الحرب العالمية ضد عدو قهر البشرية و فتك بكبارها

لا صوت يعلو على صوت المعركة. تلك مقولة أدركتها الأجيال في حقب سابقة إبان الصراعات والحروب.

لكن البشرية اليوم توجه حربا شرسة من نوع لم يسبق له مثيل، تلك هي الحرب ضد فايروس كورونا.

ذلك هو توصيف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أيها الشعب، نحن في حرب. ولأن للحروب صحافييها على خطوط المواجهة فقد صار للحرب على كورونا صحافيوها أيضا وهم الذين يتنقلون من وجهة نظر وموقف إلى وجهة نظر أخرى وكل في سباق مع الزمن ومع التطورات الكارثية لانتشار الوباء.

الصحافي والإعلامي حاله حال سائر البشر يتبدل مزاجه ويتلبد شعوره بغيوم الأزمة ويتأزم ويحزن ثم يطلق العنان لخياله.

صحافي في أخبارنا الجالية  اكتشف للتو شكل مدينة لندن في ظل الوباء وخلال تجواله في الشوارع التي بدأ الناس فيها بالانحسار والجلوس في البيوت، أن هذه المدينة غرائبية بامتياز وتصلح أن تكون مكانا دائما لأفلام الخيال العلمي.

واقعيا لا يمكن أن يحشر الصحافي وهو يواكب هذه الكارثة في زاوية ضيقة وحرجة خلاصتها تبني السياسات الحكومية ولا بث الذعر في أوساط الناس

لكن زميله ببريطانيا  الكاتب يوسف لفرج  ينظر للأزمة من زاوية أخرى ويتمنى لو يعود أي من رؤساء الحكومات السابقين: جون ميجور أو غوردن براون وحتى تيريزا ماي لقيادة البلاد في هذه الأزمة لأن رئيس الحكومة الحالي مشغول بنرجسيته غير القابلة للشفاء بحسب قول الكاتب.

الكاتبة بريجيد دانيلي عندها همّ آخر ربما يعزف على نفس وتر رئيس الجهاز الصحي البريطاني وكلاهما يلتقيان في قضية الذعر الاستهلاكي الذي أصاب قطاعات واسعة من الشعب البريطاني بالتجمهر في المتاجر وإخلاء رفوفها.

المسؤول البريطاني يقول إنه من المعيب تفشي هذا الذعر الاستهلاكي أما الكاتبة فتقول ماذا لو ترك من يشتري رزمتين من ورق التواليت رزمة لشخص آخر، يا له من اهتمام. ويبدو أن الكاتبة قد سمعت عن نجاح أجهزة الشرطة البريطانية في القبض على مجموعة لصوص متخصصين بسرقة ورق التواليت بعد مطاردتها لهم والقبض عليهم وهم في شاحنة محملة بورق التواليت المسروق.

صحيفة الغارديان نفسها يكتب أحد صحافييها مقالا افتتاحيا عن عطلة نهاية الأسبوع في لندن وكيف يحتشد الناس في الطرق والباركات وكأن شيئا لم يقع ولا وجود لفايروس فتاك ولا احتياطات واجبة ولا جلوس في البيت.

صحافيو كورونا ذاهبون مذاهب شتى في الصحافة البريطانية وهذه أمثلة بسيطة من أمثلة كثيرة جدا والحصيلة هي هذا القلق المتسرب إلى نفوس الصحافيين والدوامة التي يشعرون بها لاسيما مع الخوف من الاقتراب من الحالة الإيطالية المأساوية.

الصحافي والإعلامي حاله حال سائر البشر يتبدل مزاجه ويتلبد شعوره بغيوم الأزمة ويتأزم ويحزن ثم يطلق العنان لخياله

والسؤال هنا، هل على الصحافي الذي في الخط الأول في متابعة الشأن الكوروني أن يمضي في بث صور ومشاعر الهلع والإحباط أم عليه أن يكون صوتا للحكومة في سياساتها وأهمية تبنيها والترويج لها؟.

واقعيا لا يمكن أن يحشر الصحافي وهو يواكب هذه الكارثة في زاوية ضيقة وحرجة خلاصتها تبني السياسات الحكومية ولا بث الذعر في أوساط الناس فالمسؤولية متشعبة وتحتاج صبرا ورباطة جأش عند عرض وجهة النظر والمواقف. من جهة أخرى، صار هنالك تقليد في هذه الصحافة الكورونية هو شكل ومحتوى التغطيات الصحافية والملفات التي يجري فتحها والضيوف الذين تتم استضافتهم وخاصة في الصحف والفضائيات وهم في الغالب أطباء متخصصون ليبدوا آراءهم في الأزمة.

الحاصل أن تراكما صحافيا ملفتا للنظر صار يحتل مكانه تحت عنوان صحافة كورونا والقائمون عليها من الصحافيين المواظبين الذين لا يهمهم الآن سوى المضي في التغطيات إلى نهاياتها. في موازاة ذلك هناك اتجاه في الصحافة الكورونية وصل إلى قناعة مفادها أن العالم ما قبل أزمة كورونا ليس هو نفسه ما بعدها، هناك متغيرات شتى على كافة الأصعدة وخاصة أن هذه الأزمة لم تضرب المجتمع والقطاع الصحافي في الصميم فحسب بل ضربت الاقتصاد وسوق العمل كما كرست مساحات واسعة من جهود المؤسسة الصحافية والإعلامية لتكون مجرد راصد ومتابع لتطورات فايروس كورونا حتى تكاثرت أعداد صحافيي الأزمة وما زالوا يتكاثرون.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: