الحكومة الجزائرية في مواجهة أزمة كورونا

صدرت الاثنين الماضي عن اجتماع المجلس الأعلى للأمن الوطني الجزائري عدة قرارات ترمي إلى احتواء زحف انتشار فايروس كورونا عبر القطر الجزائري، ولكن بعد يوم واحد فقط من ذلك الاجتماع أعلنت وزارة الصحة عن تسجيل 34 إصابة جديدة فضلا عن وفاة مواطنين أحدهما من محافظة تيزي وزو والثاني من محافظة بومرداس المتاخمة لعاصمة البلاد وللمناطق الصناعية بضواحيها. ويعني تصاعد الإصابات بين المواطنين أن هناك خللا في العلاقة بين أجهزة الدولة وبين المواطنين الذين لا يطبقون التعليمات الصادرة، وجراء ذلك فإن فايروس كورونا سوف يبقى يهددهم الأمر الذي يتطلب الإسراع في تطبيق هذه القرارات ميدانيا وعلى نحو صارم لمواجهة تعقيدات الصعوبات والمخاطر التي سيواجهها المواطنون في الأيام القادمة، خاصة وأن الدوائر الصحية التابعة للحكومة الجزائرية قد أكدت أن هناك 388 حالة مشتبه بها، وأن جميع المشتبه بهم يوجدون راهنا تحت الرقابة الطبية بانتظار ما سوف تسفر عنه نتائج التحاليل الخاصة بهم.

من المعروف أن مجموعة القرارات التي فرضت حتى الآن تشمل الحجر على العاصمة الجزائرية المكتظة بالسكان والتي يقطنها ما لا يقل عن خمسة ملايين نسمة، والحجر الصحي التام للمواطنين في المنازل على المستوى الوطني وبشكل خاص في المحافظات التي غزاها فايروس كورونا، وينتظر أن تدوم فترة الحجر هذه عشرة أيام قابلة للتجديد مع منع الحركة من وإلى ولاية البليدة الأكثر تضررا والتي يبلغ عدد الإصابات فيها 134 إصابة من إجمالي 264 إصابة مسجلة عبر الوطن كله حتى يومنا هذا.

إلى جانب ذلك فإن المجلس الأعلى للأمن الوطني قد قرر أيضا تسريح 50 في المئة من العمال، فضلا عن الإقفال التام للحدود وتجميد الملاحة الجوية والبحرية ومنع تنقل سيارات وحافلات الأجرة والنقل الجماعي من الحركة عبر كافة التراب الوطني، إلى جانب منع التجمعات البشرية التي تتجاوز شخصين وحفلات الأعراس، وغلق المطاعم والمقاهي وغيرها من الإجراءات.

لا شك أن نجاح هذه القرارات مشروط بعدة عوامل حاسمة لم تلجأ إليها الحكومة الجزائرية ورئاسة الدولة رغم أهميتها الإستراتيجية، ويرى المراقبون لتطورات الوضع الصحي في الجزائر أن عدم العمل بها سوف يؤخر أو يبطل الانتقال السريع من طور احتواء انتشار فايروس كورونا إلى طور القضاء عليه عبر التراب الوطني.

وفي هذا الخصوص يعيب هؤلاء المراقبون على النظام الجزائري عدم إنشاء خلية وطنية مركزية على مستوى الهرم الأعلى للدولة في شكل مجلس وطني حكومي / شعبي موسع يضم ممثلين عن الحكومة، ورئاسة الجمهورية، والأحزاب المعارضة، والحراك الشعبي، ومختلف تنظيمات المجتمع المدني وفي المقدمة اتحاد الأطباء بكل تخصصاتهم، وتنظيمات الممرضين والصيادلة ومديريات الصحة المركزية والولائية والبلدية، وربطها جميعا بخلايا فرعية تكون امتدادا لهذا المجلس على مستوى المحافظات والبلديات في الجزائر العميقة، تقوم معا بالتنسيق وبتفعيل وتطبيق القرارات التي اتخذها المجلس الأعلى للأمن الوطني والمقترحات الإضافية الأخرى التي يقترحها المجلس الوطني الموسع قصد ضمان التنفيذ التشاركي الفوري لكل البرامج الصحية المخطط لها بدقة على مستوى المدن والأرياف على نحو يقوي وازع التكتل الوطني، ويضمن إرساء تقاليد تقاسم مسؤولية الأمن الصحي الوطني، ويحقق هدف الانتصار على فايروس كورونا، ويقطع مع الأسلوب السلطوي النمطي الذي يقصي دائما تنظيمات المواطنين والنخب من المساهمة الفعلية في الشأن العام.

إلى جانب أوجه القصور هذه يلاحظ أيضا أنه قبل انفجار أزمة فايروس كورونا لم تستمع الحكومات المتعاقبة ومختلف أجهزة الدولة الجزائرية للانتقادات التي ما فتئت توجه إلى الواقع المتردي للمستشفيات ولمؤسسات الصحة المختلفة في البلاد ولفشل المخابر الجزائرية المتخصصة شكلا في صناعة الأدوية والأجهزة الطبية في توفير أسباب الحصانة التي تحمي المواطنين. وفي هذا الخصوص صرح الباحث الجزائري المعروف دوليا باكتشافه للمكمل الغذائي لعلاج داء السكري الناجح توفيق زعيبط لصحيفة الشروق اليومي قائلا “الجزائر تمنع التجارب الكلينيكية وحتى على الحيوان غير ممكنة.. والبحث العلمي في بلادنا مجرد كلام من دون فعل”.

ولا بد من الإشارة أيضا إلى عدم مصارحة الحكومة للمواطنين منذ هجمة كورونا بخصوص السقف الأدنى لقدرة الدولة على المدى القصير والمتوسط والطويل لضمان توفير مستلزمات الأمن الغذائي والمالي للشرائح العمالية والفلاحية الفقيرة ذات الدخل المتدني في هذا الظرف المؤلم والصعب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: