كوميديا مغربية يتبادل فيها السيد والخادم الأدوار

مسرحية “فكها يا من وحلتيها” من العروض الكوميدية التي قدّمت في الموسم المسرحي الجديد 2020 لمسرح محمد الخامس بالرباط من تقديم فرقة مسرح الحال. مسرحية من نوع الفودفيل شدت انتباه الجمهور أينما عرضت، لاتساقها وتعريتها للزيف والخداع في بعض الفئات الاجتماعية المُكابرة.

يحلم “علولة” بالعمل بالتمثيل في السينما والثراء السريع، ويعيدنا إلى ماضيه عبر ديالوغ في بداية مسرحية “فكها يا من وحلتيها” (جدْ حلا للمشكلة بعد أن عقَّدتها). حكى فيه علولة الذي مثل دوره أحمد الشركي عن نزوحه من قريته البعيدة إلى الدار البيضاء، وقد وعد أمه أنه لن يعود حتى يصبح ممثلا مشهورا وغنيا.

بذل البطل العديد من المحاولات للعمل كممثل كومبارس في إحدى الفرق المسرحية الشعبية بالدار البيضاء، مجانا وعلى أمل أن ينال الشهرة أولا، ولكن الفشل كان نصيبه.

وشعر وهو في العاصمة الاقتصادية الواسعة بالضياع، أنه كان مُخطئا بترك قريته الوادعة، إذْ لم يعبأ أحد في الدار البيضاء بموهبته في التمثيل. ولم يوافق أحد على تشغيله بأي عمل آخر، فقد كان لا يملك أي مهارة. وبعد معاناة مريرة عطف عليه أحدهم، وقدّمه إلى أم عبدالمعطي رجل الأعمال المعروف، ليعمل خادما في فيلتها. ومن هناك استطاع علولة أن يكسب ودَّ السيدة الكبيرة، فأوصت ولدها، قبل وفاتها أن يعامله كأخ له، وليس كخادم، وألا يطرده من خدمته لأي سبب.

و“فكها يا من وحلتيها” من تمويل وزارة الثقافة والشباب والرياضة المغربية، وتأليف عزيز موهوب، وإخراج عبدالكبيرالركاكنة، وتمثيل، نزهة عبروق، هند ضافر، عبدالكبير الركاكنة، أحمد الشركي، سينوغرافيا عبدالصمد الكوكبي، والإدارة التقنية لحسن المختاري. وعرضت المسرحية في العديد من المدن المغربية، كالقصر الكبير ومولاي إدريس زرهون والحاجب وتطوان وأرفود وغيرها.

مغامرات عاطفية

نقد لاذع للمتسلقين

اتسم العرض بطرح قضايا اجتماعية، ونقد لاذع للمتسلقين، الذين يبنون حياتهم ومستقبلهم على أُكذوبة “أنهم أثرياء” لإيهام من ارتبطوا معهنّ بعلاقة، أنهم أفضل العرسان المرشحين للاقتران بهنّ.

وتذكّر المسرحية بمسرح الفودفيل الفرنسي، وكوميديات كلاسيكية شهيرة تعود إلى القرن السابع عشر، كـ“المتخاصمون” لراسين، و“السيِّد” لكورني، و“مدرسة الأزواج” لموليير وغيرهم.

تتصاعد الأحداث في المسرحية، المؤلفة من مجموعة مفارقات ضاحكة عاشها “عبدالمعطي”، صاحب الشركات والمقاولات والذي مثل دوره عبدالكبير الركاكنة، وخادمه علولة، الذي لا يملك شيئا غير عمله كخادم عنده، لكنه يتأثر كثيرا بسلوك مخدومه، ومغامراته العاطفية، وكذبه على من يعرفهنّ، فيحاول تقليده.

مثّل عبدالمعطي بسلوكه رجل الأعمال الكسول، الذي لا يحتاج إلى أحد ويتصرَّف على هذا الأساس مع الجميع. وواحدة من مشاكله اليومية تعدَّد علاقاته النسائية، وفي الوقت نفسه يخطط للزواج من “زكية” التي جسدت شخصيتها على الخشبة هند ضافر، ابنة شريكه الغني، ليستحوذ على نصيبها في الشركة، طامعا بالملايين التي ستدرُّها عليه هذه الزيجة.

تتصل “منى”، مثلت دورها نزهة عبروق التي تعرف عليها علولة بالدار البيضاء، وأوهمها بأنه ممثل سينمائي ناجح، ويعيش في “فيلا” واسعة، ويملك عقارات ورثها عن عائلته. وكانت منى من الطامحات بالاقتران برجل مشهور وغني كعلولة فلم تفوَّت الفرصة، وطلبت منه عنوان فيلته، وعندما زوّدها به، قالت له إنها قادمة إليه خلال ربع ساعة.

سيّدة الدار

مسرحية لاقت نجاحا جماهيريا

توسّل علولة لسيِّده عبدالمعطي أن يعيره الفيلا لربع ساعة فقط، ليقابل فيها منى، لئلا تكتشف كذبه، وحين رفض سيِّده ذلك. لمّح له أنه سيكشف علاقاته النسائيّة لخطيبته زكية فتفشل زيجته، وتضيع عليه الملايين التي كان يأمل بها.

يزداد رفض سيِّده في المشاركة بالكذب على الفتاة، ولكن علولة لم ييأس، وذكّره بوصيّة والدته له، وكيف طلبت منه أن يكون أخا له وليس خادما. فوافق على مضض وعندها طلب منه أن يزوّده بملابس من دولاب ملابسه، وباروكة لتغطية صلعته. كما طلب منه أن يعلمه طريقة مشي رجال الأعمال، وأن يأخذ هو دوره، وملابسه القديمة، ليبدو أمامها كخادم له.

تتعمّق الأزمة حين تصل منى إلى الفيلا، فيكتشف عبدالمعطي مقدار جمالها، ويُعجب بها فورا، ممّا جعل الصراع يحتدم بين السيّد وخادمه في الخفاء حولها، ومن دون أن تنتبه منى لهذا الصراع الخفيّ، الذي سبّبه جمالها بين الرجلين.

وسرعان ما يكتشف عبدالمعطي حدَّة وصرامة هذه الفتاة الجميلة، التي ما أن سألها عن اسمها، وهو بملابس الخادم، مقتربا منها بتودّد، أجابته بجفاء “ما عرفتني؟ أنا مولاة الدار؟” (أنا سيّدة الدار).

وما أن جاء علولة بملابس سيّده، والباروكة تغطي صلعته، حتى بدأت تعامله كما لو كانت زوجته، كما أنها طلبت منه أن يهبها إحدى سياراته الخمس، وطلبت منه أن يسجّل الدار باسمها كمهر لها، بعد أن يعمل لها إصلاحات ضرورية. وازدرت ذوقه الهابط لاختياره السيء لأثاث فيلته.

وأخذت تتعامل بعصبية مع الرجلين، ممّا جعلهما يخشيانها، وينفّذان ما تطلبه منهما، حتى لا يثيرا غضبها، وطلبت من عبدالمعطي أن يجمع الأثاث في “كارتونات” لغرض نقلها إلى بيتها، للحفاظ عليها خلال فترة إجراء التصليحات للفيلا. وتسبّبت منى في تحطم جهاز التلفاز، الذي استورده عبدالمعطي من ألمانيا بثمن غال.

وبدا لعبدالمعطي أنه أوقع نفسه بمشكلة حقيقة، بموافقته على تبادل الأدوار مع خادمه، وكلما أراد أن يكشف لمنى من هو الخادم الحقيقي، توسّل إليه علولة ألا يكشف سرّه لمنى.

تعرية الخداع في بعض الفئات الاجتماعية المُكابرة

وازداد موقف عبدالمعطي حرجا حين اتصلت به خطيبته زكية وأخبرته أنها قادمة لزيارته. ولكي لا تكتشف زكية وجود منى، فتسيء الظن به طلب من علولة أن يخبر منى بأن خادمه عبدالمعطي أخبر خطيبته بأنه غني، وأن هذه الفيلا هي من أملاكه الكثيرة، وخطيبته، قادمة بعد قليل، وعليها هي وعلولة أن ينزلا إلى الطابق السفلي، لكي لا تراهما وتكتشف كذبه عليها.

وبعد عناد قصير، وأخذ ورد وافقا، وهبطا إلى الطابق السفلي، وعندها استقبل عبدالمعطي خطيبته، زكية ومن خلال حوارهما معا عرف منها أنه الخطيب الثالث لها، فالأول تركته لأنه لا يبالي بها، والثاني تركته لأنه غيور، وعرف أيضا من خلال وصفة دواء أعطتها له ليجلب خادمه لها الدواء من الصيدلية، فيكتشف أن الورقة تقرير عن حالتها الصحية العقلية، وعرف منها أنها كانت نزيلة مستشفى الأمراض العقلية لسنتين وشهرين.

وعندها تظهر منى وبصحبتها علولة، وهو يحاول منعها من فضح عبدالمعطي، فقد كانت تنوي فضحه أمام خطيبته، والتوضيح لها، أنه مجرّد خادم لدى خطيبها علولة، وقد كذب عليها. ولكن زكية تخبرها أنها تعرف أن علولة هو الخادم، وأن عبدالمعطي هو صاحب الفيلا، وما قالته زكية لمنى في نهاية المسرحية للتعبير عن أنها كانت مخدوعة من الرجلين “أنت من كانت مقلوبة عليها القفة (أنت المخدوعة)، ولست أنا”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: