الوباء يضع العالم على حافة أزمة غذاء
بعدما تفشى فايروس كورونا المستجد الذي ظهر في بادئ الأمر بمدينة ووهان الصينية، باتت تسود مختلف دول العالم مخاوف من تأزم الاقتصاد العالمي على نحو مماثل أو أشدّ وطأة ممّا حصل بعد أزمة عام 2008. وبينما اتجهت الآراء والتحاليل في الأيام الأولى إلى تفشي الوباء لكون هذه الأزمة سيتم توظيفها في الحروب التجارية، سرّع انتشار المرض الذي لم يستثن أيّ دولة من تحذيرات الخبراء من إمكانية أن يضع وباء كورونا العالم على شفا حفرة أزمة جديدة عنوانها الأمن الغذائي.
أدّى الهلع الذي يحاصر جميع دول العالم بلا استثناء من أخطار فايروس كورونا، إلى اتخاذ جل البلدان إجراءات وقائية متشددة كحظر التجوال في الليل أو الحظر العام أو الحظر الصحي الشامل.
وترتبت عن هذه الإجراءات التي اتخذتها دول عدة في كل القارات إشكالات عدة في التزود بالمواد الأساسية والحيوية، ما جعل مشهد الصفوف الطويلة أمام المتاجر والمخابز والفضاءات التجارية الكبرى في كل الدول أمرا عاديا لا يثير الاستغراب.
ومنذ الأسابيع الأولى لتفشي الفايروس حذر برنامج الأغذية العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة من أن يؤثر مرض كورونا المستجد (كوفيد- 19) على مسالك التزود بالغذاء وتوريده.
هستيريا التسوق
على عكس توقعات الخبراء لدى بداية انتشار الفايروس الذين أكدوا أن الأمر سيكون أقل وطأة في ما يتعلق بالقطاع الغذائي وتحديدا الزراعي الذي سيكون أقل تضررا من قطاعات تجارية أخرى، أدّى توقف العمل وعمليات نقل المواد الأساسية بعد فرض إجراءات الحجر الصحي المتشددة في الكثير من البلدان إلى حدوث انقطاعات كبرى في توريد المواد الغذائية.
وأدّى نقص القدرة الشرائية بسبب المرض إلى تغيير الأنماط الغذائية بين الأفراد، حيث حذر برنامج الأغذية العالمي من أن هذه التطورات سينجر عنها تدهور في التغذية الصحية.
كما أدّت حالة الهلع في صفوف المواطنين بكل الدول إلى حالة شراء هستيرية للأغذية ما أدّى بالنهاية إلى إلحاق ضرر بسلسلة التوريد وارتفاع الأسعار على الصعيد المحلي في كل البلدان تقريبا.
وأدّى الانتشار الواسع النطاق للمرض البلدان الأكثر فقرا وأشدّ معاناة من انعدام الأمن الغذائي إلى خسائر فادحة في الاقتصاد تفوق التأثير الحالي على البلدان المتضررة.
وقال عارف حسين، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى برنامج الأغذية العالمي، في وقت سابق، “إن البلدان التي تعاني من مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي تكون أكثر عرضة للإصابة وأقل استعدادا لمواجهة تفشي المرض على نحو وبائي، وبالتالي تزداد احتمالية ارتفاع معدلات الوفيات فيها”. وأضاف “علاوة على ذلك، يزيد سوء التغذية من احتمالية التعرض للمرض”.
وتحدث برنامج الأغذية العالمي عن أن الضرر المترتب على المرض، أصاب القوى العاملة في البلدان الأشد معاناة من انعدام الأمن الغذائي وذات المداخيل المنخفضة، في أغلب الأحيان، مع إنتاج كثيف العمالة، ما أدى إلى تفاقم تداعيات الأزمة على الإنتاج.
وتعتمد الأعمال الخدمية، في البلدان الأشد فقرا، اعتمادا أقل على التكنولوجيا حيث اعتمادها أكبر على التواصل المباشر، وهذا يعني أن إجراءات احتواء انتشار المرض المصممة للحد من التواصل بين البشر التي يتبناها المستهلكون المذعورون، قد تؤدي إلى خسائر أكبر.
وقال خبير اقتصادي كبير في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) ومحللون زراعيون إن عمليات الإغلاق وحمى شراء الأغذية يمكن أن تتسببا في تضخم أسعار الغذاء عالميا نتيجة التخوف من تفشي الوباء، على الرغم من وجود إمدادات وفيرة من الحبوب الأساسية والبذور الزيتية في الدول المصدرة الرئيسية.
وضخت أغنى دول العالم مساعدات غير مسبوقة في الاقتصاد العالمي مع زيادة حالات الإصابة بفايروس كورونا في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وتجاوز عدد الوفيات في إيطاليا مثيله في برّ الصين حيث نشأ الفايروس.
وفوجئ العالم بالوباء الذي أصاب ما يزيد على 270 ألفا وأودى بحياة ما يربو على 11 ألفا، ودفع الكثيرين إلى عقد مقارنات بين تداعياته وآثار أزمات أخرى في فترات تاريخية سابقة مثل الحرب العالمية الثانية وتفشي وباء الإنفلونزا الإسبانية في 1918.
وقال عبدالرضا عباسيان كبير الاقتصاديين في الفاو “كل ما تحتاجه لخلق أزمة هو أن يتجه مستوردون كبار، مثل المطاحن أو الحكومات، للشراء بدافع الذعر”.
وأضاف “ليست قضية توريد بقدر ما هي تغيّر في السلوك المتعلق بالأمن الغذائي.. ماذا لو ظن المشترون بالجملة أنهم قد لا يستطيعون الحصول على شحنات القمح أو الأرز في مايو أو يونيو القادمين؟ هذا هو ما يمكن أن يؤدي إلى أزمة إمدادات غذائية عالمية”.
المحافظة على البقاء
واصطف المستهلكون في أنحاء العالم، من سنغافورة إلى الولايات المتحدة، في الأسواق الكبرى خلال الأسابيع الماضية لتخزين سلع مثل الأرز ومعقم اليدين والمناشف الورقية. وقال المحللون إن العوامل اللوجستية ستتحول على الأرجح إلى قضية عالمية رئيسية.
وقال أولي هوي مدير الاستشارات في مؤسسة أيكون كوموديتيز لخدمات السمسرة “هناك حوالي 140 مليون طن من الذرة المستخدمة في صناعة الإيثانول بالولايات المتحدة، وبعضها يمكن استخدامه في الغذاء إذ لن تكون هناك حاجة إلى استخدامه للوقود نظرا لانخفاض أسعار النفط”.وأضاف “المهم هو توفير الغذاء في الوقت والمكان المناسبين”.
وحول ما يجب اتباعه للحد من تأثير الأمن الغذائي بسبب الأزمة الحالية، تعتقد المنظمات المعنية بهذا الملف كبرنامج التغذية العالمي أو منظمة الصحة العالمية أو منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن درجة تأثير انتشار المرض في أسواق المواد الغذائية تتوقف على احتفاظ البلدان بهدوئها في مواجهة اضطرابات سلسلة الإمداد وعدم اللجوء إلى سياسات إفقار الجار. والتدفق السلس للتجارة العالمية سيساعد على تأمين توريد الأغذية.
ويطالب الخبراء بوجوب مراقبة أسعار الأغذية ومراقبة الأسواق علاوة على أهمية أن يتوفر الدعم للبلدان والشعوب الأشد احتياجا، ليس عن طريق توفير الرعاية الصحية فحسب، وإنما أيضا عن طريق المساعدات من خلال شبكات الأمان التي تتمتع بالمرونة في الاستجابة للأزمات.
ويرى خبير الأمن الغذائي والطوارئ فاضل الزعبي، أن قطاع الزراعة لن ينأى بنفسه عن الأزمة الحالية، وهذا يؤثر في مبدأ الأمن الغذائي الذي يتركز على 3 عناصر تتمثل في: توفيره، وأن يكون سليما، مع سهولة الوصول إليه.
وأشار إلى أن الأزمة الحالية أثرت بالفعل على حركة النقل في ظل تقييد الحركة ودعم إطلاقها بشكل كامل. كما أنها ستؤثر أيضا في سلامة الغذاء، خاصة أن العالم بحاجة إلى أغذية معينة لتقوية أجهزة الجسم لمواجهة كورونا. ولفت إلى أن العالم سيواجه بالفعل أزمة في انخفاض المداخيل وعدم المرونة في فرص العمل، وبالتالي تتأثر الفئات التي تحصل على غذائها يوما بيوم.
وأضاف أن ما يحدث في الوقت الحالي تسبب بشكل مباشر في تكالب كبير على السلع، وهو ما يتسبب في ارتفاع أسعارها، وبالتالي عدم قدرة البعض على شرائها.
وتعمل حكومات الدول المتضررة من فايروس كورونا على توعية المواطنين بعدم الوقوع في فخ الشراء العشوائي الذي يفرضه الخوف مما سيحصل مستقبلا. وجهزت جل الدول خطط طوارئ اقتصادية متبوعة بقرارات تستهدف قبل كل شيء تأمين المخزون الاستراتيجي للغذاء والدواء والمواد الاستهلاكية الرئيسية. ورفعت المنظمات الدولية من تحذيراتها من أخطار أن ينتشر الوباء في القارة الأفريقية التي تعدّ بلدانها أكثر فقرا من بين دول العالم خاصة بعدما تفشى المرض في رواندا.
ضخت أغنى دول العالم مساعدات غير مسبوقة في الاقتصاد العالمي مع زيادة حالات الإصابة بفايروس كورونا في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة
وكانت منظمة الصحة العالمية قد عبّرت مرات عدة مؤخرا عن قلقها من انتشار الوباء في القارة الأفريقية التي تفتقد أنظمتها الصحية إلى وسائل مكافحة الأمراض.
وسجلت ست وفيات في إفريقيا جنوب الصحراء حتى الآن: ثلاث في بوركينا فاسو وواحدة في كل من الغابون وجزر موريشيوس وجمهورية الكونغو الديمقراطية في العاصمة كينشاسا.
وعلى الرغم من حظر التجمعات وإغلاق المدارس والحانات والمطاعم والقيود على النقل الجوي خصوصا المطبقة في دول عدة في جنوب الصحراء، يواصل الوباء انتشاره.
وتقول سلطات دول عدة إن أكثر من 500 إصابة سجلت حتى 20 مارس في أفريقيا جنوب الصحراء بينها مئتا إصابة في جنوب أفريقيا وهو العدد الأكبر في دولة واحدة بالمنطقة. وقامت رواندا التي بلغ عدد المصابين فيها 17 شخصا، بخطوة إضافية في مكافحة الوباء السبت.
فقد أعلنت الحكومة عن منع التنقلات غير الضرورية والزيارات خارج المنازل، باستثناء الخروج للتسوق أو للعلاج أو للتوجه إلى المصرف وهو ما زاد في وتيرة الشراءات العشوائية للمواد الغذائية.