كورونا: تدابير احترازية تغذي غضبا شعبيا صامتا في الجزائر

عكس جدول أعمال مجلس الوزراء المنعقد تحت إشراف الرئيس عبدالمجيد تبون، حالة الارتباك الكبير الذي تعيشه السلطة في الجزائر، نتيجة الإكراهات المتراكمة على الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية، ما يمثل جرعة دعم إضافية للاحتجاجات السياسية المعلقة في البلاد من طرف فعاليات الحراك الشعبي.

 خيم الوضع المالي والصحي الناجم عن وباء كورونا وتهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، على أشغال مجلس الوزراء الجزائري المكرس لاتخاذ حزمة من الإجراءات الجديدة، بغية مواجهة تمدد عدوى الوباء في البلاد، وتقلص مداخيل الخزينة العمومية من العملة الصعبة إلى مستويات قياسية هي الأولى من نوعها منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي.

وجاء ذلك بالتوازي مع تصاعد الانتقادات لأداء الحكومة في إدارة الأزمة الصحية والمالية، وغموض الخيارات المنتهجة لحد الآن، فرغم الهدنة السياسية المعلنة من طرف الشارع المناهض للسلطة، وانخراط قطاع من الطبقة السياسية وعلى رأسها أحزاب إخوانية في مسار العقد الاجتماعي غير المخطط له، إلا أن تصاعد أصوات من داخل مستشفيات حكومية لتوعية الجزائريين بالتزام الحجر الذاتي، في ظل هشاشة الإمكانيات والمنظومة الصحية في البلاد، يلمح إلى أن أي توسع للعدوى سيكشف عن اختلالات كبيرة تُحمّل مسؤوليته السياسية للسلطة.

وشكلت احتجاجات الأطباء وكوادر القطاع الصحي في بعض المستشفيات الحكومية، حجم النقص والمشكلات التي يعاني منها القطاع بسبب التسيير الارتجالي له من طرف الحكومات المتعاقبة، ففيما ذكر الوزير السابق عبدالمالك بوضياف أن “بلاده تملك مستشفيات وإمكانيات تضاهي تلك الموجودة في الولايات المتحدة واليابان”، تداولت شبكات التواصل الاجتماعي تسجيلات تظهر أطباء وممرضين يرتدون أكياسا بلاستيكية، بسبب النقص الحاد في المستلزمات الطبية.

وقرر مجلس الوزراء رصد مبلغ 100 مليون دولار لاقتناء مستلزمات وأدوية بغية مواجهة الوباء، وهو مبلغ يعكس حجم تراجع الإمكانيات المالية للبلاد، وغموض الوضع في حال دخولها مرحلة الأسوأ، لاسيما وأن التعداد البشري تجاوز سقف الـ40 مليون نسمة، ونسبة توسع العدوى تبقى واردة جدا في ظل عدم التزام الكثير من الجزائريين بإجراءات السلامة والحجر الذاتي، مما يجسد أزمة الثقة بين الشارع والسلطة حتى لما يتعلق الأمر بما هو أسوأ على الحياة العامة.

ولم يتقبل محمد واسطي (متقاعد) إجراء الحجر الذاتي الذي تنادي به المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، وبرر ذلك في تصريحه لـ”العرب” بكون “الحجر الذاتي الذي يتحدثون عنه لن يكون له مفعول إلا إذا رافقته إجراءات موازية توفرها المؤسسات الرسمية، في ظل تردي الخدمات التموينية والمصرفية والافتقاد الكلي للتوصيل”.

وأضاف “حلَّ تاريخ سحب منحة التقاعد وهناك أربعة ملايين متقاعد في البلاد يتوافدون في توقيت واحد على مكاتب البريد، وحتى الموزعات المالية إما معطلة أو لا تفي بالغرض، فكيف سيكون الوضع؟ هذا فضلا عن الندرة التي طالت بعض المواد الأساسية كالدقيق والعجائن وارتفاع الأسعار، أما المستلزمات الوقائية فهي نادرة جدا”.

وفيما دخلت حزمة من الإجراءات الاحترازية حيز التنفيذ مع مطلع الأسبوع، إلا أن حالة من الارتباك تجلت لدى فئة الأجراء باليوم وأصحاب المهن والحرف الحرة، بسبب حظر النقل الجماعي وإلزام الحجر الذاتي، دون إيجاد بدائل لإعالة تلك الفئة التي تمثل نسبة معتبرة من المجتمع.

رصد 100 مليون دولار لمواجهة كورونا، مبلغ يعكس حجم تراجع الإمكانيات المالية ويطرح مخاوف من الأسوأ

وهو ما فتح المجال أمام تصاعد الانتقادات لأداء الحكومة في إدارة الأزمة، رغم عدم اتخاذها لقنوات رسمية بدعوى الهدنة السياسية المعلنة من طرف المعارضة السياسية الراديكالية وفعاليات الحراك الشعبي، فدخولها في عمل تطوعي ميداني أزعج بشكل غير مباشر المؤسسات الرسمية، كونه أبان عن قدرة على التعبئة والتجنيد وملء الفراغ المسجل في أداء تلك المؤسسات.

ودخل عدد من النواب البرلمانيين على خط الأزمة المستفحلة في البلاد، رغم تعليق نشاط الهيئة التشريعية، حيث توجه كل من لخضر بن خلاف وحسن عريبي، من تحالف النهضة والعدالة والبناء الإسلامي، بنداءات لرئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، ووزير الصحية عبدالرحمن بن بوزيد، من أجل التدخل لرفع بعض الإجراءات البيروقراطية لاستقدام المستلزمات المتصلة بالوضع الصحي السائد في البلاد.

واعترف الرئيس عبدالمجيد تبون بخطورة الوضع الذي تمر به بلاده، بالقول في مجلس الوزراء “لعلها مناسبة سانحة لنا تذكرنا بهشاشة اقتصادنا الوطني، بسبب تقصيرنا جميعا على مدى عقود من الزمن في تحريره من الريع النفطي، ما يفرض علينا اليوم التخلص من الممارسات السيئة التي غرستها فترات الوفرة المالية كالتبذير والروح الاتكالية والكسل والاستهلاك المفرط”.

وهو اعتراف ستكون له ارتدادات سياسية حتى ولو بعد انجلاء وباء كورونا، خاصة وأن الرجل ينحدر من تلك المنظومة السياسية التي انتهت بالبلاد إلى المسار الذي انتقده، ولم يبد منذ انتخابه رئيسا للبلاد أي نية للسلطة الجديدة بمباشرة مسار تغيير حقيقي تلبية لمطالب شعبية لم تصمت إلا تحت وطأة كورونا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: