المغاربة بين الإلتزام بالأوامر وتأمين القوت

لا يمكن للمجتمعات أن تقاوم فايروس كورونا المستجد في ظل عدم توفر دواء شاف منه سوى الوقاية، والحجر الصحي الذاتي، الخيار الثاني يرهق الطبقات الفقيرة من المجتمع المغربي فأغلبها مياومين، يحتاجون للخروج كل يوم بحثا عن قوت عيالهم، لذلك اقترح بعض الناشطين ونجوم كرة القدم مبادرات لمساعدة هؤلاء إلى حين انتهاء أزمة الوباء المستجد.

دعوات نشطاء مغاربة إلى ضرورة ملازمة المنازل وعدم الخروج، منعا لتفشي فايروس كورونا المستجد، فجرت جدلا واسعا بين مؤيد للمقترح ورافض له، باعتبار الاحتياجات اليومية وتوفير قوت العائلة، في حين وجد آخرون أفضل الحلول التي تتمثل في التآزر ومساندة العائلات الفقيرة بعيدا عن الجدل.

مؤيدو الدعوات يستندون إلى مخاطر وصول المغرب إلى نفس مستوى دول أخرى في تفشي الوباء على أراضيها، إذا استمر الأفراد في حياتهم الاعتيادية، وهو ما يشكل خطرا على البلاد. أما معارضوها فيرون أن الكثير من المواطنين لا يملكون قوت يومهم إذا لم يخرجوا للعمل.

وبين حجج الطرفين، يقف المواطنون في حيرة من أمرهم بسبب فايروس لا يزال يفاجئ حتى أعتى اقتصادات العالم، في الوقت الذي أطلق فيه عدد من النشطاء والإعلاميين بالمملكة مبادرات تضامنية مثل التكفل بمصاريف أسر فقيرة، أو المساهمة في مصاريف الكراء لعاملين توقفوا عن العمل، بسبب قرار السلطات إغلاق المطاعم و السينما والأماكن الرياضية والترفيهية.

نشطاء وإعلاميون مغاربة أطلقوا قبل أيام، بمنصات التواصل الاجتماعي، حملة “كلس في دارك” (إجلس في بيتك)، من أجل تفادي انتشار فايروس كورونا، فيما أطلقت صفحة أخرى على فيسبوك حملة “بقا في دارك (ابق في بيتك)”.

ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي: يتعرض تضامننا وتعقلنا ومشاعرنا تجاه بعضنها البعض للاختبار، وأتمنى أن نجتازه بنجاح

وقالت الصفحة إن “القضاء على فايروس كورونا، ومحاصرته، كما نجحت الصين في ذلك، يعتمد على وعي الشعب، ثلاثة أسابيع إذا التزم فيها الجميع ستكون كافية لإحصاء كل الحالات والحد من انتشاره، لذلك لا تخرج إلا للضرورة القصوى .. وارفض مصافحة أي أحد”.

في المقابل، يرفض عدد من المواطنين دعوات ملازمة منازلهم، حيث قال التهامي الخمليشي، وهو عامل بالقطاع الخاص، في تدوينة عبر فيسبوك، إن “الحملات التي تطالب بالمكوث في المنازل من اختصاص الدولة”.

وأضاف أن جلوسه في المنزل لن يوفر له قوت يوم أطفاله، وهو نفس الأمر بالنسبة للكثير من مواطني بلاده.

من جانبه، اعتبر الناشط المغربي مصطفى عمراني عبر صفحته على  فيسبوك “توقيف العمل ببعض الشركات وكل المقاهي والمطاعم وغيرها سيجعل الآلاف من دون مصدر رزق. الوضعية في المغرب هشة وأكثر من نصف العمال مياومون، وإذا لم يعملوا في يومهم، لن يوفروا قوتهم”.

وشدد على أن “هذا وقت التضامن والتراحم العفوي بين أفراد المجتمع ومن حق الدولة فرضه بالقوة على كبار الميسورين”.

واقترح البعض من أصحاب المنازل عدم مطالبة المكترين بواجب الكراء الشهري، حتى تمر هذه الجائحة بسلام، في حين أبدى آخرون استعدادهم الكامل لتقاسم ذخيرة موادهم الغذائية مع من هم في حاجة إليها.

رزقنا في الشارع

وكتب أحد الناشطين أنه إثر انتشار فايروس كورونا، “يتعرض تضامننا وتعقلنا ومشاعرنا تجاه بعضنها البعض للاختبار، وأتمنى أن نجتازه بنجاح”، وهي العبارة التي كانت وجهتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمواطنيها، لحثهم على التضامن للتغلب عن هذه الجائحة التي تحبس أنفاس العالم.

وقال الإعلامي المغربي مصطفى بنرادي إنه “لا يوجد عاقل يمكن أن يدعو كل الناس إلى ملازمة بيوتهم وعدم الخروج. ولا يمكن لعاقل أن يدعو لتدمير اقتصاد البلاد بتوقيف عجلة الإنتاج، كما لا يمكن لمن يملك ذرة مسؤولية أن يساهم في ذلك”.

وأضاف عبر صفحته الرسمية بفيسبوك “ما ندعو الناس إليه هو أن الكثير من أغراضنا غير المستعجلة وغير الضرورية لا داعي لها، إيثارا للسلامة”.

ودعا إلى “تقليص فرص احتكاك الأطفال بالعالم الخارجي في هذه الأيام”، وطالب كبار السن “بتقليل حركاتهم، بما فيها الصلاة في المساجد، لأن الفقهاء من مراجع معتمدة أجازوا ذلك”.

وأعلن عدد من الناشطين عن مبادرات تضامنية، مثل التكفل بمصاريف أسر فقيرة، أو مساعدة عدد من الأفراد الذين توقفوا عن العمل.

وفور إعلان المغرب، الاثنين، عن التدابير والإجراءات الاحترازية المتخذة للتصدي لخطر تفشي فايروس كورونا والتي شملت إغلاق المطاعم والمقاهي، وقاعات السينما، والمسارح، والحمامات، وغيرها من الأماكن التي يشتغل فيها الآلاف من المواطنين المغاربة وتشكل مورد رزقهم الوحيد، حرص نجوم الدوري المغربي لكرة القدم، وبعض المحترفين، على تقديم دعمهم ومساندتهم اللامشروطة للمواطنين والأسر التي تضررت بشكل مباشر وغير مباشر من إجراءات محاربة انتشار كورونا.

وجاء في بيان لوزارة الداخلية المغربية، أن الإغلاق “لا يشمل الأسواق والمتاجر ومحلات عرض وبيع المواد والمنتجات الضرورية للمعيشة اليومية للمواطنين، وكذا المطاعم التي توفر خدمة توصيل الطلبات إلى المنازل”.

وقال صلاح الدين السعيدي، لاعب خط وسط ميدان فريق الوداد البيضاوي لكرة القدم، إن الظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا والعالم، بسبب فايروس كورونا المستجد، تجعل من التكافل الاجتماعي واجبا وطنيا وليس منة، وحث عموم المغاربة لمساعدة بعضهم البعض لتجاوز تبعات المحنة المذكورة.

وقام زميله بالفريق، عبداللطيف نوصير، بخطوة إنسانية رائعة، بإعلانه تخصيص جزء من راتبه لمساعدة بعض الأسر الفقيرة، التي ستتضرر بشكل أو بآخر بسبب فايروس كورونا.

وكتب اللاعب الودادي على صفحته في موقع فيسبوك، “كمواطن مغربي سأتكلف بعائلة أو أكثر حسب استطاعتي من خلال تخصيص جزء من راتبي أو أكثر.. أدعو الجميع إلى التضامن.. والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”. وأعلن مدافع الرجاء البيضاوي، بدر بانون، بدوره عن انخراطه في حملة التبرعات، من خلال التكفل ببعض الأسر التي تعاني من وضعية مادية صعبة.

وقال “في هذا الوقت العصيب الذي يجتازه بلدنا، وبعد إغلاق مصادر عيش العديد من الأسر المغربية، ليس رياء ولكن تضامنا مع أبناء بلدنا الكريم، أعلن عن تكفلي ببعض العائلات التي تضررت من هذا التوقف الاضطراري بسبب هذا الوباء الخطير”.

قلب واحد مع أبناء الوطن الواحد

وأضاف في منشوره على إنستغرام “أتمنى من ميسوري الحال مساعدة العائلات الفقيرة، والله لا يضيع أجر المحسنين.. التضامن واجب”.

وانضم أيضا لاعب الرجاء السابق، عصام الراقي، إلى لائحة اللاعبين الذين أعلنوا عن تضامنهم مع الأسر المتضررة، وحث المغاربة على التكافل وتكريس أجواء الوئام والمحبة في هذه الظرفية العصيبة.

وجاءت المبادرة الأكبر من النجم المغربي عبدالرزاق حمد الله، المحترف في صفوف نادي النصر السعودي، والذي قرر تحمل تكلفة 1000 أسرة مغربية، كما دعا المغاربة إلى توخي الحيطة والحذر من انتشار الفايروس بينهم.

والأحد، قرر المغرب إنشاء “صندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء فايروس كورونا بمبلغ 10 مليارات درهم (مليار دولار)، للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية”.

ونجح المغرب خلال يوم واحد في جمع أكثر من 10 مليارات درهم لمواجهة تداعيات فايروس كورونا المستجد، بعدما أعلن أثرياء وشركات عمومية وخاصة وأعضاء الحكومة والبرلمان تقديم مساهمات وتبرعات مهمة لفائدة صندوق مكافحة آثار هذه الجائحة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: