بلجيكا تأخد تدابير صارمة في التعامل مع الموتى …و صلاة الجنازة ممنوعة.

بروكسيل : بوشعيب البازي

مع زيادة أعداد ضحايا فيروس كورونا الجديد، وتجاوُز العدد الإجمالي لمَنْ قضوا بعد إصابتهم بالمرض الفتاك أزيد من 18.259 قتيل حتى الآن، بخلاف إصابة نحو 404.020 آخرين، تكثف دول العالم الإجراءات الاحترازية في محاولة لوقف انتشار الفيروس الذي  ظهر في مدينة ووهان الصينية وانتقل بعدها إلى أكثر من 24 دولة في قارات العالم.

وفرضت بعض الدول حظراً على المسافرين القادمين إليها من الصين، وعلى رأسها الولايات المتحدة، فضلاً عن فترات الحجر الصحي التي تتبعها سلطات بلدان العالم المختلفة، لكن هناك تساؤل يفرض نفسه بشأن كيفية التخلص من جثث الضحايا الذين وافتهم المنية جراء المضاعفات التي يسببها الفيروس للجهاز التنفسي، حيث يصيب الإنسان بالتهاب رئوي حاد، بخلاف تساؤلات بشأن مدى قدرة الفيروس على الانتقال من الجثث إلى أماكن أخرى.

وخلال الأسبوع الماضي، راسلت السلطات البلجيكية شركات نقل الموتى  ببيانات تحمل العديد من القرارات تمنع من خلالها الجنازات ومراسم الدفن وغيرها من الأنشطة ذات الصلة المتعلقة بجثامين الموتى العاديين الذين توفتهم المنية بعيدا عن فيروس كورونا ، وفقاً للوائح جديدة الصادرة لإبطاء انتشار المرض، حيث أصدرت السلطات البلجيكية ، بعض التعليمات  التي تنص على منع دفن أي جثة قبل ان تأخد عينة يتم دراستها في المختبر للتأكد من عدم إصابة المرحوم بالوباء ، كما يتبين من خلال البيان انه يمنع منعًا كليًا إقامة صلاة الجماعة على أي متوفي كما تطالب السلطات ان لا يتجاوز حضور الاقارب ستة أشخاص يرافقون الجثمان لغاية المقبرة دون حضورهم مراسيم الدفن ، كما نصح إعلان سابق ، الأشخاص بالقيام بجنازات سريعة وتجنب التجمعات الكبيرة للمساعدة في منع انتشار الفيروس.

و من جهة أخرى طالبت السلطات البلجيكية ان تتخذ الشركات الخاصة بنقل الأموات تدابير أكثر صرامة في التعامل مع جثامين الاشخاص الذين قضوا متأثرين بالفيروس بإستخدام جميع وسائل الوقاية من كمامات و لباس خاص يقي من تنقل الأمراض المعدية و وضع الجثمان داخل كيس مخصص لذلك و تعقيمه مباشرة بعد إغلاقه، و أنه “لا يجوز إقامة مراسم وداع أو غيرها من أنشطة الجنازة التي تتضمن وجود الجثمان”.نظرا للخطر الذي يمكن ان يواجه اَي شخص في اتصال مباشر مع الجثة خلال الثلاث الأيام بعد الموت .

خطر الجثث

وبحسب الإرشادات المنشورة على الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية والتي تتعلق بخطر جثث الضحايا في حالات الكوارث الطبيعية، فإن الأمر ينقسم إلى نوعين، إذ إنه بالنسبة إلى جثث الكوارث مثل الزلازل والفيضانات، فإنه على عكس الاعتقاد الشائع، لا يوجد دليل على أن الجثث تشكل خطر الإصابة بالأمراض الوبائية، حيث إن معظم الفيروسات والكائنات الدقيقة المسببة للأمراض لا تعيش لفترة طويلة في جسم الإنسان بعد الموت، ومن ثم فإن الخطر يتعلق من الوفيات الناجمة عن انتشار فيروسات خطيرة أو وباء، مثل الكوليرا وغيرها. ووضعت المنظمة توصيات عِدة يجب اتباعها في حالة الإصابة بأمراض سريعة الانتشار مثل الكوليرا والإيبولا، تنطوي على دفن الجثث في مقابر على بعد 30 متراً في الأقل عن مصادر المياه الجوفية المستخدمة لمياه الشرب أو حرقها في أماكن بعيدة، فضلاً عن تطهير الجثة قبل مواراتها الثرى ووضعها في أكياس معينة وعدم ملامستها من أشخاص سوى عمّال الصحة الذين يتخذون التدابير الوقائية في أثناء التعامل مع الجثث.

جنازات سريعة من دون تجمعات

وتشير الإرشادات الصادرة حديثاً  إلى ضرورة أن يقوم طاقم المرفق الطبي الذي كان يُعالج فيه المريض بتطهير وختم الرفات، مع حظر فتح البقايا بمجرد إغلاقها، وكذا إصدار شهادة وفاة وإخبار الأسرة، وفي هذه المرحلة يتم الاتصال بمرفق خدمات الجنازة المحلية ليقوم موظفو متخصصون بعد ذلك بنقل الجثة وتسليمها إلى المنشأة ذات الصلة والتخلص منها مباشرة عن طريق الدفن او الحرق حسب الوصية التي تركها المتوفي او حسب التعاليم الدينية ، ومن ثم إصدار شهادة بذلك.

ووفق هذه الإرشادات لا يُسمح لأحد بزيارة الرفات خلال هذه العملية، ومع ذلك يُسمح للأقارب بأخذ البقايا بعد اكتمال حرق الجثة وتوثيقها.

احتفالات حرق الجثث!

وتعتمد العديد من الشعوب الآسيوية حرق الجثث كعادات ثقافية تعود إلى معتقدات دينية في الأساس، مثلما الحال بين أتباع الديانة الهندوسية في الهند، حيث يعتبرون أن حرق الجثة يبعث الروح إلى السماء ويطهر النفس من الذنوب.

وفي بعض البلدان الآسيوية، لا يُتاح حرق جثامين الموتى إلا لعدد قليل من الأشخاص المفضلين، وفي التبت عادة ما يجري تخصيصها لـ”اللاما”، وفي لاوس يُمنح لأولئك الذين يموتون لأسباب طبيعية في نهاية حياة مسالمة ومزدهرة، وفي بالي تقام احتفالات لحرق الجثث.

وبرزت العادة لدى الإغريق منذ عام 1000 قبل الميلاد، حيث أصبح حرق جثث الجنود مرتبطاً بالشجاعة والفضيلة الرجولية والوطنية والمجد العسكري، بحيث كان يعتبر النتيجة المناسبة لملحمة الحياة، وكلما كان البطل أعظم، كان الحريق أكبر.

واتبع الرومان جيرانهم الإغريق في ذلك الأمر حتى عام 100 ميلادية، حيث توقفت العادة في الإمبراطورية الرومانية، ربما بسبب انتشار المسيحية.

وعلى الرغم من أن حرق الجثث لم يكن من المحرمات بشكل صريح بين المسيحيين، فإنهم تجنبوا ذلك حتى لا يقلدوا الجمعيات الوثنية، وبسبب القلق من أن الأمر قد يتداخل مع القيامة الموعودة للجسد واتساقه مع الروح.

وبحسب موسوعة بريتانيكا، فضّل الإسكندنافيون الوثنيون حرق الجثث، حيث اعتقدوا أن ذلك يساعد في تحرير الروح من الجسد، كما يمنع الموتى من إيذاء الأحياء، وتوازي ممارسات الوثنيين هذه العادات اليونانية والرومانية. وبعد التحوُّل الآيسلندي إلى المسيحية في 1000 ميلادية، كان حرق الجثث نادراً في أوروبا الغربية حتى القرن التاسع عشر، باستثناء حالات الطوارئ. وأثناء انتشار مرض الطاعون “الموت الأسود” في عام 1656، على سبيل المثال، جرى حرق جثث 60 ألف شخص في نابولي خلال أسبوع واحد.

فتوى بجواز حرق الجثة

غير أن الحال ليس كذلك بالنسبة إلى أغلب شعوب العالم في الوقت الحالي، وبخاصة في الشرق الأوسط، حيث ترفض أغلب الشعوب المسلمة هذه العادة، بسبب أن الشريعة الإسلامية تحرِّمها، لكن في عام 2017 عندما انتشر وباء الإيبولا القاتل وشديد العدوى في غرب أفريقيا، أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بجواز حرق المتوفى بسبب إصابته بهذا المرض، وذكرت أن “حرق جثة مريض الإيبولا بعد موته جائز شرعاً، إذا كان الحرق هو الوسيلة المتعينة للحد من انتشار الوباء بين الأحياء”، بل استثنت أيضاً تغسيل المتوفى إذا كان ذلك يتسبب في نشر العدوى، وهى الفتوى التي أثارت جدلاً وقتذاك.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: