.

في ضوء هذه المعطيات، ما هي نسبة احتمال أن أتعرض للوفاة في حالة إصابتي بالفايروس؟

هذا يعتمد على مجموعة من العوامل؛ الفئة العمرية، والجنس، والحالة العامة للصحة، والنظام الصحي حيث توجد. ويزيد احتمال الوفاة جراء الإصابة بفايروس كورونا بين بعض الفئات من الناس، وهم كبار السن والمرضى بأمراض أخرى، وربما أيضا بين الرجال؛ وهذه بعض الحقائق.

في أول تحليل لأكثر من 44000 إصابة في الصين، كان معدل الوفاة أعلى بعشرة أمثال بين الطاعنين في السن مقارنةً بمن هم في منتصف العمر.

وجاءت أدنى معدلات الوفاة بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا، إذ كانت هناك 8 حالات وفاة بين كل 4500 حالة إصابة.

وكانت حالات الوفاة أكثر شيوعًا بخمسة أمثال على الأقل بين المصابين بداء السكري أو ارتفاع ضغط الدم أو من يعانون من مشاكل في القلب أو التنفس. وفاق عدد حالات الوفاة بين الرجال نظيره بين النساء.

إذا كان الأمر كذلك، لماذا أثار كورونا الرعب وهو ليس أسوأ من الأنفلونزا العادية، التي تقتل سنويا عددا يصل إلى 600 ألف من البشر؟

الفرق أن للأنفلونزا لقاحا، يوصى به للكبار ومن يعانون من أمراض مزمنة، أما ما تبقى من البشر فيعتمدون على مقاومتهم الطبيعية، التي ثبت أنها تكفي لإنقاذ حياتهم.كيف أخطأ السياسيون في إدارة الأزمة؟

الخوف من ارتكاب الخطأ هو ما أوقع السياسيين في الخطأ. ولا يمكن أن نوجه اللوم هنا إلى الأطباء والعاملين في القطاع الصحي فقط، فالمسؤول عن حالة الخوف هو وسائط التواصل الاجتماعي، التي استغلها البعض لبث الذعر.

كان من الأفضل لو انصبت جهود الدول والحكومات على الفئات الأكثر عرضة للخطر، وفرض حجر صحي عليها، إلى أن يتم العثور على لقاح أو علاج، أو يكتسب العالم مناعة طبيعية لمقاومة الفايروس، بينما تُتْرَك بقية السكان لتسيير عجلة الاقتصاد.

إفراغ شوارع المدن من البشر، وخلق حالة من اللهفة والخوف من فقدان السلع الغذائية والطبية، ساهما فقط في خلق أزمة اقتصادية، وحوّلا المدن إلى مدن أشباح.

وحدها السويد اختارت مسارا مغايرا لبقية العالم في محاربة كورونا رافضة أن تكرر حالة اليأس التي عمت بين سكان ووهان (في الصين) وبرغامو (في إيطاليا)، حتى لا يصبح الأمر مغامرة تنتهك المبدأ الأساسي للمجتمع، فلكل فرد قيمته الخاصة، وأوصت بأن يبقى الأشخاص الأكثر “عرضة للخطر” في منازلهم، ومنعت أي تجمع يفوق 500 شخص.

لكن السويد “لا تفعل مع ذلك مثل النعامة”، وهي مثل معظم شركائها الأوروبيين أغلقت حدودها أمام التنقلات التي تعتبر “غير ضرورية”، وإن لم تطلب بعد إغلاق المدارس، فذلك لأنها ترى أن المسنين هم من يجب أن يبقوا في المنزل وليس الأطفال.

فهل تقصّر الحكومة السويدية في حماية سكانها، أم تحسّن إدارة الأزمة؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: