هدنة سياسية محفوفة بالشكوك بين السلطة والشارع في الجزائر
خلت الشوارع الجزائرية، الجمعة، من مظاهر الاحتجاجات السياسية لأول مرة خلال أيام الجمعة منذ أكثر من عام، بعدما علقت فعاليات الحراك الشعبي المظاهرات الأسبوعية بسبب وباء كورونا، وفي المقابل شددت السلطة على تطبيق الإجراءات الاحترازية بقوة الردع، حماية للسكان من الوباء.
للمرة الأولى، منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية العام الماضي، يمر يوم الجمعة دون أن تشهد شوارع العاصمة الجزائرية وجل مدن ومحافظات البلاد، خروج الآلاف من الجزائريين للاحتجاج ضد السلطة القائمة، بعد إجماع على الإذعان لهدنة مؤقتة تضع حماية صحة السكان على رأس الأولويات. لكن ذلك لم يمنع في المقابل النشطاء من الاحتجاج عبر العالم الرقمي، من خلال تعبئة على شبكات التواصل الاجتماعي لإطلاق سراح الموقوفين.
وفيما شددت السلطات المختصة على تنفيذ التدابير التي أقرتها الحكومة من أجل التخفيف من انتشار وباء كورونا وسط السكان، توجه نشطاء الحراك إلى حملات تعبئة على شبكات التواصل الاجتماعي.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أوصى في اجتماع ضيق لمجلس الوزراء، بـ”ضرورة تشدد الأجهزة الأمنية مع أي تجمع أو مسيرة تهدد سلامة المواطن”. وأكد قبلها “حظر أي تجمع أو مسيرة مهما كان شأنها وتحت أي عنوان، تفاديا لتفشي وباء كورونا”، في إشارة إلى تظاهرات الحراك الشعبي.
وقال بيان الرئاسة إن تبون “استهجن الأصوات الناعقة التي تمتهن بإصرار غريب فن ترويج الشائعات المغرضة والأخبار الكاذبة المدفوعة بحسابات دنيئة حاقدة، وحذر من مغبة التمادي في الانحراف بحرية التعبير خارج إطارها القانوني”، في إشارة إلى تفشي المضامين المروعة على شبكات التواصل الاجتماعي.
مع ذلك تبقى بوادر الشكوك بين الشارع والسلطة قائمة، بسبب ممارسات أمنية طالت بعض الناشطين البارزين في الحراك الشعبي، وهو ما أدى إلى تصاعد الأصوات الداعية إلى ضرورة إطلاق سراح الموقوفين الذين يحوزون قرينة البراءة، بغية تخفيف الضغط على السجون، والحيلولة دون تسجيل إصابات جديدة في الأوساط المذكورة.
وعبر المحامي والناشط الحقوقي عبدالغني بادي، عن استغرابه الشديد مما أسماه بـ”الممارسات الأمنية والقمعية المطبقة على بعض الناشطين، في ظل الظروف الاجتماعية المضطربة التي تعيشها البلاد، واستغلال الهدنة المعلنة من طرف الحراك للاستمرار في ملاحقة الناشطين”.
وأضاف أن “الممارسات المسجلة في الآونة الأخيرة، تفضي إلى استنتاج مؤشرات خطيرة، تنطوي على تغول غير مسبوق للأجهزة الأمنية على حساب السلطة القضائية، وخرق للمنظومة القانونية والحقوقية”، ملمحا في ذلك إلى توقيف الناشط الحقوقي إبراهيم دواجي، خلال الأيام الأخيرة من طرف جهة أمنية، حيث لم يعلن عن وجهة احتجازه، كما تبرأت السلطة القضائية المختصة إقليميا من إصدراها لأي قرار توقيف للمعني.
الممارسات المسجلة في الآونة الأخيرة تفضي إلى استنتاج مؤشرات خطيرة، تنطوي على تغول غير مسبوق للأجهزة الأمنية على حساب السلطة القضائية
وكشف المتحدث بأن “فريق المحامين أجرى العديد من الاتصالات بالسلطات القضائية المختصة حول مصير الناشط إبراهيم دواجي، وحتى بالأجهزة الأمنية (الشرطة والدرك)، لكن كل الجهات المذكورة نفت أن يكون الرجل بحوزتها”، وهو ما اعتبره فعل “اختطاف خارج القانون”، وأنه “لم يتم التعرف على مكان احتجازه إلا بعد مرور أيام على اختفائه، حيث وجد في مصلحة تتبع لجهاز الأمن الداخلي بالعاصمة وهو في حالة منهارة”.
ولفت المحامي إلى أن إبراهيم دواجي كشف عن تعرضه لأشياء خطيرة، سيكون الأحد (غدا)، موعدا للكشف عنها لهيئة المحكمة، وهي ممارسات إذا تم تأكيدها تعيد سيناريو حقبة تسعينات القرن الماضي (العشرية الدموية) إلى الأذهان، لما كانت الاختطافات والتعذيب وحتى التصفيات الجسدية تجري خارج أطر القانون والقضاء.
وكانت الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، قد أعلنت “اختطاف المناضل والمعتقل السابق إبراهيم دواجي، في مدينة مستغانم 450 كلم غرب العاصمة، التي يقيم فيها، الاثنين الماضي، بينما كان يستقل سيارته”.
وحسب بيان للرابطة فإن “المعلومات الأولية التي تحصلت عليها العائلة أفادت بأن إبراهيم تم اعتقاله من قبل جهات أمنية جاءت من العاصمة على أساس أنه سيحال إلى القضاء، الأربعاء، وأن عددا من المحامين تواصلوا مع وكلاء النيابة بمحاكم العاصمة للوقوف مع دواجي في حال عرضه عليهم، وتبين أنه لا علم للجهات القضائية باعتقاله من عدمه، ونفس الشيء على مستوى مركز الدرك الوطني بالعاصمة”.
وفيما ذكرت الرابطة أن المختطف قد اتصل بعائلته لإبلاغها بتواجده في مركز الدرك المذكور، فإن المحامي عبدالغني بادي، نفى في تصريحه الأمر، واستغرب ذلك، لأن الناشط الموقوف أبلغه بأنه لم يجر أي اتصال مع أي كان.
وشدد بيان الرابطة الحقوقية على ضرورة “فتح الجهات القضائية لتحقيق مستعجل حول مصير وظروف توقيف الناشط إبراهيم دواجي”. وكشفت أنها ستباشر اتصالات دولية لدى الهيئات الحقوقية الدولية للتبليغ عما أسمته بـ”جرائم الإخفاء القسري والتعذيب، من أجل التدخل العاجل قصد إنقاذ حياة إبراهيم وحمايته من كل تعذيب محتمل”.